قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 14/3/2011

- 'السفير'
الدولة والسلاح ضدان.. ويلتقيان
نصري صايغ:

I ـ لبنان.. المعجزة المغلوطة
لا يشبه لبنان كتابه، أي دستوره. لا يتشبّه بقوانينه، أما شعاراته، فألوان متنوعة، من المثل والشعر والسيادة والاستقلال والوحدة الوطنية. وهو بالطبع، لا يمت بصلة إلى شعاراته.
الدولة، في أكثر النظريات ركاكة، لا تشبه لبنان.. الديموقراطية، في أكثر المجتمعات تخلفاً، لا تشبه الحياة اللبنانية، حيث انعدام الديموقراطية هو القاعدة، والاستثناء الدائم نموذج يحتذى. الدولة السيادية، السيدة على أرضها ومؤسساتها وسياساتها وقضائها وجيشها، لا تشبه سيادة الدولة اللبنانية، الموزعة في الداخل على طوائف ومذاهب وزعامات وعائلات، والمتوزعة في الخارج، على عواصم عربية واقليمية ودولية، وفق ما تقتضيه الحاجات المتنقلة والمستجدة، بين انقلاب طائفي سياسي، وانقلاب انتخابي طائفي، وانقلاب بواسطة التهويل بالسلاح... أو باستخدامه.
إذا حضر دالوز إلى لبنان، حذفه من منظومة الدول، وسمّاه، كما أطلق عليه عبد الحميد كرامي، بعيد الاستقلال، مزرعة.
وعليه، يجوز جمع التناقضات والأضداد في لبنان... والشواهد كثيرة.
II ـ النفيان معاً ضد لبنان
هل صدق جورج نقاش في نبوءته &laqascii117o;نفيان، لا يصنعان أمة"؟ من جهة ما، هو صادق وحقيقي وحاسم. فالنفيان يتلاغيان. أما لبنان، فقد قامت تركيبته برمتها، على النفي، أو تحديداً، على النفيين. أو، على التسوية الدائمة بين النقائض، التي احتاجت إلى تسويات مستمرة لتدعيمها.
أول تسوية مرة وغريبة، الجمع بين دستور علماني ونظام طائفي.
أول تسوية صعبة التطبيق: دستور أكثري وميثاق توافقي. وإذا اصطدمت التوافقية مع أكثرية، خسر الدستور (وهو أم الكتب جميعاً) وربحت الطوائف، (أم الانحطاط كله).
أول تسوية تخرق المنطق والحياة: دستور يسوّي بين اللبنانيين، ويعدل في ما بينهم، وقانون انتخابي إلغائي، لمجرد كونه حريصاً على التوزيع الطائفي المضاد.
أول تسوية تخرق منطق الجغرافيا وسياقات التاريخ، لا للغرب ولا للشرق. وبتنا في التطبيق، أحياناً كثيرة، الممثلين الشرعيين المميزين، للغرب وشرعياته الدولية، وممثلين منتدبين فوق العادة، للشرق وقضاياه الشائكة، من أفغانستان إلى فلسطين، مروراً بعواصم النفوذ المصري، السعودي، السوري، العراقي ومشتقاتهم الكيانية.
وكرت سبحة التسويات بين التناقضات، وصارت أسلوب حكم، في تأليف الحكومات، حيث تبادل الفيتوات، يؤدي إلى فقدان نصاب التوافق، فيرفع المغبون أو الخاسر، لواء الدولة، متهماً خصومه بتدمير الدولة. ١٤ آذار نمذجاً.
أي دولة هذه الدولة؟
لم ينجُ مطرح لبناني من التسوية. فالأخلاق السياسية في لبنان، توأم للفساد الشرعي والمشرّع، حتى بات لبنان، بحيرة لا ينتعش فيها، إلا اقتصاد الفساد، مهما اتخذ من أشكال مصرفية وعقارية وانمائية وزراعية وسياحية وتربوية وجامعية... ووصل الفساد إلى حدود الأخلاق العامة، الروحية والمدنية، فغزاها وأقام فيها هياكله. المعبر عنها، في مناحي الحياة اللبنانية برمّتها. وبالطبع لم تنج المراجع الدينية والروحية والمذهبية من هذا &laqascii117o;النعيم" الذي أصاب سمعتها بلذائذ الحياة الوضيعة.
ولم ينج القضاء من النقائض. فهو منذور للعدل... فيما قضايا الناس، تطأها القرارات والأحكام المؤجلة. وإذا صدرت، فبعد سلوك مشين، لا يبقي للقضاء سمعة حميدة.
III ـ &laqascii117o;لأ للسلاح". عندما تحضر الدولة
رفعت قوى 14 آذار، شعار &laqascii117o;لأ للسلاح"، نعم للدولة. لأن الدولة والسلاح ضدان لا يلتقيان.. إلا في لبنان.
حسناً. في النظرية، وفي الكتب العلمية، وفي الفقه الدستوري، لا سلطة فوق سلطة الدولة، وهي الآمرة الناهية، وهي المسهلة والمانعة، وهي القابضة والمانحة، وهي صاحبة الحل والربط، وفي النهاية، القرار لها، والأمرة في يدها. وكل ما عدا ذلك انتقاص من سيادتها.
لكننا، نعيش في لبنان، والدولة اللبنانية، وزعت دويلاتها على الطوائف، التي يسوسها ويقودها ويقرر فيها زعماؤها، المطوّبون انتخابياً، بقانون انتخابي على قياس الزعماء وجماهيرها، ومزوِّر لإرادة اللبنانيين، غير المنخرطين، طوعاً وبحرية يقدّسونها، في قطعان الحظائر الطائفية العفنة والزنخة والفاسدة.
وفي هذه الدولة اللبنانية، حيث يتضاءل فيها منسوب اللبننة، لمصلحة التمذهب الداخلي، المصلّى عليه مذهبياً في عواصم غير لبنانية، لا يصح أن نستثني السلاح من قائمة التسويات. خصوصاً، أن ما نشرته &laqascii117o;السفير" عن استطلاع ودراسة &laqascii117o;للدولية للمعلومات"، يفيد بأن حصة الجيش اللبناني للتسلح من موازنته السنوية، لا تتعدى الـ1%(؟) وهذا مبلغ في غاية السخاء. أليس كذلك؟ فكيف يصدّق فريق 14 آذار، عندما يطالب بـ&laqascii117o;لأ للسلاح". هل يريد من اللبنانيين أن يقتنعوا بأن جيش لبنان، وتحديداً هذا الجيش، قادر على حماية لبنان؟
للجيش اللبناني سيرة وطنية لفظية، أما في الواقع، فسيرته سياسية بامتياز. مطلوب منه ان يكون مع الجميع ضد الجميع. مع هذا ضد ذاك. فيختار الحياد أحياناً، خوفاً على، أو خوفاً من، أو يلزم بالحياد، كي لا يعكر صفو التراسل العنفي بين الأضداد. ويسترضى بأن تداعب أحلام قادته، بمنصب رئيس للجمهورية. الجيش اللبناني، إذا حشره السياسيون، ولبّى، ينقسم على ذاته، وتكون الكارثة العظمى، حيث يتحوّل، إلى شقيق أعظم، للميليشيات المتحاربة، على سنة الطوائف والمذاهب والقبائل والزعامات.
IVـ دولة بلا جيش يقاتل!
لو كانت الدولة اللبنانية مدنية ولا طائفية، وديموقراطيتها لا تمسها لوثة الطائفية، لكان بالإمكان الانتقال من منطق التسوية الضرورية، الى منطق المؤسسات الخاضعة للدستور والتي تسير وفق النظام، تحت قيود المحاسبة والمسؤولية... لو كانت الدولة مدنية وديموقراطية، لما كان هناك خوف من أي قضية، حيث تضمن الديموقراطية آليات الحوار والنقاش والتصويت واتخاذ القرار، فيواليه مدنياً، من يواليه، ويعارضه، مدنياً، من يعارضه، ولا خوف من انقسام في نظام مدني ديموقراطي، على الشارع. ذلك ان الانقسام يكون سياسياً، لا طائفياً.
أما ونحن دولة طائفية بامتياز، وبكامل مواصفات الانحطاط والتخلف، فإنه من العبث المطالبة، بنزع سلاح المقاومة. فهذا سلاح لبناني يحمله لبنانيون، انما، من طائفة شيعية، وهو مدعوم جداً جداً، من إيران وسوريا. ومن دون هذا الدعم تفقد المقاومة قدرتها على مواجهة العدو الإسرائيلي.
ولا تقاس قوة الجيش المتضائلة، (بسبب السياسات الطائفية) بقوة المقاومة المتعاظمة، التي تبشرنا، إذا ما اعتدت إسرائيل، بأن الطريق الى الجليل ستكون مفتوحة قريباً، ناهيك عن القدس، ولو بعد حين او أحايين.
شعار 14 آذار، لا لدكتاتورية السلاح، صحيح، لو كنا دولة حقيقية. أما ونحن على ما نحن، فإن شعاراً مضاداً يمكن ان يوجه سهامه الى 14 آذار: &laqascii117o;لا لدكتاتورية المال"، مع ما يعنيه ذلك، من اتهام بالفساد والإفساد والهدر وشراء الذمم وتلفيق الشهود، وسرقة سوليدير مع ما يعنيه ذلك الاتهام من تشهير، لا يجد في الدولة من ينفيه او من يؤكده، لأن آليات الدولة في &laqascii117o;الكوما" المزمنة، وممنوع إلغاء أنابيب الانعاش عنها.
وعليه، فالفساد باق، بقاء هذه الدولة، والإفساد منتشر، بمقدار تقلص هذه الدولة، وستبقى الديون المليارية تقفز وليس من يوقفها، برغم وفرة الأموال. وستبقى الهجرة والبطالة، بضاعة لبنانية للتصدير، ولا شفاء، من إبقاء لبنان، رصيفاً للسفر، ووجهة اللبنانيين، بلاد الاغتراب. وعليه، لا زراعة ولا صناعة ولا جامعة لبنانية معافاة، لا قضاء ولا عدل ولا... ولا...
ولا جيش كذلك، إلا هذا الجيش، بما له، وهو قليل، وبما عليه، وليس ذلك من طبيعته، بل من طبيعة السياسيين الطائفيين.
إذا كان ذلك كذلك، وإسرائيل لا تزال تهديداً واحتلالاً، والعالم لا يزال متفرجاً، والجميع يحاول ان ينزع هذا السلاح الجدير بكل احترام، والجدير بكل الدعم، فإن المقاومة ستبقى طالما ظل لبنان وفلسطين والمنطقة بحاجة إليه، فخطر السلاح على اللبنانيين أقل بكثير، من خطر السلام.
Vـ نعم لترسانة أكبر ولمقاومة أقوى
المسألة اليوم، لم تعد مسألة هل تؤيد بقاء سلاح المقاومة؟ كل المسألة تكمن في ما يلي: المقاومة بحاجة الى المزيد من الأسلحة، وهي تحصل عليها. والمزيد من النوعية، وهي تسعى إليها، والمزيد من التفوق وهي في الطريق إليه. المقاومة في طريقها الى ان تصبح، القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، والقوة المعدية لقوى أقل منها تجربة وقوة ومنعة. لهذا، تخافها إسرائيل ويخشاها الغرب... ويدعمها الوطنيون والقوميون والمؤمنون بضرورة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، هنا وهناك وهنالك. ولا يشوبها البتة، ان يكون الممانعون معها، لم يفتحوا النار بعد، فالغد المقبل، لن يعفي أحداً من مهمة المواجهة.
السلاح باق... لأن المقاومة بحاجة إليه والى المزيد منه. ومن لا يريد السلام، لا يريد المقاومة... وعليه الا يسخر من عقولنا، عندما يطالب بالدولة والجيش بديلاً.
بلى! هذه الدولة والمقاومة، تلتقيان. وهذه المرة، على قضية نبيلة، فيما كانت في السابق، تلتقي مع نقائضها الذميمة والفاسدة والعفنة.  


- 'الأخبار'

النصف ناقصاً واحداً
نصري صايغ:

رغم الصوت المرتفع الذي تميّزت به، أمس، تظاهرة 14 آذار، كانت المرّة الأولى التي ترفع فيها هذه القوى صوتها طلباً للاعتراف بها. ففي 2005، لم تكن 14 آذار مستعدّة للاعتراف بأحد سواها. مَن تظاهر قبلها بستّة أيّام وُصف بكونه إمّا &laqascii117o;غير لبناني"، أو &laqascii117o;غير وطني"، أو في أفضل الأحوال، &laqascii117o;مضلَّلاً". ثمّ جاءت وثيقة &laqascii117o;العبور إلى الدولة" التي تحدّثت عن ثقافتين، وعن فصل ووصل، لكنّها أعلنت مدّ يدها إلى الطرف الآخر الذي لم يعد تجاهله ممكناً. أمّا اليوم، فها هي 14 آذار تطمح إلى أن تكون نصف الشعب اللبناني، وألّا يصرّ النصف الآخر على تجاهلها.إلا أنّ مهرجان &laqascii117o;لفت النظر" لم يكن موجّهاً إلى الداخل وحسب، فالكثير ممّا فعله سعد الحريري منذ إقصائه عن السلطة، بما في ذلك &laqascii117o;يوم الغضب"، موجّه إلى الخارج أيضاً. ولعلّ الصورة العملاقة التي رُفعت للملك عبد اللّه في ساحة الشهداء لتظهر وراء المنبر الذي اعتلاه الحريري، تحمل رغبةً في التبنّي أكثر ممّا تدلّ على إعلان تمثيل أو ولاء. فالحريري لم يفقد فقط الصفة التمثيليّة لـ&laqascii117o;الشعب اللبناني"، بل فقد أيضاً جزءاً من احتكاره للدعم الدولي. المواقف السعوديّة المتناقضة بالغة الدلالة، ولا سيّما الموقف الذي صدر أخيراً عن وزراء خارجيّة مجلس التعاون الخليجيّ. الرسالة وصلت أيضاً إلى الإدارة الأميركيّة. ففي ظلّ تعثُّر أيّ صفقة دوليّة في الشرق الأوسط، لا يزال الحريري المُعتمَد الأميركي الذي تقدّم، أمس، خطوة إضافيّة على سلّم المطالب الأميركيّة. فجمْعُ عشرات الآلاف في العاصمة اللبنانيّة للهتاف ضدّ سلاح حزب اللّه، وفقط ضدّ سلاح حزب اللّه، أمر لم يكن وارداً إلا في أحلام جيفري فيلتمان.رغم إقصائه عن السلطة، لا يزال الحريري يملك العديد من نقاط القوّة. وما حشد أمس إلّا أحد الأدلّة على ذلك. وهو حين يخلع سترته وربطة عنقه على المنبر، ثمّ يشمّر عن ساعديْه، يبعث برسالة مفادها أنّه سيُخرج من جيبه كلّ الأوراق التي يملكها، وهو مستعدّ لرميها على الطاولة، حتّى لا يخرج من اللعبة. من 14 آذار 2005 إلى 14 آذار 2011، مسيرة حافلة بالتراجعات، إلا أنّ الحريري لا يزال قادراً على الإزعاج، وخصوصاً حين يعدّ له خصومُه المسرح.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد