قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 11/3/2011

- 'النهار'
الحريري ومسيحيّو 14 آذار يبرمجون الأولويات السعودية.. بعد 'إحراجات' ميقاتي / هل تفكّر 8 آذار في أسماء بديلة ؟
هيام القصيفي:

طرحت اوساط مقربة من رئيس 'تكتل التغيير والاصلاح' العماد ميشال عون اكثر من مرة سؤالا من خارج سياق قوى 8 آذار، هل يشكل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الحكومة؟ والى اي مدى يمكن الاسلوب الذي يعتمده ميقاتي ان يقوي رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري؟
فبعد تقديم وزراء قوى 8 آذار استقالتهم من حكومة الحريري، تصرفت هذه القوى على انها على قاب قوسين من تحقيق انجاز تاريخي في إحكام سيطرتها على البلد، وتحويله خط مواجهة مع الدول الغربية الراعية لقوى 14 آذار، وفي مقدمها واشنطن. وبدا ان تكليف ميقاتي بعد الانقلاب على الرئيس عمر كرامي ضربة معلم، وسط تسريبات وروايات عن دعم خط سعودي له، معززة بانتقاد كبار الصحافيين والمثقفين السعوديين للحريري.
ولا ينكر اي من قيادات 14 آذار حجم الضربة التي تلقّتها بعد تكليف ميقاتي، ولا سيما في ظل رغبة بعض اركان هذه القوى المسيحيين في انجاز تواصل معه لترتيب اوراق الحكومة وتحقيق المشاركة فيها على أساس الحصول على الثلث الضامن الذي رسمه اتفاق الدوحة.
لكن الايام الأخيرة حملت أكثر من تطور مفاجئ لقوى 8 آذار، اعاد طرح علامات استفهام حول طبيعة السيناريو الواجب اعتماده للمواجهة المقبلة، واي طرف يجب ان يقودها، وهل لا يزال ميقاتي الرجل الاصلح لمثل هذه المواجهة السنية الداخلية والخارجية، ولا سيما أن مصادر سياسية رفيعة في 8 آذار استغربت لـ'النهار' امس أجواء التفاؤل التي يبديها ميقاتي لجهة قرب اعلان الحكومة، فيما لم يسجّل اي تطور إيجابي في المفاوضات مع العماد عون، وأن ميقاتي يحاول كسب الوقت ليس أكثر.
لا شك أن فريق الحريري استعاد هدوءه بعد الضربة الاولية التي تلقاها، واعاد تقويم حسابات الربح والخسارة التي أدت الى فقدانه موقع رئاسة الحكومة، وجعلته يعيد برمجة اولوياته والقضايا التي يجب ان تتقدم برنامجه السياسي، وحتى الشخصيات التي يجب ان تكون في طليعة المواجهة. فالحسابات الداخلية واعادة التموضع في خط المعارضة تتطلب رؤية مختلفة تنطلق أولاً من الاعتراف بالاخطاء التي وقعت سياسياً وفي حق بعض الشخصيات ذات الثقل. الا ان الأوراق الداخلية تبقى يتيمة اذا لم تكن معززة بدعم عربي يشكل خط دفاع ضد الهجمة السورية الايرانية التي تعرضت لها 14 آذار، ولا سيما ان قوى 8 آذار بنت في الايام الأولى لـ'الانتصار'، حركتها الهجومية على التخلي السعودي عن الحريري.
لكن كلام رئيس 'جبهة النضال' النائب وليد جنبلاط على قطع الرياض علاقتها به، أثبت بما لا يقبل الشك أن ثمة سياسة سعودية مختلفة للمرة الاولى عن تلك التي كانت سائدة بين الرئيس الراحل رفيق الحريري والسعودية. ويتحدث الذين رافقوا تلك المرحلة وصولا الى يومنا هذا، عن ان الحريري الأب الذي كان بارعاً في تدوير الزوايا كان يعرف تماماً كيف يتماهى مع السياسة السعودية وعلاقتها بالاطراف العرب، من دون ان يتخلى عن هامش استقلاليته. وما حدث مع الحريري الابن، هو انه جعل السعودية تنقاد الى الخط اللبناني الذي عبرت عنه قوى 14 آذار مجتمعة. واهمية الدعم الذي تلقاه الحريري في اللحظات الحرجة، سواء من الرئيس امين الجميل او رئيس الهيئة التنفيذية لحزب 'القوات اللبنانية' سمير جعجع وقيادات 14 آذار الاخرى انه مكّنه من تفادي الضغط الذي مارسه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ونجله في محاولة فرض تفاهم سوري سعودي.
استند الحريري مطمئنا الى حماية داخلية وفّرها مسيحيو 14 آذار لرفض أي تفاهم سعودي – سوري على حساب استقلال لبنان وسيادته والمحكمة الدولية. وناصر هذا الخط، المثلث السعودي المتمثل بكل من الامراء بندر بن سلطان وسعود الفيصل ومقرن بن عبدالعزيز، لمواجهة اي تحول سعودي يعزز اوراق سوريا في لبنان، وهو أمر بدأ يدفع ثمنه جنبلاط الذي يعرف تاريخياً ان السعودية طالما حمت ظهر الطائفة الدرزية، وان المغامرة الأخيرة قد تكون مكلفة، وكذلك يدفع ثمنه من جيبه الخاص من وضع من 14 آذار ورقة ميقاتي في صندوق الاقتراع.
أفاد الحريري وقوى 14 آذار من الدعم السعودي في مواجهة حملة 8 آذار وترويجها رفض السعودية له، وبدأ الاعداد للحملة الداخلية المضادة على 'حزب الله' وسلاحه. جاء عنوان السلاح من خارج سياق المتوقع، الأمر الذي تغاضى النائب محمد رعد عن الرد عليه في مؤتمره الصحافي الأخير، ليصوّب على موضوع المحكمة. أما بالنسبة الى 14 آذار، فإن المحكمة صارت خارج سياق المفاوضات والردود عليها. وما سمعه ميقاتي بالواسطة او مباشرة من واشنطن يكفي لفرملة أي اندفاعة له أو للحكومة التي يحلم بتشكيلها.
سمع ميقاتي انه لا يحق له اختيار اي قرار دولي يلتزمه، فالقرارات الدولية سلة واحدة، ولا أحد يقدر ان يختار منها ما يريد. وسمع أيضاً ان النظام المصرفي اللبناني ليس وحده الذي يمكن ان يمس إذا استكملت حملة التضييق على المصارف التي يشتبه فيها. فناهيك بمصالحه الخاصة الممتددة خارج لبنان، ثمة تحذير من أن أي حكومة تضم عناصر من أحزاب تعتبرها واشنطن ارهابية، يمكن ان تؤدي الى وضع الحكومة كلها ورئيسها على اللائحة السوداء. وسمع ميقاتي أيضاً انه بات على شفير عبور الخط الأحمر في مواجهة المجتمع الدولي.
فالمجتمع الدولي الذي يراقب التغييرات العربية والاقليمية، يسعى الى تضييق هامش المناورات التي تجعل لبنان ساحة معرضة للفوضى، وهو تلقى كلاماً سوريا تطمينيا في هذا الاتجاه، اذ ان دمشق تعهدت حتى الآن عدم السماح بالفوضى الامنية، واستبدلتها بتفويت فرصة تشكيل الحكومة.
لكن يوماً بعد آخر، يتضح لفريق 8 آذار ان التمهل في تشكيل الحكومة بدأ يرتد سلباً على وضعه الداخلي. وثمة من يتحدث عن الاحراجات التي بدأ يواجهها ميقاتي، سعودياً واميركيا، الأمر الذي يدفع مجدداً الى طرح اسماء بديلة من لائحة ضيقة جداً، اذا لم يبادر ميقاتي الى الخوض في تفاصيل المرحلة وتحدياتها الحكومية وغير الحكومية، ومعاودة المفاوضات المتوقفة حتى الآن، في حال تطلب الأمر اعادة تغيير في الواقع الحالي لمواجهة المحكمة الدولية والارتداد الاميركي على لبنان، وصعود نجم 14 آذار بعد فترة ركود.


- 'السفير'

أميركا الحائرة بين ليبيا والسعودية
سمير كرم:

ثمة عادة فكرية سادت على صعيد عالمي ـ وشملت الوطن العربي ضمنا ـ من منتصف القرن العشرين. تذهب هذه العادة الفكرية بطريقة تلقائية وسريعة الى القول إن اي تغيير كبير مفاجئ يحدث في العالم لا بد ان يكون من فعل الولايات المتحدة.. ان ادعت الولايات المتحدة ذلك او لم تدع. عندما وقع انقلاب رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق، الذي عزل شاه ايران عام 1952 وامم نفط ايران بأكمله، ظهر زعم تلقائي بأن اميركا وراء هذا الانقلاب، وأن الامر ان لم يكن واضحا في بداياته فمن المؤكد ان يتضح مع الوقت. لكن الوقت لم يلبث ان اثبت عكس ذلك، عندما دبرت المخابرات الاميركية انقلابها الخاص الذي اعاد شاه ايران الى عرشه، وأعاد النفوذ الاميركي الى ايران. وعندما وقعت ثورة تموز / يوليو 1952 في مصر بادئة بحركة الجيش انبرى اصحاب هذه العادة الفكرية الى الزعم بأن هذا انقلاب اميركي ... الى ان اثبتت الاحداث والتطورات التالية عكس ذلك. وبالمثل حدث مع ثورة العراق بقيادة عبد الكريم قاسم في تموز / يوليو 1958 وبعدها بعام في انتصار ثورة كوبا المسلحة بقيادة فيديل كاسترو في كانون الثاني / يناير 1959 وفي انقلاب اليونان الذي اطاح بالملكية ...حتى عندما اغتيل الرئيس المصري انور السادات في تشرين الاول / اكتوبر 1981 نسب الحدث الى فعل اميركي لأن السادات كان قد عاد لتوه من زيارة لأميركا... وأخيرا فإن ثورة الوطن العربي الشاملة، التي بدأت بتونس واكتسبت طابعا اوسع واكثر تأثيرا بثورة مصر التاريخية، لم تسلم من هذا التفسير الاميركي، على الرغم من ان الولايات المتحدة بدت متخبطة لا تعرف كيف تستجيب لهذه الثورة وأخذت تغير رد فعلها من يوم لآخر، لم تسلم من التفسير القائل بأن الولايات المتحدة وراءها وأن ثورة الوطن العربي لا تعدو ان تكون جزءا من مخطط اميركي كبير... وربما لا تكون الا جزءا من مخطط الشرق الاوسط الجديد. وهذه المرة فإن العادة الفكرية نفسها وجدت من يؤيدها من القادة العرب الذين تفجرت الثورة ضدهم. اذا بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح يبرر ثورة الجماهير العربية بأنها بفعل غرفة عمليات في تل ابيب تدار في الحقيقة من واشنطن. فلأن اسرائيل شريك وثيق لأميركا بحكم التحالف الطويل الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي بينهما، فإنها لا بد ان تكون شريكا في هذا المخطط الاميركي الضخم. وبطبيعة الحال فإن تقدم حاملات الطائرات الاميركية نحو شواطئ ليبيا استجابة لأحداثها وما يبدو من استعداد اميركي يرافقه استعداد من حلف شمال الاطلسي للتدخل، فإن العادة الفكرية التي تأخذ طابع نظرية طويلة الأجل منذ منتصف القرن الماضي تجد ما يؤيدها ويدعم زعمها بأن اميركا تقف وراء الاحداث الثورية العربية من بداياتها، وبالتالي فإن اميركا تسوقها نحو نهايات حددتها من قبل. ولكن الحقيقة الواضحة وراء كل هذا تبين ان اميركا مرتبكة الى اقصى حدود الارتباك. وصحيح ان التدخل في ليبيا يمكن ان يشكل اولوية اميركية بالنظر الى اهمية النفط، وبصفة خاصة النفط الليبي وخصائصه العالية، الا ان التدخل في الصراع الدائر الآن في ليبيا لا يشكل اولوية اولى على جدول اولويات الولايات المتحدة في هذا الوقت الحرج. ان التدخل عسكريا في ليبيا يخلق لأميركا التزاما يعرقل احتمالات اخرى تبدو من وجهة النظر الاميركية ـ من حيث الاولويات ـ اكثر مدعاة لللاستعداد للتدخل. إن الاولوية الاولى الاميركية في الوقت الحاضر تتعلق اساسا بالمملكة العربية السعودية اكثر مما تتعلق بأي بلد عربي او شرق اوسطي آخر. واذا وجدت اميركا نفسها مضطرة الى التدخل في ليبيا ـ نظرا للاعتبارات النفطية الخاصة ـ فإن ذلك سيكون عاملا معرقلا لتدخل اميركي في السعودية اذا اثبتت الاحداث التالية في تطورات الثورة العربية ان السعودية ليست بعيدة عن لهيب الثورة العربية الذي اندلعت شرارته الاولى في تونس ولم يلبث ان اكتسب طابعا اشمل بالتفجر في مصر، ولم يلبث ان امتد الى ليبيا. يزيد من ارتباك الولايات المتحدة ـ واسرائيل وراءها ـ انها ظلت تركز طوال السنوات الاخيرة على إيران وظلت تلوح طويلاً بإمكان توجيه ضربة عسكرية الى ايران او مساعدة اسرائيل على توجيه مثل هذه الضربة الى ايران، ولم تلبث ان ادركت ان الامر ليس بالبساطة التي تصورتها. وأخيرا فاجأتها الثورة العربية الممتدة والآخذة في الانتشار والغليان، الامر الذي زادها ارتباكا وأكد انها كانت تعمل في ميدان بعيد عن الميدان الحقيقي للأحداث.
وليس خافيا ان الاعلام الاميركي ـ اكثر من اي اعلام غربي آخر ـ يبدي اهتماما باحتمالات امتداد الثورة الى السعودية. بل امتد الاهتمام من الاعلام الاميركي الى اهم مصانع الافكار ومراكز الدراسات الاميركية التي توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد كتب ريتشل برونسون، نائب رئيس البرنامج والدراسات في مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية، مقالا مطولا بعنوان: &laqascii117o;الانتفاضة التالية، هل تكون من نصيب السعودية؟". وقال فيه &laqascii117o;يبدو مفهوم الثورة غير وارد في المملكة العربية السعودية، بيد ان هناك صفحة على الفيس بوك تدعو الى يوم الغضب في 20 اذار / مارس الحالي. كما تطالب شخصيات سعودية بارزة بإصلاحات سياسية واجتماعية، وأعلن العاهل عبد الله، المسن، عن مساعدات اقتصادية جديدة للسكان ربما استباقاً لأي اضطراب". ويتساءل برونسون &laqascii117o;هل يمكن بالفعل قلقلة النظام السعودي الذي لا يمكن زحزحته ويمثل محور المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة؟" ويجيب على تساؤله قائلا &laqascii117o;لا شك ان الثورات معدية في الشرق الاوسط. ولا ينطبق ذلك على الاسابيع القليلة الماضية فحسب. ففي الخمسينيات عندما اعتلى جمال عبد الناصر سدة الحكم في مصر اندلعت الاحتجاجات الوطنية في انحاء المنطقة، لتهدد الحكام في الاردن والسعودية ثم في نهاية المطاف في ليبيا وغيرها... وقد ترددت انباء عن غضب القادة السعوديين من مساندة ادارة (الرئيس الاميركي) اوباما في نهاية المطاف تغيير النظام في مصر، لأن ذلك قد يشكل سابقة يحتذى بها. وقبل ان يغادر الرئيس المصري حسني مبارك منصبه عرض السعوديون تعويض نظامه المتداعي مقابل اي سحب للمعونة الاميركية الاقتصادية وذلك بهدف تقويض نفوذ واشنطن في مصر وتقليل تأثيرها".
وبعد ان يشرح روبنسون العوامل الايجابية التي تجعل النظام السعودي يبدو اكثر امانا ـ وفي مقدمها الوضع الاقتصادي الناتج عن ارتفاع اسعار النفط والنشاط الرسمي في المملكة ضد المعارضة ـ يقول &laqascii117o;دائما ما يكون ولاء الاجهزة الامنية مؤشرا مهما الى استقرار النظام. ولدى السعوديين هنا ايضا مبرر للثقة، حيث يسيطر كبار اعضاء العائلة الملكية وأبناؤهم على جميع قوات الامن والجيش والحرس الوطني وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن ثم فإنهم سيبقون او يسقطون معا ولا يمكن ان يكون هناك معادل لسيطرة الجيش المصري كمؤسسة مستقلة ذات مصداقية". ويستطرد الكاتب الاميركي ليؤكد انه &laqascii117o;في السعودية تحتكر الحكومة العنف. ولا شك ان السعوديين ليست امامهم فرصة للعنف. وقد تم القبض على من يحاولون انشاء حزب سياسي جديد يدعو للمزيد من الديموقراطية وحماية حقوق الانسان". بعد ذلك ياتي روبنسون الى الجانب الاميركي من مشكلة السعودية واحتمالات الثورة فيها فيقول &laqascii117o;إن لدى الولايات المتحدة الكثير مما تقلق بشأنه في السعودية، على الرغم من ان الاميركيين ينظرون الى السعوديين غالبا بازدراء ...وعلى الرغم من ان بترول السعوديين لا يعتبر بديلا مباشرا للخام الليبي الحلو، عرضوا زيادة معروضهم لتعويض اي نقص في الانتاج الليبي بسبب العنف هناك. ونحن نعمل معهم عن قرب في عمليات مكافحة الارهاب ... ونحن لا نتفق في قضية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، غير اننا لا ندع ذلك يعرقل مصالح مهمة اخرى. ولا تريد واشنطن ان تسقط الملكية السعودية. وقد ترغب ادارة اوباما في ان يحدث تغيير بمرور الوقت، كما ستشجع تحقيق نظام افضل للحكم يشتمل على المزيد من التمثيل السياسي والسياسات والقوانين الليبرالية، غير ان الديموقراطية لن تساعد بالضرورة اولئك الذين نأمل ان يفوزوا". يمكننا ـ بموضوعية ومن دون تحيز - ان نعتبر هذا التحليل مناسبا للظرف الحالي في السعودية كما تراه الادارة الاميركية. انما يبدو بوضوح ان الكاتب الاميركي لم يسمح لنفسه بأن ينظر الى الموقف الاميركي تجاه احتمالات الثورة السعودية في ضوء احتمال تدخل اميركي عسكري في ليبيا. وسؤالنا هو اذا كان بإمكان الولايات المتحدة ان تتدخل اليوم عسكريا في ليبيا وان تفعل الشيء نفسه في السعودية اذا وجدت ان نيران الثورة قد لحقت بها بعد اسابيع، او بعد اشهر. والامر المؤكد ان كل الحالات في الشرق الاوسط تهون بالنسبة للولايات المتحدة بالمقارنة مع السعودية. لكن الامر المؤكد ايضا ان الولايات المتحدة في ضوء توزع قواتها في الظروف الحالية لا تستطيع ان تلبي حاجة الى التدخل في السعودية اذا كانت قد تدخلت بالفعل في ليبيا. وعلى حد تعبير جيريمي وارنر، مساعد رئيس تحرير &laqascii117o;ديلي تلغراف" البريطانية، فإنه &laqascii117o;اذا سقطت السعودية ستحلق اسعار البترول الى مستويات هائلة وربما تبقى كذلك لفترة طويلة. هذا هو السيناريو المتشائم، وهو يبدو اليوم اكثر احتمالا... فاذا تاثرت السعودية بالعدوى وعجزت عن تعويض نقص الانتاج الليبي عبر زيادة الانتاج فربما يكون علينا ان نقول وداعاً للتعافي الاقتصادي العالمي". ازاء هذا الوضع المعقد الذي لا يحمل اية انباء طيبة من غرب المنطقة العربية او من جنوبها فإن الولايات المتحدة قد تفضل &laqascii117o;حرباً أهلية" طويلة في ليبيا، ايا كانت عواقبها على انتاج البترول الليبي، على وصول عدوى الثورة العربية الى السعودية. ذلك ان عواقب فقدان السعودية افدح بكثير من عواقب فقدان ليبيا. وعلى هذا الاساس ـ ونظراً لأن الولايات المتحدة لا تملك الاتجاه نحو هذا الخيار او ذاك ـ فإنها تبقى رهينة التمني بأن لا تصل ألسنة اللهب الى السعودية حتى لو حاصرتها النيران من كل جانب. وهذا وحده ما يفسر النبأ المهم الذي طيره المراسل البريطاني الاشهر في الشرق الاوسط روبرت فيسك الذي تحدث عن &laqascii117o;خطة اميركية لتسليح ثوار ليبيا عبر السعودية ... وإرسال قذائف هاون وصواريخ الى بنغازي مقابل غض الطرف الاميركي عن اي إدانة وأي عنف تقوم به المملكة ضد الانتفاضة الشيعية". هل تستطيع الولايات المتحدة ان تمنع وقوع هذا الاحتمال ـ حتى لو قررت ان لا تتدخل في ليبيا او في غيرها ـ مبقية على الخيار السعودي مفتوحا لها؟ ان الظروف التي جعلت الثورة العربية تشتعل بادئة من تونس قد فاجأت الولايات المتحدة اكثر مما فاجأت النظم الحاكمة التي اطاحت بها هذه الثورة - او توشك ان تطيح بها ـ فالولايات المتحدة كانت طوال السنوات الاخيرة مشغولة اكثر من اي هم آخر بالهم الذي شكلته لها ايران. وتوقعت ان تأتي رياح التغيير في اتجاه ايران، فاذا بها تأتي باتجاه النظم الحاكمة العربية التي طالما اطمأنت الولايات المتحدة الى استقرارها وسيطرتها بأساليب الحكم الاستبدادية الفاسدة. ولقد اصبح على الادارة الاميركية الآن واجب تبرير استمرار السياسات نفسها التي ادت الى الثورة في تونس ومصر، في حالات السعودية ودويلات الخليج، في مواجهة الرأي العام الاميركي الذي يشعر بأنه ليس بعيدا بأي حال عن تاثيرات ومؤثرات الثورة العربية. ولم يعد يرقبها كأحداث بعيدة تثير الفضول ولا شيء اكثر من ذلك.  


- 'السفير'

&laqascii117o;الإسلاموفوبيا" الجمهورية... وتحفيز الأصولية
جيمس زغبي:

دعوني أقول مباشرة إن &laqascii117o;الإسلاموفوبيا" (الخوف المرَضي من الإسلام)، وهؤلاء الذين يروجونها يمثلان تهديداً للولايات المتحدة، يفوق في خطورته التهديد الذي يمثله &laqascii117o;أنور العولقي" وفريقه من الإرهابيين المنتمين لمختلف التنظيمات المتطرفة. فعلى مستوى ما يقتات ذلك الرجل في مخبئه الكهفي في اليمن، على مشاعر &laqascii117o;الإقصاء" التي يحس بها المسلمون أينما وجدوا - سواء في الولايات المتحدة أو غيرها. فهو يتقمص شخصية &laqascii117o;مالكولم إكس" معاصر (وإن كان من الواضح أنه لم يقرأ الفصول الأخيرة من &laqascii117o;السيرة الذاتية" لذلك الرجل العظيم، كما لم يتعلم من دروس تجربته). وأنور العولقي كما قرأت عنه يبدو رجلاً متديناً، واثقاً من نفسه، جريئاً إلى حد التهور، وهي كما نرى صفات كافية لاجتذاب النفوس المجروحة الباحثة عن اليقين، وعن التنفيس عما تشعر به من غضب. ومثله مثل كافة الطفيليات، لا يقدر العولقي بنفسه على خلق ضحيته، وإنما ينتظر الآخرين كي يخلقوا له فرص الانقضاض على ضحاياه، وهي فرصة ما زالت حتى الآن محدودة ومنعزلة - بالنسبة له. وللتذكير فالعولقي كان شاباً مضطرباً عندما كان يعيش هنا في أميركا، وهو جندي مشوش، يزداد تشوشاً على الدوام وهو يقبع في كهفه هناك. ولا شك أن &laqascii117o;الإسلاموفوبيا"، يمكن إذا ما تركت من دون قيود، أن تؤدي إلى إقامة الأسوار الحائلة دون اندماج المسلمين في أميركا، ما يؤدي لانتشار الشعور بالإقصاء والاستبعاد بين الأجيال الشابة منهم. ولن يؤدي هذا لإلحاق الضرر بواحدة من الركائز الأساسية التي تقوم عليها الديموقراطية الأميركية الفريدة فحسب، وإنما سيؤدي أيضاً لزيادة كبيرة في أعداد الأفراد القابلين للتحول إلى التطرف والراديكالية فيما بعد. ولطالما أكدت في مقالاتي على نقطة مهمة، وهي أن الولايات المتحدة تختلف من حيث واقعها، ومن حيث مفهومها، عن حلفائها الأوروبيين: فالجيل الثالث من الأتراك والأكراد في ألمانيا، والباكستانيين والهنود في بريطانيا، والجزائريين والمغاربة في فرنسا، ما زال يشار إليهم حتى الآن من قبل المسؤولين الأوروبيين أنفسهم على أنهم مهاجرون رغم حقيقة أنهم يحملون جنسية البلاد التي يعيشون فيها منذ ثلاثة أجيال. ويختلف هذا عن الوضع في أميركا التي تقوم فكرتها، ومفهومها - منذ أن أنشئت - على استيعاب المهاجرين وصهر الثقافات، والمواطنة المتساوية بين الجميع بلا فرق. فخلال جيل واحد فقط يتحول المهاجرون، من أي عرق من الأعراق العالمية، إلى أميركيين قلباً وقالباً، بعد أن يذوبوا في بوتقة الصهر الأميركية الخلاقة الشهيرة، ويتحولوا إلى إضافات ثمينة تساهم في تقدم أميركا في كافة المجالات. والحملة الحالية المناوئة للإسلام، أو ما بات يعرف بـ&laqascii117o;الإسلاموفوبيا" في الولايات المتحدة، هي آخر تجلٍّ من تجليات التعصب، الذي يهدد بتمزيق نسيج المجتمع الأميركي. والأشخاص الذين يقفون وراء تلك الحملة معروفون: فهم ينتمون إلى اليمين، وينقسمون إلى أفراد وجماعات مُنحت نوعاً من الشرعية في الحديث كخبراء في موضوعات مثل &laqascii117o;الإرهاب" و&laqascii117o;الراديكالية الإسلامية" أو الهموم المتعلقة بالأمن القومي الأميركي، على رغم ما يبدونه من تحيز واضح ضد كل ما هو عربي وإسلامي. ويمارس هؤلاء نشاطهم من خلال محطات تلفزيونية، وبرامج &laqascii117o;توك شو"، ومواقع على الشبكة الإلكترونية يشرف عليها خبراء متعصبون مهمتهم تضخيم الرسالة الموجهة ضد العرب والمسلمين في كافة أنحاء العالم. وقد شهد العامان الماضيان زيادة واضحة في الجهود المبذولة من قبل هؤلاء المتعصبين الذين أشعلوا نيران الكراهية ضد المسلمين، وزرعوا بذور الخوف في أوساطهم داخل الولايات المتحدة. ومما فاقم من خطورتهم أن الأفكار التي يتبنونها، والطرح الذي يقدمونه، قد جرى تبنيهما من قبل سياسيين وعناصر بارزة داخل الحزب &laqascii117o;الجمهوري" الأميركي الذين قرروا على ما يبدو استخدام &laqascii117o;الإسلاموفوبيا" كموضوع لبناء الإجماع داخل صفوفهم، وكإسفين ضد الحزب &laqascii117o;الديموقراطي" لتحقيق أهداف انتخابية. ومن هؤلاء الساسة &laqascii117o;سو ميريك" (جمهوري - نورث كارولينا) الذي يقول إنه بات يشعر بالعصبية وعدم الأمان بسبب امتلاك المسلمين لسلسلة متاجر تجزئة مشهورة في الولايات المتحدة! ومنهم أيضاً توم تانكريدو (جمهوري -كولورادو) الذي هدد ذات مرة بأنه &laqascii117o;سيقصف مقدسات المسلمين". وليس هذان السياسيان هما الوحيدان اللذان يعبران عن مشاعر كراهية للمسلمين، وإنما يمكن القول إنه قد بات من الصعب في الوقت الراهن العثور على عضو قيادي في الحزب &laqascii117o;الجمهوري"، لم يقم في وقت من الأوقات بشن هجوم على الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة. وكلما طال أمد معاناة الولايات المتحدة من داء التعصب، وما ينتجه من عدم تسامح ضد الآخر المسلم كلما تفاقم شعور الجيل الجديد من المسلمين، بأنهم غير مشمولين بـ&laqascii117o;الوعد الأميركي"، وهو ما سيدفعهم في النهاية حتماً للشعور بأنهم باتوا غرباء في وطنهم. إن الشيء الذي يجب أن يعرفه الساسة الأميركيون الذين يتبنون مشاعر مناوئة للإسلام، هو أنهم باستهدافهم لدين معين من الأديان التي يعيش أتباعها في الولايات المتحدة، وبالطريقة التي يفعلون بها ذلك، والتي يمكن القول إنها أبعد ما تكون عن روح أميركا، يفتحون الباب على مصراعيه لمزيد من الشعور بالإقصاء والاستبعاد بين المسلمين، وهو ما سيدفع أعداداً متزايدة منهم نحو التطرف والراديكالية، وما سيجعل أنور العولقي يبتسم ابتهاجاً في مخبئه الكهفي.


- 'الأخبار'

مقاومة إسرائيل والانتفاضة العربية
هشام صفي الدين:

لا شك في أنّ الانتفاضات الثورية الشعبية التي تشهدها البلدان العربية، وفي مقدمتها مصر، سيكون لها الوقع الكبير، وبالأغلب الإيجابي، على الصراع مع إسرائيل. ولا شك في أنّها أحدثت ثورة سيكولوجية في الوعي العربي الجماعي (وهو وعي تعددي طبعاً) قد تمحو ما يزال عالقاً في النفوس من آثار نكسة 1967. فالنكسة لا تزال تمثّل بُعداً أساسياً لهذا الوعي العابر للأجيال، بالرغم من انكسار هيبة الجيش الإسرائيلي &laqascii117o;الذي لا يقهر"، أمام صمود المقاومة في لبنان وفلسطين عبر السنوات، والانتصار المفصلي عام 2006. ذلك أنّ النكسة لم تكن مرتبطة فقط بالخسارة العسكرية، وعليه يمكن التغلب عليها بانتصار عسكري محدود ولو مدوياً. ارتبطت النكسة بانهيار مشروع الوحدة العربية وبأفول القومية العربية بما هي محرك أيديولوجي بقدر ما ارتبطت بالعجز عن تحرير كل فلسطين. النكسة، إذن، ليست هزيمة 1967 بحد ذاتها، بل ثقافة الهزيمة واليأس التي وُلدت من الهزيمة لكن ساهمت في ترسيخها وإعادة إنتاجها سياسات الأنظمة العربية التي تلت حكم عبد الناصر، والفكر النخبوي الذي بالغ في جلد الذات العربية بالحدّة نفسها التي بالغ الخطاب الناصري ما قبل الهزيمة في تبجيلها. وعليه، فإنّ تخطي النكسة يعتمد على العناصر المعنوية والمادية على حدّ سواء. وبالتالي، يحتاج ذلك إلى إعادة قراءة لماضي الصراع ورصد واقعي لحاضر الثورة، يُبنى عليهما تصوّر مثالي لمستقبل المقاومة. ويمكن البدء بوضع لبنات هذا التصور من خلال مقاربة علاقة الانتفاضات الثورية التي تجتاح المنطقة بالصراع مع إسرائيل عبر ثلاثة محاور.
أولاً: فلسطين بما هي دافع أو هدف للثورة. &laqascii117o;للقدس رايحين، شهداء بالملايين." هكذا هتفت الجموع الغفيرة في ميدان التحرير خلال الاحتفال بسقوط مبارك يوم 17 شباط. نداء هدّار تقشعرّ له أجساد الحالمين بتحرير فلسطين المحتلة، ويثير ما يثير من آمال حول دور مصر وشعبها في مستقبل الصراع مع إسرائيل. وقد سارع العديد من شباب الفايسبوك وأصحاب الرأي وبعض القوى السياسية إلى ربط الحراك الشعبي بالقضية الفلسطينية، الى حد ادعاء أحد الأحزاب في لبنان أنّ انهيار الأنظمة العربية هو نتيجة تخلّيهم عن فلسطين. وهو ادعاء أقل ما يُقال فيه أنّه تسفيه للشعوب العربية تلك، ولطموحاتها بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، بمعزل عن تعاطفها مع فلسطين، وبمعزل عن لوم أنظمتها لتخاذل الأخيرة، بل ومشاركتها العلنية في حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه، كما في الحالة المصرية. لكن ترجمة هذا التعاطف الى عدّه ركناً أساسياً من العمل الثوري هي قفزة فوق مراحل وتحديات عدّة لا ترتبط بمشاعر الناس وإدراكها لأهمية القضية الفلسطينية.
فلسطين، إذن، ليست محور الحدث بما هي دافع، والإصرار على عدّها أولوية بصفتها هدفاً عاماً قد يؤدي الى نتيجة معاكسة، عبر خلق تجاذبات وانقسامات بين قومية مصرية ثورية قيد التكوين وحماسة عربية زائدة في دول المواجهة، تتحوّل الى لوم وخيبة. وعليه، من الأجدى مقاربة الملف الفلسطيني لا عبر إسقاط كلام عام وبالجملة بل عبر الإصرار على تفكيك التحالف الإسرائيلي ـــــ المصري في كلّ أوجهه التفصيلية. هكذا، ينفرط عقد العلاقة، من دون الانجرار الى مواجهة عسكرية مبكرة غير مضمونة العواقب أو الانكفاء والتململ من تقاعس مصر عن أداء دورها الكامل. لذلك، الأجدى التركيز على استراتيجية ما يمكن أن يسمّى الحصار المضاد (فك حصار غزة ومحاصرة إسرائيل) إلى أن تتضح المعالم الحقيقية للنظام المصري الجديد وقدرته (ليس فقط إرادته) على خوض المعركة بكل أبعادها. وسيكون هامش المناورة المصرية مرهوناً أيضاً بجهوزية ما يعرف بمعسكر الممانعة وقدراته في ظل تداعيات الانتفاضات الشعبية عليه، ولو بعد حين، وهو موضوع المحور الثاني.
ثانياً: معسكر الممانعة وضرورة الإصلاح. لقد أدّت هجمات 11 ايلول وغزو العراق عام 2003 الى تبلوُر حادّ للمعسكرين المعروفين بمعسكر &laqascii117o;الاعتدال" من جهة (أي الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما العرب كالسعودية ومصر والأردن وسلطة رام الله) ومعسكر الممانعة من جهة أخرى (أي إيران وسوريا وقوى المقاومة المسلحة كحزب الله وحماس). وتقف تركيا في مكان ما بين الاثنين. لن يختلف اثنان إذن على أنّ سقوط مبارك مثّل ضربة موجعة للمعسكر الأول. لكن تماسك معسكر الممانعة كان في جزء منه نتيجة بنيوية لوجود معسكر مناوئ ونتيجة سياسات أميركية وإسرائيلية متطرفة ووحشية. وكان غياب الديموقراطية والإصلاح السياسي والاجتماعي الحقيقي عن هذا المعسكر المقاوم يشفع له الغياب المزدوج للحرية والمقاومة عند الطرف الآخر (الأعور ملك بين عميان). أما وقد بدأت الدكتاتوريات التابعة للغرب بالتصدع، فبات لزاماً على قوى الممانعة أن تعيد النظر جذرياً بأدبياتها المتعلقة بالداخل. وقد تمثّل سوريا الخاصرة الأضعف في هذا المجال، نتيجة الغياب شبه التام لأي إصلاح سياسي جادّ، تليها إيران (تخيلوا إجراء استفتاء بنتائج تتعدّى 90% بعد اليوم). هذا مع العلم أنّ حركات المقاومة تعاني أيضاً عوارض مماثلة ولو بقالب مختلف وتحت ضغوط أكبر. فحزب الله متحالف مع أعرق وأعتق أميرين للحرب الأهلية وراعيين للطائفية السياسية ورمزين للفساد المؤسساتي المذهبي، وحماس تكاد تتحوّل إلى سلطة تصريف أعمال، لا مواجهة احتلال. لن يفيد إذن، بعد اليوم، شعار &laqascii117o;لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مع إسرائيل، فقد علا وأزبد صوت الشعب في المعارك ضد الاستبداد والفساد والحرمان، وكمّ أفواه الناس والوقوف في وجه مطالبهم المحقة تحت ذريعة مقاومة إسرائيل لن ينال إلا من هذه المقاومة ومكانتها عند الناس، لو صُورت كأنّها العقبة لهذا التغيير، وهي أبعد ما يكون عن ذلك. وهو ما يدعو إلى تجديد الفكر المقاوم نحو ما يمكن نعته بمعادلة المقاومة المتكاملة.
ثالثاً: العنف واللاعنف والمقاومة المتكاملة . إذا كان عقد التسعينيات عقد التفاوض و&laqascii117o;السلام"، وإذا كان العقد الماضي عقد المقاومة المسلحة بامتياز، فيجب أن يكون هذا العقد عقد المقاومة المتكاملة بين الكفاح المسلح والكفاح المدني السلمي. فقد شهد عقد التسعينيات، ما بعد انتفاضة الحجارة، كلاماً كثيراً عن خيار التفاوض والسلام، وأدّى انهيار أوسلو إلى صعود نجم المقاومة المسلحة سبيلاً وحيداً لتحرير الأرض. لا شك في أنّ المقاومة المسلحة هي عماد أساسي في الصراع مع إسرائيل، لكن القول إنّها السبيل الوحيد أو الأنجع، بغضّ النظر عن المعطيات الميدانية (الصراع على حدود فلسطين ليس كالصراع داخلها)، هو كالقول بضرورة الابتعاد عن أي شكل من أشكال المقاومة العنفية. كلاهما يحدّ من خيارات المقاومة وحرية حركتها، في ظل ظروف ميدانية وجيوسياسية متقلّبة. وتؤكد الظروف الراهنة أنّ التحرير الكامل يعني تحرير الأرض إضافة إلى ـــــ وليس بديلاً من ـــــ إسقاط النظام الصهيوني العنصري المتمركز ضمن الخط الأخضر. وهنا، تؤسس الانتفاضات الشعبية لشرعية جديدة هي شرعية التحركات الشعبية الراديكالية لكن السلمية، وتتّصف هذه الاحتجاجات بأنّ راديكاليتها تكمن في مطالبها المثالية (تغيير جذري للنظام السياسي) وسبلها غير المؤسساتية وقيادتها الجماعية. وهي بذلك تصلح عماداً لمواجهة الأنظمة القمعية الدكتاتورية أو الاستيطانية العنصرية. ما الذي يمنع إذن حشد تظاهرات سلمية مليونية على حدود إسرائيل؟ لا يعني ذلك استنساخ التجارب في داخل البلدان العربية، بل يعني أخذ الكفاح السلمي الراديكالي (وليس الصُوري التي تمارسه قوى &laqascii117o;الحوار" و&laqascii117o;الاعتدال") على محمل الجدّ. فكما كانت المقاومة ضد إسرائيل في زمن التطبيع والتسليم مصدر فخر وإلهام لمن قالوا لا لحكامهم في زمن من يقولون نعم، فإنّ فلسفة المقاومة نفسها يجب أن يُعاد صوغها في ضوء العبر والدروس الميدانية التي أفرزتها الانتفاضات العربية الراهنة، حتى يكتمل ربيع الثورات العربية بتحرير ربيع الأرض العربية فلسطين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد