قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة السبت 21/5/2011

- 'النهار'
لماذا يقيم سعد الحريري خارج لبنان؟
ايلي الحاج:

'لا يريد الرئيس سعد الحريري أن يُحسَب له أو عليه شيء في موضوع التطورات التي تشهدها سوريا، لذلك قرر أن يكون بعيداً عنها مكانياً وموقفاً، وفي بلاد يمكنه أن يتابع منها أوضاع لبنان والمنطقة ويطلع على تفاصيل الإتصالات الدولية والإقليمية وما يجري في الكبيرة والصغيرة. وليست هناك دولة افضل من المملكة العربية السعودية للإقامة فيها موقتاً بسبب من تلبيتها هذه الشروط. فالمملكة دولة محورية في المنطقة، ثم إن عائلته تقيم فيها. والحقيقة أنه منذ اغتيال والده قبل 6 أعوام لم يُمضِ مع أفراد العائلة مدة طويلة نسبياً ومن غير انقطاع. كان يزورهم ليوم أو يومين كلما سنحت له الفرصة لئلا يكون غائباً عنهم كلياً، ولم تتح له المسؤوليات الضخمة التي تحملها أن يعيش معهم حياة طبيعية ويستمع إليهم ويحادثهم كأب وزوج. ثم إن الوضع السياسي في لبنان ثابت، والمشكلات على أنواعها تراوح مكانها منذ إسقاط حكومة الوحدة الوطنية وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي الذي يدور في دوامة التأليف منذ نحو أربعة أشهر، وسيظل يدور فيها أقله على المدى المنظور. هذا ما أعرفه، وكل ما يُقال ويُشاع عن أسباب أخرى مضخّم و'مبَهَّر' بالتعبير العامي. أقرأ أحياناً أخباراً عن هذا الموضوع تحملني على الابتسام، وأسمع في صالونات سياسية أحاديث عن أسباب أمنية. في رأيي أن من يكتبون ويتحدثون أصحاب مخيّلة واسعة وبعضهم لا يدري شيئاً عما يكتب ويتحدث. لا أنفي أن شركة 'سعودي أوجيه' عرفت سوء إدارة، ولكن ليس مشكلات مالية. قد يكون الرئيس الحريري استغل فرصة وجوده في السعودية لإجراء ترتيبات داخلية إدارية في الشركة الضخمة، هذا شيء والحديث الخرافي عن إهدارات أو خسائر بمئات الملايين أو مليارات الدولارات شيء آخر. الناس باتوا يستسهلون الحديث عن المليارات ، ينسون أن مليار دولار يساوي مليون مليون. أي شركة في العالم تظل واقفة على رجليها إذا خسرت مليار دولار؟'. المتحدث سياسي قريب من رئيس حكومة تصريف الأعمال، وكان قريباً ايضاً من والده الرئيس الشهيد. ينتقل إلى الحديث عن المحاولات الجارية لتأليف الحكومة وفي اعتقاده أن الرئيس نجيب ميقاتي 'أخطأ الحساب من الأساس. كان يظن أن في استطاعته تدوير الزوايا واكتشف مع تطور الأحداث والتعقيدات في الداخل والخارج أنه لا يستطيع أن يرضي حلفاءه الجدد ولا حليفه الدائم الذي هو جيبه. يريد ميقاتي في نهاية الأمر تأليف حكومة لا يبدي الأميركيون أي ملاحظة عليها، ويرضى بها جميع افرقاء 8 آذار في وقت واحد. هذه صعبة'. يوافق سياسيون من حلفاء الحريري وخصومه على أن الرجل آخر همه إنقاذ ميقاتي من ورطته، لذلك لا يبدي أي اهتمام لدى سؤاله مباشرة أو بالواسطة عما إذا كان مستعداً لإعطاء حكومة تكنوقراط مفترضة ثقة كتلته النيابية. يقول أحدهم إن ميقاتي بات يفكر أحياناً في مخرج يحفظ له ماء الوجه لا أكثر، لكنه يقرّ بأن ثمة أحداثاً وتطورات خطرة تستوجب أحياناً أن يكون رئيس الحكومة في لبنان - وإن تكن حكومته لتصريف الأعمال - كي يعالج الأوضاع عن قرب، ويعطي مثالاً ما شهدته الحدود الشمالية والجنوبية في يوم واحد من توترات الأحد الماضي. ويقول آخر وهو ديبلوماسي سابق إن الحريري لا يزال لا يعترف بحق ميقاتي في ترؤس الحكومة، لكنه يحمل رئيس الحكومة المكلف تبعة عدم التجرؤ على حكومة تضم كباراً من كل طائفة يغطون وزراء أقل منهم شأناً. ويضيف أنه لو كان مكان ميقاتي لشكّل حكومة تضع الجميع أمام أمر واقع، فتضم من الموارنة النائب سامي الجميّل وكتائبياً آخر غير معلن أو قريباً من الكتائب 'وليزعل الجنرال ميشال عون فإرضاؤه ممكن بتوزير من يريدهم'، ومن الشيعة الرئيس حسين الحسيني، ومن الروم الكاثوليك السفير فؤاد الترك، وهكذا... لكن ميقاتي حذر لا يترك مكاناً للجرأة في حركته السياسية، يقول السياسي الأقرب إلى 8 آذار. ويضيف هامساً أن الوضع في سوريا سيضغط على لبنان سواء تمكن الرئيس بشار الأسد من استعادة السيطرة تماماً على مجريات الأمور في بلاده أو سارت الأوضاع في اتجاهات مأسوية. إلا أن سياسيا آخر بارزاً في 14 آذار يرى الوضع من منظار أبعد وأكبر: 'ما يحصل في المنطقة أقرب ما يكون إلى مرحلة تفكك الإمبراطورية العثمانية ونشوء أوضاع مختلفة جذرياً في العالم العربي. المسألة أكبر وأهم من لبنان وعملية تأليف الحكومة فيه. فلنبقِ عيوننا على سوريا'.


ـ 'الأخبار'
المحكمة الدولية تستعدّ ليوم الاتهام
عمر نشابة:

تسعى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى استعادة الاهتمام الذي كانت قد حظيت به خلال المرحلة السابقة، إذ إنّ على المسؤولين فيها إعداد الساحة للقرار الاتهامي المنتظر، ولن تكون، على ما يبدو، الأحداث في سوريا بعيدة كثيراً عن لاهاي.
&laqascii117o;إن الجرائم التي تقع في سوريا ليست من اختصاصنا" أجاب أحد الموظفين في مقرّ المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري (المعروفة باسم المحكمة الخاصة بلبنان) لدى سؤاله عن تزامن تعديل المدعي العام دنيال بلمار القرار الاتهامي (أحيل القرار المعدل على قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين يوم الجمعة 6 أيار الجاري) مع تطوّر الأحداث في سوريا. ورغم تأكيده أنّ &laqascii117o;المحكمة الخاصة تعمل وفق معايير قانونية ولا علاقة لها بالسياسة" أشار الموظف، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أنّ &laqascii117o;للمدعي العام حق انتهاج الأساليب المهنية التي يراها مناسبة لجمع المعلومات"، ولم يوضح إذا كانت تلك الأساليب تعني جمع إفادات شهود أو معلومات، أفادت وسائل إعلام دولية أخيراً أنّ مكتب بلمار حصل عليها من أجهزة استخبارات فرنسية. وأفاد الموظف أن أحد المحققين في مكتب بلمار قال له إنه تواصل مع المحققين بو أستروم (سويدي) وغونتر نيفر (ألماني) اللذين عملا في لجنة التحقيق الدولية المستقلة عام 2005. وكان رئيس اللجنة ديتليف ميليس قد اعتمد على تحقيقات أستروم ونيفر في صياغة التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية المستقلة (2005)، الذي أشار الى ضلوع كبار المسؤولين في الجمهورية العربية السورية في جريمة اغتيال الحريري وادّعى، نقلاً عن شاهد سوري الجنسية، أن الشاحنة التي كانت محمّلة بنحو طن من المتفجرات، جهّزت في معسكر للجيش السوري في منطقة الزبداني. ولم يستبعد الموظف قيام عدد من السوريين، بينهم مسؤولون وضباط في الجيش وفي أجهزة الاستخبارات، كانوا قد تردّدوا في تقديم إفاداتهم على نحو رسمي الى لجنة التحقيق الدولية خلال مراحل عملها الأولى وإلى مكتب بلمار بعد انطلاق عمل المحكمة في آذار 2009، الى التزام الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة في لاهاي. يُذكر أن &laqascii117o;وحدة حماية الشهود" شهدت منذ الأسابيع الأولى التي تلت بداية الأحداث في سوريا حركة لافتة، وتواصلاً مكثفاً بمكتب بلمار وبالسلطات الأمنية الهولندية، وذلك بحسب الموظف نفسه الذي يعمل في أحد مكاتب مقر المحكمة في لاهاي.
مهرجان إعدادي
وكانت قد كُلّفت وحدة التواصل في المحكمة الدولية، التي تديرها الصربية أولغا كافران، تحسين صورتها، وخصوصاً قبل موعد الصدور المحتمل للقرار الاتهامي بعد تصديق القاضي فرانسين إيّاه. وفي هذا الإطار تنظم الوحدة بالتعاون مع &laqascii117o;الهيئة العلمية لنشر ثقافة القانونية في العالم العربي" مؤتمراً في فندق البستان (بيت مري) من 26 الى 28 أيار الجاري، يلقي خلاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الكلمة الرئيسية. وسيتحدث في المؤتمر كذلك ما يزيد على خمسين شخصاً، من بينهم موظفون في محاكم دولية أخرى، ومحامون وقضاة سابقون والسفير الهولندي في لبنان هيرو دو بور، والنائب غسان مخيبر ووكيل الرئيس سعد الحريري القانوني. واللافت أن من بين جلسات المؤتمر العشر جلسة بعنوان &laqascii117o;التطوّرات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث صلتها بالقضاء الجنائي الدولي"، بينما لا يشارك في المؤتمر أحد عن المحكمة الجنائية الدولية، التي يحقق المدعي العام فيها، لويس مورينو أوكامبو، في أحداث ليبيا..


ـ 'الأخبار'
قراءة مسيحيّة ثالثة ضدّ عون وضدّ جعجع
جان عزيز:

لم يكن ينقص &laqascii117o;المفكرين" ضمن مسيحيّي 14 آذار غير خطاب باراك حسين أوباما، ليرفعوا صوتهم أكثر بصرختهم القديمة الجديدة: والآن ماذا يريد مسيحيّو الشرق الأوسط أو المشرق بعد؟ ألم يدركوا أنّ ثمّة منطقة، تشمل أكثر من قارة، تتغير برمّتها؟ ألم يقتنعوا بعد بأن هناك أكثر من 250 مليون نسمة ينتقلون من ضفة الى ضفة أخرى من التاريخ؟ هل يمكنهم أن يتوهّموا أنّ بإمكان مليون مسيحي في لبنان أن يحولوا دون ذلك؟ هل ثمّة من يعتقد أو يتخيل بينهم، أنه قادر على أن يقول لحركة التاريخ: توقفي لأنني أخشى من سير عجلاتك، أو لأنّ اتجاهها ليس في مصلحتي أو لأنني لم أفهمه بعد؟
السياق نفسه، يقول هؤلاء، واجهته المنطقة وجماعاتها في الربع الثاني من القرن العشرين. كانت ثمة إمبراطورية عثمانية تسقط، وتُسقط معها نظاماً عاش وعاشت المنطقة وجماعاتها في ظله نحو أربعة قرون، تماماً كالنظام المتهاوي اليوم من حولنا. وتماماً كما الآن، بدرت عن الجماعة المسيحية بين لبنان وجواره، ردود فعل متباينة. بعضهم راهن على النظام الجديد. على الغرب والبارجة الفرنسية القادرة على إعادتنا من منافي باريس والقاهرة الى السلطة في بيروت. نعلن ولاءنا للمنتصر في الحرب، ونركِّب معه سلطة ما في أي إطار يراه هو مناسباً أو قابلاً للحياة.
البعض الآخر، لجأ الى رد فعل مناقض. استذكر أمثال الجدّات الشعبية عن &laqascii117o;تغيير الدول"، فلاذ بالصمت والانكفاء وسياسة الهروب والاستقالة والانتظار، تحت شعار &laqascii117o;عدم التدخّل بما لا يعنينا"، لكن بين الطرفين، انبرى فريق ثالث، بأفكار مبتدعة خلاقة. اختلف مع الاثنين. فبدأ أقلية متجاهَلة، ثم مرفوضة، ومن ثم محارَبة... قبل أن تصير هي الأكثرية وتنتصر وتنقذ لبنان وجماعاته. كان طرف ثالث، واجه تحديات الخارج والداخل، بطروحات مفاجئة. خارجياً، لم يقل بالرهان على الغرب المنتصر، بل على العكس أعلن تجديد الرابطة العربية مع المحيط، بما هي إطار حضاري جامع، ومنفتح على العالم والعصر. فلا انغلاق ولا استتباع. وداخلياً، لم يختبئ خلف استراتيجية الانتظار، بل اجترح مفهوم الميثاق الوطني، بوصفه نظاماً ديموقراطياً متوازناً ومتحركاً، لمقاربة المعضلات اللبنانية التاريخية والدائمة. هكذا بين عامي 1920 و1943، كان ثمة مسيحيون ملتحقون بفرنسا، لكنهم لم ينقذوا جماعتهم ولا لبنان. وكان ثمة مسيحيون آخرون مع سياسة الصمت ودفن الرأس، لكنهم أيضاً لم يُخرجوا ناسهم من المأزق ولم يجنّبوهم العاصفة. وحدهم الذين بادروا صوب المحيط بالانفتاح، وصوب الشريك بالميثاق، أوجدوا لبنان.
السياق التاريخي نفسه، يتابع هؤلاء، تكرّر منذ عقد واحد فقط. سنة 2001، جاءت عاصفة 11 أيلول، وبدأت غيوم الحروب تتجمّع فوق المنطقة. ومرّة جديدة حصل الفرز الواضح على الساحة المسيحية. فريق قال بأن الرد الأميركي على &laqascii117o;غزوة" بن لادن سيطيح كل نظام المنطقة ورؤوسها، وبالتالي فلنقفز على صهوة حصان بوش حتى لو كان فيلاً في مخزن للبورسلين. فكلما كان الفخار المتكسر أكثر، كانت فرصتنا أكبر. وبدأت التركيبات على هذا الخط: من &laqascii117o;محاسبة سوريا" إلى القرار 1559، وصولاً الى كل السيناريوهات الأمميّة الرائجة الآن.
وفي المقابل، كان على الساحة المسيحية رأي انتظاري انكفائي استقالي أيضاً: علينا ألّا نفعل شيئاً، وأن نختفي ونختبئ ونخفي حسَّنا وصوتنا ورأينا وحتى النظر. نكتفي إذا أمكننا الهمس، برفع مطلب محدّد صغير، كخروج سجين أو انتقاله من طبقة إلى أخرى.
لكنّ أياً من هذين الفريقين المسيحيين ـــــ تقول القراءة ـــــ لم يكن فاعلاً أو حاسماً في تقديم مقاربة مقنعة دولياً لتغيير الوضع اللبناني، بل الفضل الأساس يعود إلى فريق ثالث، تمثّل يومها في ما كان يعرف بقاطرة لقاء قرنة شهوان. وهو الفريق الذي ـــــ تماماً على طريقة ميثاقيّي الاستقلال الأول ـــــ رفع شعارين مبتكرين للمواجهة: أولاً أنّ الحل الثابت والجذري للأزمة اللبنانية يقتضي تحقق تلك المعادلة الثلاثية: دولة السيادة في بيروت، بين دولة الاستقلال في فلسطين ودولة المعاصَرة في دمشق. وثانياً، أن الهجوم الأميركي على المنطقة تحت شعار دمقرطتها، يغفل أن السببين العميقين لأزمات منطقتنا يكمنان في قيام كيان إسرائيل وتمادي اغتصاباته، كما في عدم تمكن النموذج التعددي الديموقراطي الوحيد في المنطقة ـــــ أي لبنان ـــــ من الحياة على نحو سليم. والسببان معزوّان الى سياسة واشنطن لا غير. هكذا نجح هذا الفريق في فتح خط سياسي مسيحي جديد، حتى كان زلزال عام 2005، فصارت تلك اللغة بالذات قاموساً للحلّ.
السياق نفسه يحضُر اليوم، فما هو الخطاب الذي يقدمه أصحاب تلك القراءة، لكل من الخطابين المسيحيين المتناقضين، وتحديداً لعون وجعجع؟


ـ 'الأخبار'
الأسد يرفض عرضاً حمَله عرب أميركا
إبراهيم الأمين:

سيظل كثيرون يرفضون فكرة أنّ حجم التخطيط الغربي بوجه سوريا صار يتجاوز حجم الاحتجاجات القائمة. صحيح أنّ الاحتجاجات قائمة في قسم كبير منها على يد مواطنين يريدون إحداث تغييرات جوهرية في النظام وإدارة الدولة، وبعضهم يريد تغيير النظام كله، وصحيح أيضاً أن الغرب وإسرائيل ودولاً عربية عملت خلال العقد الأخير بقوة على إسقاط النظام السوري، وصحيح أن الولايات المتحدة ومؤيديها زادوا من ضغوطهم في الفترة الأخيرة استناداً إلى الحركة الاحتجاجية، لكنّ الصحيح أيضاً أن في سوريا، وفي العالم العربي وفي العالم من يستعجل إنهاك النظام وإجباره على الاختيار بين حلّين: إما السقوط بضغط من الشارع، وإما السير في الإملاءات الأميركية. وبالطبع فإن هذه الإملاءات سوف تلتف شكلاً إلى بعض العناصر الإصلاحية، لكنها تستهدف ما تصر عليه الولايات المتحدة منذ زمن بعيد، وهو أن تسير سوريا في نفس الخط الذي تديره الولايات المتحدة، سواء في ما خص الصراع مع إسرائيل، أو الحملة على إيران.
وبهذا المعنى، فإن على المتابع، أو على من يجد نفسه في موقع المعني، والمدافع عن حق الشعب السوري في التغيير، أن يضع في الحسبان الحركة الأميركية والغربية والعربية الحليفة لأميركا، وأن يدقّق ولو قليلاً، في نوع الرسائل التي سعى موفدون، مباشرةً، أو بالواسطة، إلى نقلها الى القيادة السورية خلال الشهرين الماضيين، لأن في ذلك ما يوفر أرضية لمقاربة مختلفة لما يجري في سوريا.
اليوم، يمكن القول بوضوح، إن مجموعة الواقعيّين من أركان النظام في سوريا، يعرفون جيداً أنه لا مجال لبقاء الأمور على ما كانت عليه، وثمة نقاش صاخب، وإن ظل صامتاً بالنسبة إلى الخارج، بشأن ما يجب فعله، وثمة معركة حقيقية حول هذا الأمر. هذا لا يعني أنّ هناك أكثر من قرار في سوريا، بل يعني أساساً، أنه برز إلى السطح، فريق جدي، قوي، واقعي يدرك أنه لا بد من إطلاق ورشة إصلاحات عميقة لمنع الانفجار، أو لمنع سقوط الهيكل على الجميع. وهذه المجموعة، التي تتصرف على أساس تراجع الدور التخريبي بمعناه الأمني والسياسي، تتصرف أيضاً على أساس أن الحركة الاحتجاجية سوف تتواصل، وسوف يمر وقت غير قصير قبل أن يعود الهدوء العام إلى البلاد، وأنّ السباق مستمر بين الإصلاحات ومشروع إدخال سوريا في الفتنة.
وإذا كان هناك من يرى قيمة فعلية لموقف سوريا من الصراع مع إسرائيل، فعليه أن يدرك أن حماية هذا الموقع تتطلب في مكان ما، دفع المحتجين إلى إبراز القضية الوطنية، ليس من خلال لافتات، ولا من خلال بيانات على طريقة 14 آذار ورغبتها الدائمة في الإشارة الى العدو، عند الحديث عن إسرائيل، بينما تُستنفَر كل قواعد هذا الفريق وقواه رفضاً لمجرد تنفيذ أبناء المخيمات الفلسطينية مسيرة الى الحدود لتذكّر بلدهم في ذكرى اغتصاب فلسطين، وبالتالي، يصبح مشروعاً السؤال: أيّ بوصلة يريدها الثوريون العرب ليس في سوريا فقط، بل في كل العالم العربي... والسؤال الآن موجّه إلى مصر أولاً: إذا كانت الجماهير لم تسر نحو فلسطين في ذكرى النكبة بحجة أو بغيرها، فهل يكون هناك مجال لجمعة رفض الوصاية والتدخل الأجنبي رداً على خطاب باراك أوباما، العائد الى أولى سنوات جورج بوش وكونداليزا رايس؟
بهذا المعنى، يمكن فهم طبيعة الضغوط القائمة الآن في سوريا، وهي ضغوط تفرض على النظام هناك سياسات ومواقف، وهي لا تبرّر له تحت أي ظرف، اللجوء الى مزيد من القمع للاحتجاجات التي تنفّذها مجموعات تريد التغيير، علماً أنّ هذه الضغوط تستهدف، بحسب معلومات مصادر ليست بعيدة عن المناخ الأميركي، تحقيق أشياء كثيرة، نُقلت الى سوريا أخيراً ومنها:
ـــــ إجبار الرئيس بشار الأسد على الخضوع للمشروع الأميركي، من خلال المبادرة إلى خطوات عملية تتضمن حل الحزب الحاكم والتخلص من كل الشخصيات التي قرر الغرب معاقبتهم، والعمل على سحب قوات الجيش من الشارع، والمسارعة الى إرضاء الجمهور بخطوات إصلاحية في مجالي الأحزاب والإعلام.
ـــــ إطلاق عملية استدارة سياسية من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة ومكثفة مع إسرائيل، تنتهي سريعاً الى توقيع اتفاقية سلام ضمن مدى زمني لا يتعدى الأشهر القليلة، على أن يضمن الغرب إلزام إسرائيل التخلي عن الجولان ضمن شروط معينة، وأن يكون الغرب قد أتاح للأسد حجة للتخلي عن تحالفه مع حزب الله وحماس، في ما خص موضوع المقاومة، وقطع هذا الشق من العلاقة مع إيران.
ـــــ وفي المقابل، فإن ملوك ورؤساء معظم الدول العربية الحليفة للغرب، والدول الأوروبية والولايات المتحدة، سوف يقدّمون مساعدات مالية تفوق العشرين مليار دولار، تمكّن الأسد من إطلاق عملية تنمية واسعة، وتتيح له أيضاً التخلص من كل العلاقة مع إيران، على أساس أن الأخيرة توفر له دعماً اقتصادياً.
بالطبع، لا حاجة إلى الإشارة إلى أن الأسد رفض هذه العروض، وهو رفض حتى مبدأ أن يناقشه الآخرون من الخارج في الملف الداخلي من زاوية الوسيط، وهو قال لموفدين عرب، إن إيران وقوى المقاومة هي الحليف الثابت له، وهذا ما أظهرته التجربة، وإنه يريد المضيّ في عملية إصلاحية، لكن وفق برنامجه هو.
كل ذلك يقود مرة جديدة، الى البحث عن صيغة تجعل دعم مطالب الشعب بالتغيير لا تقع فريسة النهم الأميركي للاستيلاء على الأنظمة، وعلى أحلام الشعوب أيضاً.


ـ 'المستقبل'

إشكالية التعايش بين نظرية ولاية الفقيه والديموقراطية
عبدالعظيم محمود حنفي:

الصفعة التي وجهها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي الى أحمدي نجاد رئيس الجمهورية برفض علني لقرار الأخير بإقالة وزير المخابرات يطرح قضية العلاقة بين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، ورئيس الجمهورية. هذه القضية تطل بشدة لتلقي الضوء على خصوصية النظام الإيراني، وتداعيات هذه الخصوصية. حيث تطرح النخبة الحاكمة نفسها كتجربة مختلفة عن نظم الحكم في بلدان العالم، فهذه أول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى يتولى فيها رجال الدين بصفتهم هذه حكم دولة إسلامية، فنحن أمام رئيس منتخب حتى ولو كان مطعوناً في شرعيته - وقائد ديني له سلطات كبيرة وليس منتخباً، ومن هنا فنحن إزاء تزاحم بين مبادئ الديموقراطية والسلطوية معاً في دستور الجمهورية الإسلامية وهو بلا شك تزاحم مزعج.
فمما لا شك فيه أن إيران من الناحية الفنية تعد نظاماً ثيوقراطياً (أي خاضعاً لسلطة رجال الدين)، فالقائد الأعلى الديني هو أعلى سلطة في الحكم، فهو الذي يرسم الخطوط الدالة في السياسة الخارجية والسياسة الداخلية، ويُشرف على وسائل الإعلام، والقضاء، والقوات المسلحة، والخدمات الأمنية. أما الرئيس فتكون سلطته دون ذلك، وهو يكون مسؤولاً عن الاقتصاد وسائر الشؤون اليومية. إلا أن هذا الرئيس يُنتخب انتخاباً مباشراً، وهذا يرفع من شرعيته والمفترض من قدرته على التأثير على القائد الأعلى. فهذا التقسيم يخلق جواً يسوده التوتر والاحتكاك بين الطرفين القائمين على تسيير دفة الحكم نتيجة أن المرشد الأعلى يتمتع بالسلطة المطلقة ويمكنه نقض القرارات التي تتخذها فروع السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في الحكومة. وفي هذا الصراع العلني بدا واضحاً أن الرئيس نجاد يعاني من تحدي سافر من الأخوين لاريجاني اللذين عملا على كبح جماح الرئيس وظهرا كأداة فعالة يستعين بها المرشد الأعلى لكبح جماح السلطة الرئاسية؛ ومن الصعب تخيل قيام الأخوين لاريجاني بلعب هذا الدور من دون موافقة المرشد الأعلى وبتوجيهه. وإذا انتصر الأخوان، فسيفقد الرئيس سلطته ونفوذه في الجانب الوحيد الذي كان يحظى فيه بأكبر قدر من السلطة ألا وهو الاقتصاد الإيراني.
وقد لاحظ المراقبون للشأن الإيراني أن الحركة الخضراء المعارضة قد دعت بكلام واضح وبعبارات محددة الى إلغاء ولاية الفقيه التي مثلت من الناحية النظرية أطروحة بنيوية في الفكر الإسلامي الشيعي، مما يثير التساؤلات حول التجربة السياسية الإيرانية في عهد الثورة الإيرانية. وتثبت ممارسات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، سخطه على وضعية الرئاسة الإيرانية أثناء فترات خلفائه الثلاثة. فقد عمد بشكل فج في الماضي الى تقليم جناحي الرئيسين أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يتمتع بروابط قوية مع طبقة التجار، ومحمد خاتمي الإصلاحي الذي كان يستمد الدعم من المهنيين من الطبقة الوسطى ذوي الميول الغربية. وأظهر خامنئي في الأزمة الحالية أنه ليس مستعداً على الإطلاق لتحمل رئيس يتمتع بقاعدة كبيرة مستقلة من القوة والسلطة، ومن هنا عمل على إذلاله وتحقير سلطاته وصلاحياته متمتعاً في ذلك بدعم رجال الذين ايقنوا أن أي ضعف يبديه خامنئي سيسمح لدائرة أحمدي نجاد باستغلال مشاعر الاستياء الواسعة ضد رجال الدين وإبعادهم من السلطة. كل تلك الإشكاليات تُعد مؤشرات دالة على الإشكاليات التي تطرحها نظرية ولاية الفقيه وتطرح تساؤلاً مشروعاً: هل أصبحت ولاية الفقيه مطية لرجال الدين في مسعاهم لاحتكار السلطة وفرض شرعية حكمهم اعتماداً على ما يدعونه من تفويض إلهي وبالتالي: حرمان الجمهور من ممارسة السلطة أو التحكم في مصير حركتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟  تثبت الممارسة السياسية في إيران أن ولاية الفقيه ما هي إلا مرادفاً للاستبداد والديكتاتورية وفساد الحكم واحتكار السلطة بيد شخص يدعي أنه يحتكر الحقيقة المطلقة ويراها الكثير من الشعب الإيراني بمثابة عودة لعهود الظلام حيث كانت تسيطر الكنيسة في العصور الوسطى على مجتمعات الغرب.
()باحث مصري متخصص في النظم السياسية
ـ المستقبل بول شاوول: يدعمون همجية الطغاة ويدينون حرية الثوار!
عندما اندلعت الثورة في تونس وبعدها في مصر ضد النظامين السابقين، لم يبقَ قلم في لبنان أو صوت لم يدل بدلوه، داعماً الثوار، وداعياً إلى اسقاط بن علي وحسني مبارك: الطاغيتين بحسب وصف 'الجميع'، 8 آذار كانت أشرس، وتداعت بفصائلها وأحزابها إلى رفع شعارات الحرية للشعب (!) وللثوار (!) ونتذكر ان السيد حسن نصرالله القى خطاباً نارياً ضد حسني مبارك (الطاغية) ومؤيداً لثورة الجياع في مصر (من أخبره انها كانت ثورة جياع!) رائع! وعندما اندلعت الثورة في البحرين، لم يٌفصّر حزب الله، إلى درجة ان السيد حسن نصرالله عرض على الثوار 'خدماته' وامكاناته (كما عرضها على المصريين، وربما على التونسيين!) رائع! هذا ما فعلنا. وفعل الكثيرون من اللبنانيين! الانحياز إلى الثورة في مواجهة الاستبداديين والطغاةّ أكثر: نظَّم حزب الله تظاهرة إلى الأسكوا اعتراضاً على 'قمع السلطات البحرينية للمنتفضين وتأييد للمنتفضين'. رائع! لكن عندما حلّت الثورة في ليبيا بدا ان هناك انفصاماً عند بتوع جماعة 8 آذار. في الداخل هيجان على القذافي ومتابعة يومية وتحريض وحث على استمرار، الانتفاضة ضده. عال! هذا كان شأن كثير من اللبنانيين سواء من المستقلين او 8 آذار و14 آذار ثمة اجماع. رائع! لكن الغريب ان إيران راحت بدورها تساند القذافي (ولو سراً) وتطالبه بتلبية مطالب الشعب، من دون أن تدعو إلى المطالبة برحيله، ومن دون أن تدين وحشيته. رائعّ فحزب الله أيّد بقوة وبشراسة وبثورية عالية و'بشغف مفاجئ بالحرية، الأنظمة في تونس ومصر والبحرين وسكت عن الكلام المباح في ليبيا (ولو رفع النبرة من باب رفع العتب او التعمية لأسباب داخلية متصلة باختفاء الامام موسى الصدر) من دون أن ننسى النظام الإيراني الذي فتك برموز الثورة الخضراء وخوّفَّهم وزجّ بعضهم إما في السجون أو في الإقامة الجبرية: فنظام ولاية الفقيه (دام ظله) مسموح له أن يقتل الناس ويقمع ويسجن ويمارس العنف والتكفير على نصف الشعب الإيراني بالنسبة إلى حزب 'ولايته' (فرع لبنان) وإزاء مواقف حزب الله و8 آذار... لم يتهمهم أحد 'بالتدخل' في الشؤون المصرية والتونسية والبحرينية أو 'بمعاداة' هذه الدول. فهم عندهم كل 'الحرية' في لبنان بأن يعلنوا المواقف التي يريدونها... اما منهجهم الذي لا يختلف عن مناهج طغاتهم، فيتمثل في منع اللبنانيين الآخرين عن التعبير عن مواقفهم، في ما تبقى من الثورات، من إيران إلى سواها: يمارسون القمع الذي يبرع فيه اولياؤهم العرب والأعاجم، وكذلك تشويه الحقائق، وإدانة الشعوب: تأملوا ان هؤلاء من حزب الله إلى كافة جماعات 8 آذار يبررون همجية الطغاة في حق شعوبهم، ويبررون المجازر، والاعتقالات ويخونون 'الثوار' أإلى هذه الدرجة بلغت بهم 'العمالة' أوليس كل هذا من عاداتهم: ألا يخونون اليوم من يخالفهم الرأي، تماماً كما تفعل أنظمة الطغاة: ألم يخونوا وما زالوا اكثرية الشعب اللبناني في تهمة العمالة (وهم العملاء بامتياز!) أي ناس هؤلاء الذين ينحازون للجلادين ويدينون الضحايا. أي ناس هؤلاء الذين ينسجمون مع جهات تحرم ناسها من حق الوجود والتعبير والحياة! ينبغي ان يعرف هؤلاء أن لبنان ليس لهم. وأن مصر ليست لهم ولا سوريا ولا ليبيا لهم. ولا اليمن. انها لشعوبها، وليست لأنظمتها. ولا لأحزابها. ولا لشللها. ولا لأحد سوى إرادة ناسها.
أي ناس هؤلاء. وفي هذا الزمن الجديد، يُعينون الطغاة على اهلهم والمستبدين على الأحرار!
انهم بكل بساطة مجرد عبيد! يجب ان يعرفوا ان التهديد بقمع اللبنانيين الذين يخالفونهم الرأي واتهامهم بمعاداة هذا البلد او ذاك.. لم يعد يجدي. لا بالكلام. ولا بالسلاح. ولا بالقمصان السود (المستوردة من ميليشيات الفاشية الايطالية).
بل ويجب أن يعرفوا أن الزمن يتقدم اليوم بسرعة كبيرة وهم يتخلفون بأسرع... فالشعوب هي التي ستنتصر. والإرادات الحرة هي ستنتصر. وإن الأحرار الذي حطموا جدران السجون الكبيرة... انضموا نهائياً إلى الحرية!
زمن الطغاة وحلفائهم... بات وراءَنا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد