ـ 'الأخبار'
جان عزيز:
مشروع تسوية &laqascii117o;البراءة للجميع"...
ما الذي يفسّر هذا التباين في الآراء والقراءات للوضع الراهن، داخل كل فريق من طرفي الصراع، بين جازم بأن خط التسوية شغَّال، وبين حاسم بأن مساعي الحل معطلة؟
يقول بعض العارفين إن السبب هو خروج التفاوض الحاصل من الدوائر التقليدية التي كانت تعمل، أو تطلع عليه، وحصره لأسباب عملية وعملانية في دوائر بعيدة تقليدياً عن آذان اللبنانيين و&laqascii117o;مصادرهم" و&laqascii117o;الأوساط". فمن الجهة السعودية، أدّى سفر الملك للاستشفاء في الولايات المتحدة، كما حصر قناة مساعيه بنجله ومستشاره عبد العزيز، الذي يلازمه في مشفاه، إلى ابتعاد الحركة السعودية من مراصد الرياض وأعمدة تردداتها ولواقطها في بيروت، وهذا ما حرم أوساط فريق أول، متعة التباهي بمعرفة أسرار البلاط. أما من الجهة السورية، ونتيجة الواقع الشخصي والجغرافي المستجد للشريك السعودي في معادلة س/س، فقد انحصرت قناة التفاوض كما يتردد، في مكتب وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ومنه مباشرة إلى الرئيس الأسد. وبين هذين المكتبين، يندر الزوار اللبنانيون، برغم تقاطرهم المتواتر منذ مدة على العاصمة السورية، إما تكثيفاً، وإما إحياءً لوصل انقطع طويلاً.
ويتردد في هذا السياق، أن حصر التفاوض السوري ـــــ السعودي على هذا المستوى، جعل محاوريه اللبنانيين مقتصرين على أقطاب لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة، وهم، برغم دأب بعضهم على احتراف التفاؤل، عرفوا كيف يستعينون على قضاء تلك المساعي بالكتمان. وهو ما أرسى هذه الضبابية العامة في تقييم حقيقة الوضع واتجاهاته واحتمالاته.
والوصول بعملية التفاوض حول الوضع اللبناني، إلى هذا المستوى، أدى إلى التوسع في ملفات البحث. فلم تعد المحكمة الدولية والقرار الاتهامي هما الموضوع كله، إذ لم تلبث أن طرحت مسائل الاستقرار اللبناني برمّته وفي مكوّناته الداخلية، كما في ارتباطاته الإقليمية. هكذا راحت تتراكم عناوين المباحثات: العلاقة المستقبلية بين الحريري وحزب الله؛ العلاقة بين الحريري وسوريا، مصير التركيبات المرتبطة بالأزمة، من أشخاص وأجهزة وهيئات رسمية واكبت المرحلة الماضية. وقد دخلت الوضعية الحكومية اللبنانية برمّتها ضمن إطار التفكّر بالحل، من أجل أن تكون التسوية المنشودة قاعدة لاستقرار لبناني ثابت. هكذا يحكى أن قضية مالية الدولة وموازناتها والصراع حولها، صارت جزءاً من تسوية المحكمة. وهو ما تشعب حتى البحث عن صيغة الحكومة، واحتمالات إعادة تركيبها بعد التسوية، حتى إن البعض لم يتردد عن الإيحاء بمعادلات من نوع &laqascii117o;البراءة للجميع"، بمعنى تبرئة فريق في قضية المحكمة الدولية، مقابل تبرئة فريق آخر في قضية المالية العامة للدولة، مع التشديد على النتيجة النهائية: ضمان مستقبل الجميع في النظام وسلطته.
وبرغم الحساسية الشديدة التي تعتري مثل هذه المعادلات، أو ربما بسببها، أدرك المفاوضان السوري والسعودي سريعاً، أن المسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت هو قطعاً أطول من المدة المحشورة بمواعيد دانيال بلمار، بين بداية عطلته في 15 الجاري، ونهايتها في الخامس من الشهر المقبل. ذلك أن تسوية كهذه، تقتضي فعلياً وعملياً، انتظار شفاء العاهل السعودي، ومن ثم انتقاله لنقاهة في أغادير. وبعدها استئناف الزيارات بين دمشق وذلك المنتجع المغربي، لوضع مسوّدة أولية لاتفاق لبناني شامل...
إزاء التوافق على هذا التصور المنطقي للجدول الزمني المطلوب، يتردد أن نقطة واحدة شكلت مكمن الإجماع الحاصل على خط المساعي الدائرة. وهي ضرورة الحصول على ضمانات ممن يلزم، بتأجيل طويل الأمد لنتيجة عمل بلمار، بما يعطي الوقت الكافي لبلورة الحل، وبما يسمح بالتحرك لتحقيقه بعيداً عن انطباع السيف الدولي المصلت على الأعناق.
في محصلة الحراك الدائر الآن، يتردد أن الأمور بلغت حد الاقتناع السعودي بضرورة اللجوء إلى واشنطن، للحصول على ذلك التمديد الطويل، بحيث يعطى بلمار وفريقه ومهمته فرصة عمرها بالأشهر، لا بالأسابيع. غير أنه في المحصلة نفسها، يبدو أن الجواب الأميركي بالإيجاب، لم يعط بعد. لا بل يبدو أن التهويل بقرار بلمار لا يزال هو الأكثر استخداماً في القول والممارسة، وهذا ما يدفع الطرف المعني في الداخل إلى الاستعداد لكل الاحتمالات: أول التسوية، كما نهاية المسعى. وفي هذا السياق قد لا يكون مستبعداً عقد مؤتمر صحافي لجهة أساسية في القضية هذا الأسبوع، قد يكون فعلاً، آخر الكلام. خصوصاً في ظل معلومات جديدة تتسرب، عن شاهد جديد، تخبئه القاهرة، لمفاجأة لبنانية وسورية يحضر لها بلمار.
ـ 'الأخبار'
وليد سليس (كاتب سعودي):
الشيعة ووثائق ويكيليكس
في الوثائق المسربة التي نشرها موقع ويكيليكس، هناك حديث من بعض المسؤولين العرب عن الشيعة. الحديث في معظمه غير إيجابي ويذكرنا بما قاله الرئيس المصري حسني مبارك عن ولاء الشيعة لإيران أو ما قاله الملك الأردني عبد الله الثاني عن الهلال الشيعي.
في خضمّ ما نسمعه، لا يمكن إلا أن نتذكر كتاب &laqascii117o;الشيعة العرب: المسلمون المنسيّون"، الذي صدر في عام 1999 للباحثين غرهام فولو وراند فرانكي، اللذين أجادا توصيف الحالة الشيعية في المنطقة، فكان العنوان مطابقاً لما يحتويه الكتاب.
يمكن القول إنّه خلال السنوات العشر الماضية، نُشرت أبحاث عدّة تطرقت إلى الشيعة في الخليج. كذلك فإن هناك في الوقت نفسه تزايداً في التقارير الدولية التي تصدر عن المنظمات الحقوقية وتتطرق إلى المسألة الشيعية، واعتبار هؤلاء مجموعة من السكان يمارس عليهم التمييز الممنهج والاضطهاد في أوطانهم.
عند قراءة الوثائق، يظهر الشعور العام لدى الحكام الذين يريدون أن يبقى الشيعة في مكانة ضعيفة، وكثيراً ما يجري تصويرهم على نحو سيئ وكأنهم إرهابيون وخارجون عن القانون. وهذا واضح في معظم اللقاءات التي نقلتها الوثائق، ومنها لقاء جمع وليّ عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع نائب وزير الطاقة الأميركي دانييل بونمان بتاريخ 9/12/2009 في أبو ظبي. تحدث الشيخ محمد إلى نائب السفير عن الخطر الذي تمثله إيران، وقال &laqascii117o;الأكثر خطورة أنّ إيران تقوم ببناء &laqascii117o;إمارات" في العالم الإسلامي في كلّ من جنوب لبنان وغزة، وهناك &laqascii117o;إمارات" نائمة في الكويت والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية، والخلية الأم في جنوب العراق والآن في صعدة في اليمن" (وثيقة رقم 09ABascii85DHABI1151).
أما وزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، فقال للسيناتور الأميركي جون كيري في الدوحة بتاريخ 13/2/2010 إنّ &laqascii117o;رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يريد العراق دولة شيعية، رغم أنّ السنّة يمثلون الأكثرية عندما يتم حساب الأكراد وغير الأكراد" (وثيقة رقم 10DOHA71).
في المقابل، نقل السفير الباكستاني في السعودية عمر خان الشيرازي إلى السفير الأميركي في السعودية جيمس سميث في اجتماع جمعهما في الرياض بتاريخ 20/10/2009 أنّ &laqascii117o;العلاقات السعودية ـــــ الباكستانية توترت منذ انتخاب الرئيس آصف زرادي وذلك لاعتقاد السعودية بأنّ زرادي موالٍ لإيران و للشيعة" (وثيقة رقم 09RIYADH1415). ويتقاطع هذا الكلام الذي قاله السفير الباكستاني مع ما ورد على لسان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقائه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فليتمان في واشنطن بتاريخ 7/4/2009 عندما قال &laqascii117o;السعوديون لم يحبّوا مطلقاً حزب الشعب الباكستاني، وهم يدعمون نواز شريف. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد السعودية أنّ زرادي شيعي، وهذا أوجد قلقاً سعودياً من قيام مثلث شيعي في المنطقة بين إيران، وحكومة المالكي في العراق، وباكستان" (وثيقة رقم 09STATE34688).
وحين اجتمع رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية عمر سليمان مع عدد من النواب الأميركيين عند مشاركتهم في منتدى الاقتصاد العالمي الذي أقيم في شرم الشيخ في مصر خلال فترة 18 ــ 20 أيار/ مايو 2009 ذكر لهم أنّه &laqascii117o;يركز على تنامي التأثير الإيراني في العراق، حماس، حزب الله، والمجتمعات الشيعية في الخليج" (وثيقة رقم 08CAIRO1067).
أثبتت العقود الماضية عدم صلاحية هذه المحادثات، إلا أنّها أصبحت مبرراً للحكومات العربية كي تمارس الإقصاء عبر لعبة التشويه. وهي لعبة سهلة لأنّها تزيل المسؤولية القانونية والأخلاقية المترتبة عن إبعاد الشيعة عن مناطق اتخاذ القرار. لكن ممارسة التهم الجاهزة لن تجدي نفعاً، فالوقائع على الأرض تتحدث عن نفسها. عندما كانت المعارضة السعودية الشيعية في قمة نشاطها وأتت حرب الخليج، أوقفت هذه المعارضة نشاطها. كما بعثت برسائل إلى الحكومة السعودية تعلمها بأنّها مستعدة لحث أبناء الشيعة على المشاركة مع الجيش السعودي في الدفاع عن حدود الوطن. وهذا ما حصل أيضاً في الكويت عندما وقف الشيعة كالحائط في مواجهة الجيش العراقي دفاعاً عن وطنهم.
لن تغيّر أحاديث المسؤولين العرب إلى المسؤولين الأجانب من المعادلة، ولن يزيد الشيعة إلا إصراراً على حبهم لأوطانهم لأنّهم ولدوا ونمت أجسامهم من ترابه.
أيها المسؤولون العرب، إذا كان لديكم مشكلة فضعوها على الطاولة، وهذا مطلب شيعي بامتياز، يتكرر بين الفينة والأخرى. مثلاً، سعى الشيخ علي سليمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الحزب الذي يمثل غالبية الشيعة في البحرين بـ 18 مقعداً من 40 في البرلمان اليوم، في خطبة الجمعة بعد الحملة الأمنية التي قامت بها الحكومة البحرينية، الى اعتقال عدد من القيادات الشيعية البارزة في كانون الأول/ ديسمبر 2007 لتهدئة الشارع الشيعي. ولم يحاول أن يستثمر الفرصة في تحريك الشارع ضد الحكومة، بل تحدث بلغة هادئة. قال &laqascii117o;تصوري، وأتمنى أن لا أكون مخطئاً، أنّ الأحداث الأمنية لا تفرح أحداً ولا تريح رشيداً من الحكومة أو من المعارضة. ما يحتاج لعلاجه اليوم وبسرعة هو إيقاف التدهور الأمني والعمل على تحريك المطالب السياسية من دون الإرباك الأمني وأن تسمح الحكومة بتحريك المطالب السياسية وبحرية التعبير عنها من دون الحاجة إلى أي اصطدامات. ولن يكون الوطن مستفيداً من إلقاء الكرة على هذا الطرف أو ذاك في حال استمرار الحدث الأمني". وأضاف &laqascii117o;الوطن بكلّ مكوناته يحتاج إلى الأمن والاستقرار، نحن نحتاج إلى الأمن في قرانا كما تحتاج الدولة إلى الأمن العام وأمن الاقتصاد وغيرها من الأمور. الجميع يحتاج إلى الأمن". من جهته، قال الدكتور توفيق السيف، الأمين العام للمعارضة الشيعية السعودية المنحلة في خلال اللقاء الذي أجرته معه قناة الجزيرة في برنامج &laqascii117o;في العمق" بتاريخ 29/11/2010 مجيباً عن السؤال الذي طرحه عليه مقدم البرنامج عن حالة القلق عند السلطة السياسية تجاه المطالب الشيعية &laqascii117o;أعتقد أن هنالك عملية تصنيع وإعادة إنتاج للقلق... ونحن نطالب دائماً بمناقشة الموضوعات، ونقول إذا كنتم مرتابين في مسألة، سواء تعلقت بالمجتمع الشيعي ككل أو بأفراد منه، فضعوها على الطاولة. دعونا نناقشها لعلنا نستطيع أن نقتنع برأيكم أو لعلنا نستطيع أن نكشف لكم عن خطأ ما تقولون. لكن للأسف، حتى الآن القضايا الرئيسية لم توضع على الطاولة، لا يزال كبار المسؤولين يرون أنّ هذه المطالب محقة، لكنّها تحتاج إلى زمن. ونحن نعتقد أنّ هذا تسويف". وكانت الحركة الشيعية المعارضة للحكومة السعودية التي يتزعهما السيف قد توقفت عن العمل في عام 1993، بعد التفاهم مع السلطات على عدد من المطالب الشيعية. ووعدت
أصبح اتهام الشيعة بالولاء لإيران مبرراً للحكومات العربية كي تمارس الإقصاء عبر لعبة التشويه الحكومة بتحقيقها، لكنّها لم تتحقق حتى الآن. أما في الكويت، فالموضوع لا يحتاج إلى إثبات، فعلاقة الشيعة مع العائلة الحاكمة في أجمل صورها، وكثير من قضاياهم تحلّ بالحوار، إما عن طريق البرلمان أو الحكومة. ويعود ذلك إلى وجود من يستمع إلى مشاكلهم ولا ينظر إليهم نظرة يسودها عدم الثقة.
وفي الختام، أذكّر بما قاله الشيخ حسن الصفار تعليقاً على حديث الرئيس المصري عن ولاء الشيعة لإيران &laqascii117o;الشيعة هم الذين قادوا ثورة العشرين في العراق، فهل كان في ذلك شك في وطنيتهم؟ الشيعة في البحرين هم الذين صوّتوا لاستقلال البحرين ولم يقبلوا بالانضمام إلى إيران. الشيعة في المملكة العربية السعودية هم الذين بادروا الى مبايعة الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية". وأضاف الصفار متسائلاً في السياق ذاته &laqascii117o;وفي لبنان الشيعة يقاومون إسرائيل وحرروا جنوب لبنان، هل هذا يدل على نقص في ولائهم لوطنهم؟".
أيها الحكام والمسؤولون العرب، افتحوا الأبواب لمواطنيكم الشيعة كي يكونوا شركاء في أوطانهم، فسياسة الإقصاء والتمييز لن تولّد إلا مزيداً من توتر العلاقة واضطراب في الشرعية السياسية. والسبيل الأنجع هو أن يشعر المواطنون الشيعة بأنّهم جزء من أوطانهم. ويجب على الحكومات أن تبحث عن الاستقرار السياسي والاجتماعي وبناء دولة قوية قادرة على مواجهات التحديات المختلفة، ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل سياسة تشويه صورة الشيعة في العالم وعدم إعطائهم حقوقهم المدنية والسياسية باعتماد مبدأ المساواة.
ـ 'الأخبار'
فادي يونس (باحث لبناني):
القرار الاتهامي والخيارات الصعبة
استطاع حزب الله أن يستوعب التداعيات السياسية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وببراغماتيّة متقنة تمكّن من محاصرة مشروع حركة 14 آذار الانقلابية. نقطة التحوّل الأساسية كانت في 7 أيار 2008. يومها استطاع الحزب، في ظل ظروف إقليمية مؤاتية، أن يجبر حركة 14 آذار على توقيع اتفاق الدوحة. اتفاق أحدث تحولاً أساسياً في مجريات الأحداث على الصعيد الداخلي وفي التوازنات الإقليمية المرتبطة بها. في مقابل هذا السعي الدؤوب للحزب، شهرت الولايات المتحدة آخر أسلحة حركة 14 آذار، أي المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي المنتظر بحق أفراد من حزب الله. إذاً إيقاف انقلاب حزب الله المضادّ سيكون عبر اتهامه. عندها يصبح الحزب أمام خيارين: الغرق في فوضى عدم الاستقرار الناتجة من اتهامه، أو الالتحاق بتسوية متوافقة مع المشروع الأميركي مقابل مكاسب سياسية مغرية. هل تنجح الولايات المتحدة في مسعاها هذا؟
&laqascii117o;سنقوم بضرب حزب الله عبر استخدام القرار 1757، إلا أنّنا هذه المرة سنواصل عملنا حتى النهاية". هكذا اختصر جيفري فيلتمان المخطط الأميركي لمواجهة حزب الله. مواجهة مختلفة عن سابقاتها، إذ تبدو الولايات المتحدة وكأنّها قد عقدت العزم على مواجهة حزب الله مباشرة، لا عبر وكلائها في حركة 14 آذار. كلام استكمل شرحه أحد محامي وزارة الخارجية الأميركية بالقول: &laqascii117o;إذا أدانت المحكمة عضواً واحداً من حزب الله فسنفوز. باستطاعة مجلس الأمن القيام بعدد من الأمور &laqascii117o;لخلع" حزب الله. هل يمكنك أن تتصور تأثير عقوبات على غرار تلك المفروضة على إيران إذا ما فرضت على لبنان حتى يتمّ تسليم القتلة؟ إنّ اللبنانيين يهتمون بالمال فقط، وبوجود كلّ هذه الطوائف التي تكره بعضها بعضاً أصلاً، سيغرق البلد في الاتهامات المتبادلة والحرب الأهلية إذا ما اضطروا الى التقشف قليلاً".
إذاً، المطلوب أميركياً هو قرار اتهامي يستفز حزب الله لدفعه نحو عمل عسكري أكثر شمولاً من أحداث السابع من أيار، فيما تعلم واشنطن قدرة حزب الله على إطاحة حلفائها؟ يبدو أنّ الإدارة الاميركية مقتنعة بأنّ تكتيكات حزب الله &laqascii117o;الخبيثة" للقضاء على 14 آذار، لا يمكن وقفها إلا بفصل حزب الله عن النسيج الطائفي اللبناني.
يهدد اتهام حزب الله باستعمال الاغتيال السياسي لإطاحة الرئيس رفيق الحريري، من أجل تحقيق مشروعه السياسي المذهبي على حساب الطوائف الأخرى، التوازن الطائفي القائم منذ تأسيس الكيان اللبناني. لا بل أكثر من ذلك، سعي الحزب لضمّ لبنان الى محور الممانعة قد يهدد المستقبل السياسي لأمراء الطوائف المنضوين منذ قرون تحت عباءة المشاريع الغربية في الشرق.
إذاً سيطيح هذا الحزب &laqascii117o;المؤدلج على نحو مفرط"، فيما لو استمرت قدراته بالتعاظم بامتيازات، الطوائف الأخرى. بالتالي لا بد من إعلان الطلاق بين حزب الله وباقي الطوائف، أي عزل الحزب عن النسيج الطائفي اللبناني، وحصره في حدود طائفته، التي ستستشعر بدورها بإمكان عزلها بسبب احتضانها للحزب. وبالتالي ينقلب احتضان الحزب من كونه عامل قوة لطائفته داخل النظام الطائفي الى مهدد يطيح امتيازات اكتسبتها عبر عشرات السنين من النضال. إنّها معركة طويلة الأمد، والقرار الاتهامي وما بعده يندرجان في هذا الاتجاه.
هذا المسعى الأميركي لاستغلال المحكمة الدولية منعدم الأفق، إذا ما قورن بالمتطلبات الأميركية الأخرى. فالمطلوب أميركياً في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي هو كالآتي: أن تبقى النيران اللبنانية محصورة ضمن النطاق اللبناني ولا تطاول قوات اليونيفيل، استقرار الحدود اللبنانية ـــــ الإسرائيلية (فلسطين المحتلة)، استمرار التسوية العراقية، أن لا تتحول المواجهة الداخلية الى حرب إقليمية أي عدم المس بالتوازن الإقليمي. لذلك تبدو جهود &laqascii117o;سين ــ سين" مفيدة من المنظور الأميركي، وخاصة إذا ما اقتصرت على ضبط حالة عدم الاستقرار اللبنانية في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي وذلك ضمن هذه المتطلبات.
في المقلب الآخر، عمد حزب الله الى افتتاح مرحلة أكثر خطورة في سعيه لاستكمال تفتيت حركة 14 آذار من أجل إلحاق لبنان رسمياً بمحور الممانعة، وذلك عبر إسقاط خيار المحكمة الدولية، آخر أوراق 14 آذار.ففي منتصف تموز الماضي، أطلق السيد حسن نصر الله العنان لحملة إعلامية هادفة الى زعزعة شرعية المحكمة الدولية، إنكار دستوريتها، والطعن بصدقيتها عبر فتح ملف شهود الزور والاعتقال التعسفي للضباط الأربعة. كذلك وصف المحكمة بأنّها مشروع إسرائيلي ـــــ أميركي يهدف الى ضرب المقاومة وإشعال نزاع مذهبي.
لم يكتف الحزب بالقرائن التي تدين إسرائيل في عملية الاغتيال، بل زاد من الضغوط على رئيس الوزراء سعد الحريري وداعميه، وذلك من خلال اعتماد سياسة حافة الهاوية في التعاطي مع القرار الاتهامي. فقد أوجد الحزب معادلة تؤرق خصومه في الداخل وأعداءه في الخارج وهي &laqascii117o;المحكمة مقابل الاستقرار". وبالتالي لم يعد مستقبل حركة 14 آذار، وما تمثله من مصالح أميركية وسعودية، مرتبطاً باستمرار المحكمة وإنما مستقبل هذه الحركة والمحور الإقليمي الداعم لها مرهون بالتخلي عن المحكمة.
وبالفعل، افتتح الرئيس بري هذه الحملة المضادة عندما عبّر عن مخاوفه من &laqascii117o;إمكان نشوب نزاع مذهبي في حال توجيه الاتهام لحزب الله". وكان موقع محطة &laqascii117o;المنار" على الإنترنت الأبلغ في تهديد الحريري وذلك بتحذيره من أنّ لبنان &laqascii117o;سيواجه أياماً قاسية وصعبة إذا لم يرفض الحريري المحكمة قبل نهاية شهر أيلول" (إذ كان من المتوقع صدور القرار الاتهامي قبل نهاية شهر أيلول). انضمت سوريا إلى هذه الجهود بإصدارها مذكرات توقيف بحق 33 شاهد زور، يمثّلون الفريق الأمني والإعلامي والسياسي للرئيس الحريري.
يهدد اتهام حزب الله باستعمال الاغتيال السياسي لإطاحة الرئيس رفيق الحريري التوازن الطائفي القائم منذ تأسيس الكيان اللبناني
أكثر من ذلك، حذّر السيد حسن نصر الله، سعد الحريري من أنّ توجيه الاتهام لعناصر من حزب الله باغتيال والده، سيؤدي لا محالة الى سبعين 7 أيار. وبالتالي، فإنّ الحريري أمام خيارين: رفض المحكمة واستمرار شراكته مع حزب الله تحت غطاء &laqascii117o;اتفاق الدوحة"، أو الاستمرار في مشروع المحكمة ورهن مستقبل علاقته بحزب الله بما ستؤول إليه الأوضاع في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي، أي تحت غطاء &laqascii117o;دوحة 2" في أكثر الحالات تفاؤلاً. يعني ذلك مكاسب إضافية لحزب الله داخل مجلس الوزراء تتجاوز بكثير قدرة التعطيل المكتسبة بفعل &laqascii117o;اتفاق الدوحة" المعمول به حالياً. ويستطيع بالتالي تغيير توازنات السلطة القائمة، مقابل خسائر موازية لمكاسب الحزب غير محصورة في الإطار الداخلي، بل في التوازنات الإقليمية المرتبطة بها.
إذاً، يبدو خيار الولايات المتحدة باتهام حزب الله أمراً بالغ الخطورة، فقد يدخل حلفاؤها في نفق مظلم ويلحق لبنان بمحور الممانعة في حال الاستمرار في هذا الخيار. أما خيار التخلي عن المحكمة تحت وطأة تهديدات حزب الله، فسيكون أكثر خسارة من حيث إنّه سيضع علامات استفهام حول قدرة الولايات المتحدة الحقيقية في التأثير بمجريات الأحداث في الشرق الأوسط. هذا سيمثّل رافعة قوية لحركات المقاومة ودول الممانعة الداعمة لها، تعطيها القدرة على تغيير التوازنات في الشرق الأوسط بما يسهم في خلق مستقبل سياسي جديد للمنطقة يتناسب مع مصالحها.
كذلك تبدو خيارات حزب الله صعبة للغاية، فإلغاء المحمكة أمر في غاية الصعوبة، والاتهام المتوقع قد يستكمل تطويق حزب الله من الداخل المذهبي اللبناني. وبقدر إغراء اتفاق &laqascii117o;دوحة 2" من حيث المكتسبات السياسية (على الصعيدين الداخلي والإقليمي)، فإنّ حزب الله يكون قد دخل المرحلة الأكثر غموضاً في تاريخه.
ـ 'النهار'
سركيس نعوم:
التفاهم مع العالم العربي أكثر ربحاً من مواجهته !
تعترف أوساط ديبلوماسية عربية وغربية بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية حققت نجاحات مهمة في الشرق الاوسط العربي والاسلامي، وفرضت نفسها لاعباً اول فيه، ولاعباً اساسياً وإن مشاغباً على الساحة الدولية من جراء استقطابها 'الآسر'، إذا جاز التعبير، على هذا النحو لـ'حزب الله' وشعبه في لبنان وتالياً للبنان، وكذلك لسوريا والاصوليين الفلسطينيين مثل 'حماس' و'الجهاد'، وتعاظم نفوذها في اوساط الاقليات الشيعية في دول ذات غالبية سنية عربية او اسلامية غير عربية والذي قد يكون معطّلاً في حال استخدمته. وتعترف ايضاً بأن للنجاحات الايرانية المذكورة علاقة مباشرة بالانجازات الداخلية التي تحققت على الصعد الانمائية والاسكانية والاجتماعية والتسليحية والنووية. لكنها في الوقت نفسه تبدو مقتنعة بأن استمرار ايران في تحقيق النجاحات سيكون صعباً وربما مستحيلاً في حال اعتقد قادتها وحكامها من 'ملالي' و'عسكر' واسلاميين أن في امكانهم تنفيذ ما هو معلن من 'اجندتها'، مثل 'ازالة اسرائيل'، او السيطرة على العالمين العربي والاسلامي، او اعادة الثنائية او بالأحرى التعددية الى زعامة العالم بتحولها زعيمة لكل المسلمين فيه. فالنجاحات المشار اليها، وهي حقيقية، تفيد ايران في حال استعملتها اوراقاً تفاوضية مع المجتمع الدولي وزعيمته اميركا وحلفاء الاخيرة في الشرق الاوسط، وذلك بغية اقناع كل هؤلاء بالاعتراف بها دولة اقليمية عظمى، وتالياً بقبول دور كبير لها في منطقتهم على حساب ادوارها، هي التي كانت تعتقد نفسها عظمى اقليمياً على الاقل. لكنها لا بد ان تكون مؤذية لها في حال تمسكها بسياساتها الحالية الفعلية وليس المعلنة رسمياً. علماً ان الاخيرة لا تختلف عن الاولى إلا في عدد من التفاصيل.
هذا الكلام، تلفت الاوساط الديبلوماسية العربية والغربية اياها، سمعه مسؤولون في طهران، بعضهم كبير، وسمعوا معه ايضاً ان تشدد دولتهم او نظامهم أضر بمصالحها وسيضاعف هذا الضرر مستقبلاً. فـ'الشيعية' التي مارست بها ايران سياستها في العالم الاسلامي، وخصوصاً العربي منه، حققت امرين سلبيين. الاول، إحياء الخلاف المزمن الذي لا حل له بين سنّة العرب وهم الغالبية الكبرى وشيعتهم، وبين سنّة العالم الاسلامي كله وهم الغالبية الساحقة وشيعته، وتالياً تعريض المنطقة العربية تحديداً لخطر الفتنة المذهبية، والإفساح في المجال أمام تحوّلها ساحة معادية لايران يستعملها كل اعدائها في العالم للنيل منها. وكان في امكانها التخلي عن استقطاب الشيعة كلهم او عن استقطاب قسم كبير منهم و'منع' المعتدلين منهم من التحرك الفاعل. وكان في امكانها دخول العالم العربي من بابه الواسع، اي القضية الفلسطينية، وايضاً من بابه الديموغرافي الواسع بدوره، اي السنّة، لو تعاملت معه بواقعية وبعيداً من الفوقية والرغبة في اخضاعه او السيطرة عليه. وهذا العالم يعد تقريباً زهاء 358 مليون انسان غالبيتهم من المسلمين السنّة. اما الامر السلبي الثاني الذي حققته ايران بسياستها العربية والاسلامية فهو الافساح في المجال امام تركيا الدولة المسلمة السنّية، رغم علمانيتها الرسمية المتأكلة، للعودة الى العالم العربي السنّي في معظمه وبترحيب منه، بعدما خرج منه العثمانيون بترحيب من غالبيته بعد حرب عسكرية خسرها هؤلاء امام الغرب. وتركيا هذه، ورغم مشكلاتها مع الاكراد، دولة غنية وقوية ومتطورة في استمرار. وهي قد تحولت نحو العرب والمسلمين وقضاياهم من دون التخلي عمّا اكتسبته من الغرب الاوروبي والاميركي ومن اسرائيل وبموافقتهم. فضلاً عن انها عضو في حلف شمال الاطلسي. ومن الطبيعي ألا تشعر ايران بالسعادة لهذا المنافس. علماً ان براغماتية وواقعية بعض قادتها والممسكين بالسلطة فيها تدفعهم الى الاعتقاد، بالعقل وليس بالعاطفة، ان شراكة بلادهم مع تركيا امر ممكن وخصوصاً اذا سلكت الاوضاع المتأزمة بينها وبين العالم بزعامة اميركا طريق الحوار وربما التفاهم.
هل من خطوات يمكن ان تساعد ايران على تحسين اوضاعها في العالم العربي في حال اتخذتها؟
الخطوات كثيرة في رأي الاوساط الديبلوماسية العربية والاجنبية اياها. منها مبادرة ايران الى تخفيف الاحتقان السني، علماً ان الانصاف يقتضي الاعتراف بأن الاحتقان الاسلامي السنّي والشيعي تُسأل عنه دولة الشيعة ايران، اذا جاز التعبير على هذا النحو، ودول السنّة وفي مقدمها دول الخليج. ومنها ايضاً مبادرتها الى الانفتاح على الدول العربية وفي مقدمها الدولة الأكبر دوراً (في السابق) وشعبياً الآن وغداً وبعد غد، مصر، وتسهيل تطبيع العلاقة او المصالحة بين الفلسطينيين ('حماس' و'فتح')، وتفاهمها وسوريا على وضع في لبنان يمهد لعودة دولة العيش المشترك فيه ويبعد عنه استفحال الصراع المذهبي ويجنبه تالياً الحرب الاهلية والحرب الاقليمية.
هل تتخذ ايران الاسلامية خطوات كهذه؟
متابعو ايران هذه وأوضاعها لا يرجحون ذلك الآن، ويعتقدون انها (اي الخطوات) قد تلي حواراً فتسوية مع اميركا ولا تسبقه، ربما لاقتناعها بأن سياسات دول المنطقة اميركية، وبأن واشنطن لن تسهّل تطبيع علاقات ايران بهذه الدول طالما بقيت خلافاتها والمجتمع الدولي معها من دون حل. وربما لاقتناعها ايضاً إما بأن العرب وغالبيتهم من السنّة لن يعتبروها لاعباً كبيراً مهما جرى، وإما أن مصلحتها تقتضي تفاهماً مع اميركا يشملهم او بالأحرى يجعلهم 'اجراماً' يدورون في فلكها وافلاك دول اقليمية كبرى اخرى. أما في المستقبل، فإن الشيء وعكسه ممكنان، لذلك لا بد من الانتظار.