إقليمي - صحافة إقليمية » حرب المسيّرات اليمنية: واشنطن تخاطر بفقدان ثقة الحلفاء

السيناريوهات الأمريكية المطروحة ضد إيران في أعقاب الهجمات الاخيرة على الأهداف النفطية السعودية
ربما كان أمرا معروفا بشكل مسبق أن تعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه اتهامها مباشرة إلى طهران واعتبارها المسئول الأول عن توجيه الطائرات المسيرة التي استهدفت بعض المواقع النفطية الهامة داخل الأراضي السعودية، ولعل السؤال الذي بات يطرح نفسه الآن؛ ما هو رد الفعل الأمريكي المحتمل إزاء الهجمات الأخيرة؟

قد يبدو واضحا أن الولايات المتحدة أصبحت في مأزق، فعلى الرغم من أن الهجمات الأخيرة لم تؤثر عليها بشكل مباشر، إلا أن ارتفاع أسعار النفط المترتب على تخفيض الإنتاج من شأنه أن يضرب الصناعة الأمريكية في مقتل. ولعل واشنطن هي من دفعت بالمملكة العربية السعودية للانضمام إلى التحالف الذي يقود الحرب في اليمن، والآن أصبحت السعودية في موقف لا تحسد عليه وبخاصة في ظل الضغوط الداخلية التي يمارسها أفراد الأسرة الحاكمة على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حيث أدى انخفاض إنتاج النفط إلى تقويض التماسك السياسي للمملكة.

ولا شك أن السعودية تعد لاعبا أساسيا في العالم العربي السني والذي يعد بمثابة التهديد الأكبر لإيران، وبالتالي فإن فشل طهران في الرد على أي هجوم ضد منشآتها النفطية الحيوية سوف يسمح بتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد اتجهت الميول الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس ترامب إلى تجنب العمل العسكري وتفعيل الضغوط الاقتصادية كجزء من الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع طهران، وبالتالي ، فإن العمل العسكري ضد إيران من شأنه أن يعرض هيكل التحالف للخطر ويوقف الاستراتيجية الأمريكية.

قد يكون الخيار الأفضل بالنسبة لواشنطن هو فرض المزيد من العقوبات ضد طهران، ولكن هذا الخيار قد تشوبه مشكلتين رئيسيتين وهما: أولا، أن العقوبات الاقتصادية لا تحدث التأثير النفسي الذي يحدثه العمل العسكري، ومن المؤكد أن التأثير النفسي الذي تتمناه الولايات المتحدة سيحدث على صعيد كل من إيران والعالم السني على حد سواء، ولعل هذه هي النوايا الخفية للقوة العطمى الأولى في العالم. وثانيا، أن أمريكا قامت فعليا بفرض أقسى وأشد أنواع العقوبات ضد طهران وبالتالي فلا مجال للحديث عن أي تأثيرات إضافية حيث أن أي عقوبات جديدة لن تكون بالثقل المرجو.

ويرى خبراء بأن الخيار العسكري الوحيد الذي قد يسبب صدمة اقتصادية حقيقية لإيران يتمثل في قيام الولايات المتحدة بحصار الموانئ الإيرانية وإغلاق مضيق هرمز، ولكن هذا الخيار تشوبه بعض نقاط الضعف أيضا. أولا فإن هذه العملية تتطلب نشر قوة بحرية ضخمة تشمل عدد كبير من حاملات المجموعات القتالية، ثانيا قد يتعرض الأسطول الأمريكي لضربة إيرانية مفاجئة، وبالرغم من امتلاك السفن الحربية الأمريكية لإمكانيات قتالية فائقة إلا أن أي خطأ محتمل قد يؤدي إلى تدمير إحدى سفن الأسطول وهي خسارة فادحة في حد ذاتها، وقد يتطلب الأمر هنا توفير نوع من الغطاء الجوي للمعركة مما يضيف بعدا جديدا أكثر كلفة. وأخيرا فإنه يمكن النظر إلى هذا الحصار باعتباره نقطة فاصلة، فإذا لم ترضخ إيران، فسوف يستمر الحصار لأجل غير مسمى لأن محاولة إنهائه دون نتيجة ناجحة يعني هزيمة الولايات المتحدة أمام إيران.

وقد يكون الرد الأمريكي المحتمل على إيران هو قيام واشنطن باستهداف بعض الأهداف الإيرانية الهامة كمصانع إنتاج صواريخ كروز والطائرات المسيرة وما شابه، ولكن تكمن المشكلة الحقيقة في إمكانية حصول واشنطن على معلومات استخبارية دقيقة، فاتخاذ القرارات بناء على معلومات غير مؤكدة قد يؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها، فقد تتعرض بعض الأهداف والمواقع الخاضعة للحماية الأمريكية أيضا لضربة إيرانية محتملة، وهذا من شأنه أن يجعل أزمة الهجمات على النفط السعودي أكثر تعقيدا.

ولعل السؤال المثير للجدل الذي يطرح نفسه الآن؛ هل ستعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ سلسلة من التدابير العسكرية المؤلمة بهدف شل القدرة الإيرانية تماما في المستقبل! ففي حال فشل الحصار البحري في تدمير اقتصاد إيران فلابد من التصعيد للقضاء على القدرات الجوية الإيرانية أيضا.

وبالحديث عن المعارك الجوية، فقد أثبت التاريخ أنها تستغرق وقتا أطول بكثير مما هو متوقع وأحيانا تبوء بالفشل تماما مما يمنح الخصم فرصة لإعادة حشد قواته والاستعداد لعمل هجومي جديد. إن محاولة واشنطن للقضاء على قدرة إيران العسكرية والاقتصادية بشكل تام قد يكلف الولايات المتحدة الكثير والكثير، ويمكن في تلك الحالة أن تقوم إيران باستخدام صوارخيها الخفية لاستهداف مواقع أمريكية، فنفس الحال بالنسبة للحصار البحري، قد تستمر الحملات الجوية لأجل غير مسمى أيضا، فالضربات الانتقامية الصغيرة قد تفتح الباب أمام آليات المواجهة الإيرانية وقد تستمر لتشمل سلسلة من العمليات الممتدة.
وبالنسبة للخيار المتمثل في إمكانية إرسال قوات برية إلى إيران، فإنه لا يحل مشكلة السلاح الجوي الإيراني، كما أنه يعيد الولايات المتحدة إلى الأزمة التي أقحمت فيها منذ عام 2001 والمتمثلة في الرغبة في الاحتلال وتوسيع النفوذ الأمريكي داخل الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن الجيش الأمريكي قد يتمكن في تلك الحالة من القضاء على الجيش الإيراني، إلا أنه قد يقع في فخ حروب الميليشيات والتي من شأنها أن تخلق صراعا لا نهاية له.

ومن ناحية أخرى فإن الطبيعة الوعرة للدولة الكبيرة والتي يقارب عدد سكانها الـ 82 مليون نسمة قد تجعل من الصعب التغلب على القدرات الإيرانية والتي مازال معظمها خفيا داخل تلك الأراضي الفارسية الغامضة، كما أن محاولة الولايات المتحدة للترويج لفكرة القضاء على الإرهاب من جديد هي محاولة خاسرة، فصورة الجيش الأمريكي المحرر والمخلص لن يتم الترحيب بها مجددا في أي مكان بعد الآن.
قد يكون الهدف الأساسي وراء الضربة الأمريكية المحتملة لإيران هي استعادة الثقة السعودية في الولايات المتحدة الامريكية، ولكن يمكن القول حاليا بأن خيارات الهجوم ليست واعدة وقد تتسبب في تفاقم الأزمة مع طهران، صحيح أن أمريكا تسعى جاهدة للحد من النفوذ الإيراني داخل المنطقة، إلا أنه يجب ألا ننسى أن إيران تمتلك فعليا وكلاء لها وبعض مناطق النفوذ التابعة لها داخل كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، والتي استغرقت وقتا طويلا في بناء وتوطيد أركانها.

لننظر إلى لبنان مثلا، حيث يتمثل الوجود الإيراني هناك في حزب الله منذ عام 1980 فإذا ما تم القضاء على تلك الميليشا فإن الهيكل السياسي في لبنان سيتغير وسوف تخرج لبنان عن سيطرة إيران تماما، كما سيتم القضاء على النفوذ الإيراني في مناطق البحر المتوسط. ولكن هذه المهمة لا يمكن إسنادها إلى اسرائيل وحدها والتي لا تمتلك عتادا كافيا قدر ما تملكه الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن التحالف بين كلا القوتين هنا قد يضع العلاقة بين أمريكا وحلفائها من العرب السنة في مأزق. صحيح أن هذه العملية من شأنها الإضرار التام بمصالح إيران ولكن يصعب تنفيذها بأقل خسائر ممكنة.

قد لا يخدم استهداف واشنطن للأهداف الإيرانية الخارجية العلاقة الثنائية بين كل من الرياض وواشنطن، فقد يصعب على السعودية تصور الهجمات الأمريكية على مناطق النفوذ الإيراني خارج طهران هو مساندة للأمن القومي السعودي. وقد يكون من المحتمل أن تقوم السعودية نفسها بتوجيه ضربات جوية لإيران ولكن قدرتها على تحمل الخسائر الفادحة وتنفيذ حملة جوية طويلة الأمد هو أمر مشكوك فيه فقد يكون ذلك بداية لصراع لا حدود له ولا ضمان لنتائجه في المستقبل على الإطلاق.
وأخيرا يمكن القول بأنه في جميع الاحوال فإن جميع الخيارات العسكرية المطروحة غير جيدة مما يضع واشنطن في مأزق أمام حلفائها الذين اجتهدت في ضمهم إلى جانبها من أجل مناهضة إيران وذلك في حال ما إذا عجزت الولايات المتحدة عن تقديم الرد المناسب على الهجمات الأخيرة.

strategicfile

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد