مقالات ودراسات » الرقابة في المجتمعات الديموقراطية.. أفعل

الرقابة في المجتمعات الديموقراطية.. أفعل
كتبت نور السبع...
في مقابلة له في &laqascii117o;لوموند ديبلوماتيك" في آب ,2007 انتقد نعوم تشومسكي بقسوة، الرقابة الضمنية لوسائل الإعلام في الأنظمة الديموقراطية: &laqascii117o;نظام الرقابة في المجتمعات الديموقراطية قوي وفعال. فهو يقطّرها لتصبح لامرئية مثل الهواء الذي نتنشقه. أحياناً كثيرة نُخدع فنظنّ أننا أمام نقاش حامٍ. لكن في العمق، إن هذا الأسلوب أفعل بكثير من (أسلوب) الأنظمة التوتاليتارية".
لكن، ألا يجعل ذلك من الديموقراطيات مجرد أشكال أكثر تطوراً وتعقيداً للأنظمة التوتاليتارية؟ يذهب تشومسكي أبعد في حجته وهو يقول إن الأمر يتعلق بفبركة رأي موحد، يسمح للدولة بأن تستعمل التواصل، بالمعنى العام، كتقنية للتلاعب بالرأي العام: &laqascii117o;تنتج صناعة العلاقات العامة، بالمعنى الحرفي للكلمة، استسلاماً وتقبلاً وخضوعاَ. هي تتحكم بالعقول والأفكار والأرواح. وهذا يعتبر بالمقارنة مع التوتاليتارية، تقدماً كبيراً. فنحن لا شك نفضّل أن &laqascii117o;نتعرض" لإعلان على سبيل المثال، بدلاً من أن نجد أنفسنا في غرفة تعذيب"، كما يقول.
على كل، بدأ يطرح اليوم وأكثر من أي وقت مضى، سؤال استقلالية وسائل الإعلام. خصوصاً أن المجموعات الإعلامية الكبيرة القريبة من السلطة، تتحكم أكثر فأكثر بالمعلومة. في الولايات المتحدة، البلد الذي تعتبر فيه حرية التعبير من أهم بنود الدستور، نشهد على عملية &laqascii117o;وضع يد" ينفذها روبرت مردوخ، القطب الأوسترالي الأميركي في عالم الصحافة، على أبرز صحيفة مالية مستقلة &laqascii117o;وول ستريت جورنال". وهو يطمح لإنشاء قناة تلفزيونية تابعة لشبكة &laqascii117o;فوكس نيوز"([) من شانها منافسة قناة &laqascii117o;بلومبرغ"، المحطة رقم واحد في عالم المال والتي يشاهدها كل المحترفين في السوق المالية. ان شراء &laqascii117o;وول ستريت جورنال" سيشرعن مصداقية المجموعة الإعلامية بكاملها ! والجدير ذكره أن مردوخ يملك 175 صحيفة في العالم، ويسيطر على 35 محطة تلفزة في الولايات المتحدة، عدا عن المحطات الفضائية التي تبث خاصة في الشرق الاوسط وآسيا. وهكذا تصبح الجريدة الاقتصادية الأكثر انتشاراً والأكثر مصداقية مع الفايننشال تايمز، ملكاً لرجل قريب من سلطة المحافظين الجدد.
بدأت في فرنسا حالة مماثلة بالظهور. فقد اشترى برنارد أرنو، مدير &laqascii117o;ال في أم أش" (الشركة التي تصنع ماركات أنيقة مثل لوي فيتون) صحيفة &laqascii117o;لي زيكو" (les echos )، المطبوعة الفرنسية الاقتصادية الأرقى. وأرنو هو أحد كبار المقربين من الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، المتطبع بأطباع وأيديولوجية المحافظين الجدد الأميركيين. فريق تحرير &laqascii117o;لي زيكو" يقاوم اليوم من خلال الامتناع عن الصدور وتحركات الأحزاب والحملات الإعلامية، ويتمنى الاحتفاظ بحريته في الكتابة. فمجلة &laqascii117o;الأكسبرس" تلاحظ اتجاه المجموعات الكبيرة الفرنسية غير المتخصصة في الصحافة على أن تشكل لنفسها واجهة إعلامية: إن أرباب العمل الكبار &laqascii117o;تراودهم صورتهم في أهاب" المواطن كين &laqascii117o;كما فيلم أورسون ويلز الشهير، على حساب استقلالية الخط التحريري. ليس برنار أرنو وحده في هذا المجال: فنسان بولوري، أرنو لاغاردير، فرنسوا بينوا (كلهم مقربون من رئيس الجمهورية الحالي) يستثمرون أيضاً في الصحافة. وفي الواقع، فإن باستطاعة مستثمري القطاع الخاص ان يفسدوا حرية الصحافة. في الدول التوتاليتارية يتم التحكم بالصحافة عبر الدولة. أما الدول الديموقراطية فتكتفي بوضع الإطار القانوني لضمان حرية الوصول للمعلومة، تعدد المصادر الحيادية واحترام حرية التعبير. وهذا عبر مراقبة شفافية التمويل وتعدد المستثمرين من دون النظر إلى تعددية الانتماء السياسي . وفي اي حال، لا تستطيع الدول التدخل في حركة الاستثمارات الخاصة مخالفة الدستور. ولقد أصبحت حرية التعبير في فرنسا المؤطرة اكثر من الولايات المتحدة وبشكل واضح. &laqascii117o;المجلس الأعلى للمرئي والمسموع" مثلاً هو الهيئة المكلفة بضمان حرية الوصول للمعلومة، تعدد المصادر، الحيادية في الصحافة واحترام حرية التعبير. لكن هذه الهيئة ليست خاضعة للضغوط السياسية حتى لو تم إنشاؤها من قبل الدولة. لا تستطيع الدولة أن تتدخل في حركة الاستثمارات خاصة، وإلا أصبحت سابقة في النظام الرأسمالي ومخالفة للدستور. الناطق باسم الاليزيه لوران واكيز، أكد وجهة النظر هذه في &laqascii117o;باري ماتش" :&laqascii117o;بصفتي نائباً، كنت وقعت عريضة ضد العملية. لكن بصفتي عضواً في الحكومة، لا يمكننا التدخل في ملكية وسائل الإعلام". وعلى حد قول عضو الحكومة واكيز، الذي هو علاوة على ذلك الناطق باسمها، فإن حرية الرأي هي في خطر. لا بل إنه يقول إن الدولة، مع أنها تتدخل أكثر من أي وقت مضى في اتجاهات القطاع الخاص، إلا أنها لا تستطيع ان تضمن إذا كان هذا القطاع يخرق قانوناً معروفاً بكونه دستورياً في العام.1984 أي حرية الصحافة.
وهكذا تصبح الدولة مستفيدة &laqascii117o;غصباً عنها" من سيطرة القطاع الخاص الموالي لسياستها على الصحافة.
([) تعتبر &laqascii117o;فوكس نيوز" الناطقة باسم صقور المحافظين الجدد وكانت موضع تنديد منظمات رصد الأداء الصحافي في أميركا، بوصفها قناة بروباغندا &laqascii117o;الوطنية" الأميركية التي قمعت الحريات باسمها، ووقفت خلف بوش في التمهيد وخوض حرب احتلال العراق.
المصدر : صحيفة السفير اللبنانية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد