مقالات ودراسات » اكبث والإنترنت

محمد رضا

يحاولون في بعض الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وألمانيا، دراسة ظاهرة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على الأولاد دون الـ13. هناك إحصاءات موضوعة في بريطانيًا، مثلاً، تشير إلى أن نسبة عالية جدًا بين الأولاد تحت ذلك السقف يستخدمون &laqascii117o;فيسبوك" و&laqascii117o;إنستغرام" و&laqascii117o;تويتر". نسبة مخيفة تصل إلى 71 في المائة من ذوي هذه السن أو دونها.
هذا هو واجب كل الدول في العالم بالفعل، لماذا على الأولاد في ذلك السن، أو حتى المراهقين حتى سن الـ18، أن ينشغلوا عن الحياة الاجتماعية الواقعية، وعن واجباتهم الدراسية أو مسؤولياتهم العائلية وعما أسس المجتمعات الراقية من آداب وثقافات وعلوم وفنون لأجل الانخراط، وعلى نحو مدمن بالفعل، على وسائط التواصل الاجتماعي؟
لست عالم نفس أو اجتماع، لكن طرح هذه الظاهرة لا يتطلب بالضرورة تحليلاً علميًا. هذا التحليل هو مسؤولية الغيورين على مستقبل العلاقات الإنسانية بين البشر حول العالم. لكن ما أستطيع ملاحظته هو أن تقدير أسباب النهضات الفنية والأدبية والثقافية عمومًا وصل إلى حد مخيف من التدني. لا ضرورة لإعادة الحديث عن نسبة الأمية الثقافية في عالمنا العربي وكيف أن الكتاب بات مهجورًا مثل سيارة انقلبت من فوق الطريق السريع قبل سنوات وبقيت مقلوبة وقد أصابها الصدأ.
&laqascii117o;أنا من أشد المعجبين بالممثل مايكل فاسبيندر وأرى أنه أفضل ممثل يستطيع لعب دور شكسبير".
كتب أحدهم على &laqascii117o;فيسبوك" مؤخرًا بمناسبة عرض فيلم &laqascii117o;ماكبث" الجديد من بطولة الممثل البريطاني فاسبيندر. الكاتب لم يخطئ باسم الممثل لكن أخطأ في القول إنه يلعب دور شكسبير، بينما هو يلعب شخصية ماكبث عن أحد أهم أعمال المؤلف العبقري.
عندما سئل من كتب عما إذا شاهد فيلم &laqascii117o;ماكبث" كان رد الكاتب صريحًا (للعجب) إذ قال: &laqascii117o;لا، لكني سأشاهده في أقرب فرصة".
أقرب فرصة؟ لقد انتهت عروض الفيلم في معظم عواصم العالم، والغالب أنه فات صاحب القضية الذي ضن على الممثل الذي يحب والرائعة الشكسبيرية بساعتين لا بد أمضاهما وهو يتابع كم &laqascii117o;لايك" سجل هذا اليوم؟
لجانب أنه تأكد أن ممثله هو أفضل من يلعب الدور من دون أن يشاهد الفيلم، فإن المسألة هي في ظاهرة الإدمان على وسائط التواصل الافتراضية التي تأخذ الوقت بعيدًا لا عن مشاهدة الأفلام فقط، بل عن كل شيء آخر تقريبًا: عن المدرسة، عن اللقاءات العائلية، عن التواصل الفعلي بين الناس ومن دون لابتوب أو هواتف نقالة، عن القراءة والمتحف والمسرح والموسيقى (المتوارثة وليس فقط الحديثة)..
نسبة عالية من الناس باتت تطرح آراءها في الحياة نضجت تلك الآراء أو لم تنضج. والمخيف أن كثيرا من الناس تقرأ فتصدق. إذا كتب أحدهم أن &laqascii117o;الحياة عبث وضياع" وافق عليه مئات القراء.. كل واحد منهم ينقر &laqascii117o;لايك" وانتهت الحكاية.
ليست المشكلة في أنه &laqascii117o;منبر حر" أو غير حر. الحرية على هذا النحو هي آفة.
علاوة على ذلك، هناك كثير من عدم الثقة الذي يتولّد لدى مدمني هذه الوسائط.
هناك من يستشير &laqascii117o;فيسبوك" عدة مرات في الساعة الواحدة ليتأكد أن ما كتبه نال ما يرضيه من &laqascii117o;لايك"، وإذا لم يفعل تهتز أعصابه قلقًا. المرض هنا اسمه محو الذات وإفلاس صاحبها من الثقة بالنفس.

المصدر: صحيفة الشرق الاوسط

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد