قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 3/12/2010

- 'النهار'
ما هي التسوية الممكنة بين المحكمة والسلاح؟.. حكومة لا تضم الطرفين وترحيل الخلاف الى... 'الحوار'
بقلم توفيق هندي (سياسي لبناني):

لا شك في أن  الحراك الدولي الإقليمي المكثف في المنطقة يتمحور حول الساحة اللبنانية حيث تحولت الأخيرة إلى الساحة الرئيسية للصراع بحكم قرب صدور القرار الظني.
لا شك أيضاً في أنه لا مجال لإلغاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ولا للتحكم بتاريخ إصدار القرار الظني.
ولا طائل لتوصيف المحكمة بالمسيسة لضرب صدقيتها كون الجريمة (والجرائم الملازمة لها) سياسية بإمتياز وكون القرار بإنشائها دولي سياسي بإمتياز.
ففي واقع حالها، المحكمة أداة لكشف حقائق يمكن إستخدامها سياسياً وحتى إستراتيجياً للبعض ضد البعض الآخر، دون أن يعني هذا الأمر بالضرورة أن خلاصات التحقيقات مفبركة أو أن الأحكام التي سوف تصدرها المحكمة معدة سلفاً. فلا يصح الحكم سلفاً على المحكمة وقرارها الظني وسير المحاكمات قبل حصولها.
في إطار هذا التوصيف الواقعي لواقع الحال، ثمة مشروعان  يتصارعان في لبنان: مشروع لبناني - إقليمي ذو أبعاد أممية ومشروع لبناني يسانده المجتمع الدولي وغالبية الدول العربية.
يقود المشروع الأول 'حزب الله' في لبنان وإيران في المنطقة، عنوانه محاربة الإستكبار العالمي المتجسد بالعدو الاميركي - الصهيوني، هدفه الإستراتيجي المرحلي المباشر المعلن إخراج أميركا من المنطقة وتدمير الكيان الصهيوني، وغير المعلن إحداث تغييرات في العالمين العربي والإسلامي تستلم بموجبها قوى إسلامية راديكالية السلطة في بلدان هذين العالمين، وهدفه النهائي نشر الإسلام في المعمورة وسيادة شريعته الإلهية.
يستند هذا المشروع على قيادة إيران للتحالف الإستراتيجي الرباعي (إيران، سوريا، 'حزب الله'، 'حماس') وهو مرشح للتوسع في إتجاه العراق ولبنان كله، وفلسطين كلها، وتركيا، وغيرها (أفغانستان...).
أما وسيلته، فهي القوة العقائدية إلى جانب القوة الإستراتيجية والعسكرية بالدرجة الأولى: الحصول على السلاح النووي لتحصين المركز (إيران) والمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين أولاً على أن تتوسع إلى بلدان أخرى بأشكال أخرى في مراحل لاحقة.
أما بالنسبة للبنان، فمن الطبيعي أن يعتبر 'حزب الله' لبنان قاعدة إنطلاق لمشروعه الجهادي هذا، وأن يحوله إلى رأس رمح له، وهو بذلك يتخطى الصراع العربي-الإسرائيلي وموقع لبنان في هذا الصراع، واضعاً اللبنانيين كلهم وبرغم إرادة غالبيتهم، أمام أمر واقع خطير يستجلب الحروب المدمرة عليهم. ولتحقيق هذه الغاية في المرحلة الراهنة، أفضل ما يمكن أن يحققه هو المحافظة على دولة لبنانية 'جامعة' (من خلال حكومة المساكنة الحالية) تكون هي بخدمة 'المقاومة' وليس العكس.
أما المشروع الآخر، فهو قائم على اعطاء الأولوية للشأن اللبناني على ما عداه من شؤون عربية أو إقليمية أو دولية، دون التنكر بالتأكيد لعروبته ولقضايا العرب المحقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ينطلق هذا المشروع من إحترام ثلاث مسلمات: اتفاق الطائف والدستور والقرارت الدولية ذات الصلة بلبنان. ويتمحور حول تحقيق ثلاثة أهداف:
&bascii117ll; إستعادة الحرية بكل أبعادها: حرية القرار الوطني، الإستقلال والسيادة، الحريات العامة والخاصة، الديموقراطية، حقوق الإنسان....
&bascii117ll; الحفاظ على الكيان اللبناني القائم على أساس العيش المشترك المبني على المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين.
&bascii117ll; إقامة الدولة القوية الجامعة والتي لا شريك لها خارج أطرها المؤسسية.
إنطلاقاً من هذا العرض المقتضب، وأنطلاقاً من منطق رياضي موضوعي، ثمة أربع حالات محتملة بعد صدور القرار الظني: إثنتان منها قصويان واثنتان تسوويتان.
الحالتان القصويان هما:
&bascii117ll; أن يفرض بالقوة أو الإكراه موقف لبناني جامع يرفض القرار الظني والمحكمة ويؤكد على سلاح 'حزب الله'. في هذه الحال، تكون قوى المشروع الثاني قد إستسلمت لقوى المشروع الأول حتى لو بقي سعد الحريري رئيساً للحكومة بحكم الحاجة لترؤسه الحكومة لتظهير صورة الدولة 'الجامعة'.   
&bascii117ll; أن لا يرفض القرار الظني ولا المحكمة وان يتم تسليم سلاح 'حزب الله' إلى الدولة. في هذه الحال، تكون قوى المشروع الثاني قد حسمت الوضع نهائياً لمصلحتها.
إذا كان واضحاً للجميع أن الحالة الثانية مستحيلة التحقق نظراً الى موازين القوى، فإن 'حزب الله' وحلفاءه المحليين والإقليميين لا يزالون يعملون على تحقيق الحالة الأولى، مستندين بذلك على قراءة خاطئة لموازين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، مبالغين في النظر إلى عوامل الضعف التي يرون أنها تنتاب أعداءهم. والحقيقة، أن الحالة الأولى كما الحالة الثانية، لا تسمح موازين القوى بحدوثها وإن أي محاولة لتخطي حدود هذه الموازين قد تشعل النار ليس فقط في لبنان، إنما في المنطقة بأسرها. لذا، لا أتوقع حدوث هاتين الحالتين.
أما الحالتان التسوويتان فهما:
&bascii117ll; أن يتم التخلي عن المحكمة مقابل التخلي عن السلاح.
&bascii117ll; أن لا يتم التخلي عن المحكمة مقابل عدم التخلي عن السلاح.
الحالة الأولى، وإن كانت تحقق المصلحة اللبنانية، فهي مستبعدة كلياً لأن حزب الله يرفض رفضاً باتاً الإنفضاض عن صفته المقاومة لكونها مرتبطة عضوياً بمشروعه ورؤيته الإستراتيجية. أما بالنسبة لقوى المشروع الثاني ولاسيما بالنسبة لسعد الحريري، فقد يكون مقبولاً التخلي عن المحاكمة مقابل تحقيق المصلحة اللبنانية العليا، لأن إستشهاد رفيق الحريري في هذه الحال لن يذهب سدى.
وهكذا، يتبين أن الحالة الثانية هي الحالة التسووية الممكنة في المرحلة الراهنة. إن أي رفض لهذه المعادلة يدخل لبنان في حالة الخطر الداهم، فيتحول إلى ساحة حرب جزءاً من حرب إقليمية تكون مصلحة أحد الطرفين المبادرة إليها، أو تسود الساحة اللبنانية حالة من عدم الإستقرار السياسي والأمني توصل إلى تسلم 'حزب الله' سلطة الدولة اللبنانية من خلال حلفائه، فيتحول لبنان إلى دولة خارجة عن القانون في نظر المجتمع الدولي مع ما يستتبع هذا التوصيف من محاصرة للبنان وعقوبات ... إلى آخره من سيناريوات قصووية لا تخدم أي طرف في لبنان ولاسيما 'حزب الله'. لذلك، مستبعد جداً أن يقحم 'حزب الله' نفسه في أوضاع خطيرة لا مصلحة له بالدفع في إتجاهها، علماً أن لا أحد في لبنان 'مجنون' إلى حد أن يسعى إلى إعتقال المتهمين لتسليمهم للمحكمة لكي يقال أن الأيدي سوف 'تقطع'.
الأهم من ذلك أن مرحلة ما قبل القرار الظني مختلفة عن مرحلة ما بعد القرار الظني. لذلك، ليس من المنطق ولا من المصلحة أن تستمر حكومة المساكنة المستحيلة. فقد برهنت أنها عقيمة في مرحلة ما قبل القرار الظني، فكيف بعده؟!
المطلوب إذن الفصل بين وظيفة الدولة الإدارية والاقتصادية والإجتماعية والمؤسسية لتسيير أمور الناس ووظيفتها في إدارة الأمور الإستراتيجية والسيادية والسياسية. فبدلاً من أن يكون طرفا الصراع داخل الحكومة، يذهبان سوياً إلى خارجها وتتشكل حكومة تكنوقراط تسلم فيها الحقائب السيادية إلى مستقلين ينتقيهم رئيس الجمهورية ويكون رئيسها على صورته وترحّل المواضيع الخلافية الكبيرة إلى هيئة الحوار التي يترأسها.
هكذا يكون الحل صنع في لبنان ولا يحتاج إلى رعاية خارجية بل إلى عدم خربطة خارجية ويحقق التسوية المعقولة والممكنة إلى حين... 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد