قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 15/112010

- 'السفير'
الجبهــات المكشـوفــة والفــرص الضائعــة
يوسف الأشقر:

الجبهات المكشوفة، عندنا في لبنان، هي جميع الجبهات الحربية المفتوحة علينا، ما عدا الجبهة العسكرية التي تسددها المقاومة وإلى جانبها الجيش اللبناني.
والفرص الضائعة هي غيابنا عن هذه الجبهات بحيث تركنا العدوّ يتقدم عليها، محلياً وعربياً ودولياً، حتى بتنا الآن في مأزق سياسي وأمني كبير. ولو أننا تلقفنا تلك الفرص في الوقت الصحيح، وتعاملنا معها بما تستحقه من وعي ومسؤولية، لكان عدونا الآن يتخبط في المأزق الذي وضعته فيه المقاومة منذ عام 2000، لا سيما بعد حرب تموز.
الجبهة الإعلامية - السياسية هي أهمّ هذه الجبهات المكشوفة. وهي، هنا، ذات بُعد خاص بالنسبة إلينا وذات دور حاسم في تقرير مصير هذه الحرب، نظراً لعقيدة المشروع الحربي الهاجم علينا، وللمكانــة العالية لهذه الجبهة فيه، وللخطط المنهجية الملتبسة التي يعتمدها العدوّ لتسويق مقولاته الحربيــة وتحقيق أهدافه.
لقد كانت لي معانــاة شخصية في هذا الموضوع بالذات مع الأطــراف المعنية به بشكل مباشر وقوي، وهي أطراف لبنانيــة وعربية واقفة على خط النار، ونار العدوّ تستهدفها بالأولية. هذا فضــلاً عن أطراف حــزبية وسياسية ذات تاريخ نضالي في هذا الشأن، تأبى الآن أن تستعيد بعض دورها وإسهامها الفعّال في تسديد هذه الجبهات المكشوفة والخطيرة.
لم أجد عند هذه الأطراف جميعها، من دون أي استثناء، إلا المماطلــة والتلكؤ، مع أنّ الوقائع كانت صارخة والمشروع الحــربي العدوّ متقدماً بخطى سريعة وهو يتكشف يوماً بعد يوم عن وجوه جديدة يفاجئنــا بها محلـياً وعربياً ودولياً.
إنني أقصد بهذا المقال أن أوجه رسالة مفتوحة إلى هذه الأطراف نفسها، علّ هذا يخرجنا من الحلقة المفرغة التي وصلت إليها أحاديثنا في الغرف المغلقة، علماً أنّ تلك الأحاديث يمكن وضعها تحت أربعة عناوين رئيسية أعتمدها في هذا المقال - الرسالة.
1- العقيدة الحربية العدوة ومكانة الجبهات غير العسكرية فيها؛
2- كيف تعامل العدو مع هذه الجبهات؛
3- كيف تعاملنا نحن معها؛
4- الوضع الراهن: موضوع المحكمة.
1ـ العقيدة الحربية العدوة ومكانة الجبهات غير العسكرية فيها
عقيدة الحرب علينا هي حرب على المجتمعات. هي إسرائيلية المولد، أميركية النشأة. بعد انتصار إسرائيل على الدول العربية عام 1967، قررت عقيدة حربها الجديدة. التقت عليها مع المحافظين الجدد في أميركا. صارت عقيدة النظام العالمي الجديد بدءاً من عندنا، في فلسطين، والعراق، ولبنان.
في ظل العقيدة الجديدة، تتعدد الجبهات الحربية غير العسكرية وترتفع مكانتها، ويفوق تدميرها تدميــر الإحتـلالات التقليدية والجيوش.
2ـ كيف تعامل العدو مع هذه الجبهات
قام في كل من البنتاغون وإسرائيل مكتب خاص بالجبهات غير العسكرية، هو كناية عن غرفة عمليات مركزية أوسع وأشدّ تعقيداً من غرفة العمليات العسكرية المركزية. ثم تتبع لها غرف عمليات قارية ومناطقية وداخلية في كل بلد، تتصل يومياً بآلاف المنابر والعملاء في العالم، من عناصر مخابرات، وسياسيين، وإعلاميين، وأكاديميين، وغيرهم من فعاليات الدول والمجتمعات.
يدير هذه الغرف علماء إجتماع ونفس وإقتصاد وسياسة..الخ، أي علماء يختصون بحياة المجتمعات بكل مرافق حياتها، إلى جانب خبراء أمنيين يتولون عمليات أمنية من اغتيالات وتفجيرات وغيرها التي يترتب منها تحولات سياسية وأمنية في المجتمعات.
وقد ركــزت هذه العملــيات على تدمير صورتنا قبل تدميــرنا مادياً. تدمير صورتنا في عين العالم، وتدميــر صورة بعضنا في عين بعضنا الآخر من دون تدخــل الجيــوش طبعاً. تدمير صورتنا بالكلــمة، والسيــناريو المبــرمَج، بتوليد القناعات المضللة، وتجييش المشاعر، وتغليب الغرائز، وافتعال الأحداث التحريضية، وارتكاب المــجازر والإغتــيالات. وقد كان للبنان الحــصة الكــبرى من هذا النشاط الميمون، بعد فلسطين والعراق، في السنوات
العـشر الأخــيرة. وأخالــها الآن منصــرفة إلــى موضــوع المحكـمة والشــهود الزور عندنا.
3ـ كيف تعاملنا نحن معها
أحصر كلامي هنا بوضع لبنان الذي يواجه الآن أزمة سياسية وأمنية كبرى.
نحن لم نفهم عقيدة هذه الحرب. لذلك لم نستطع أن نقرأ الأحداث والتطورات في ضوئها. لم نفهم أنّ حــرب لبنــان الطويلــة كانت المختبر الأول لهذه العقيــدة الحــربية في المنطقة. وعندما انتهت الحرب في الشــكل، لم نفهم أنها استمرت في الواقع بصيغ مختلفة حتى الساعة.
الإسراع إلى شرعنة الطائفية والمذهبــية في التسعينيات. إغراق لبنان بالديون الكبيرة هو موضوع سياسي أولاً. ثقافة الفساد والإفساد هي مشروع سياسي أيضاً قبل
أن تكون مجــرد سقــوط أخلاقي. ثم جاء القرار 1559 تمهيداً لاغتــيال الرئيس الحريري.
ثم جاء الإغتـيال تمهــيداً لحــرب تموز. ثم جاء التحقيق، والشــهود الزور، والمظالم، والروايات التحريــضية. ثم جاءت المحكــمة الآن.
استفــقنا مؤخراً، ومتأخــرين جداً، على قضية الشهود الزور. لكــن قبل الشــهود الزور كان ثمة تحقــيق تُبــنى عليه محكــمة زور. وقبل التحقــيق كان ثمة اغتيال. وقبل الاغتيــال كان ثمـة قــرار 1559 كما كان ثمة مئات الملايين من الــدولارات تــوزَّع بشكل مدروس على كرنفال الندّابــين بعد الإغتــيال. هذا كله يحدث، ويتفاعل، ويتصــاعد، ويــدمّر، على الجبهة السياسية والإعلامــية والمخابــراتية حصراً. أي أنّ هذه الجبهة هي مسرح عمليات حربية يمكنها أن تكون أشد خطراً وأقلّ كلفة مادية ومعنوية من العمليات العسكرية.
لو أننا فهمنا عقيدة هذه الحرب وطبيعة عملياتها، لكنــا أدركــنا مبكرين أهمية الجبهات المفتوحة علينا، ولما كنا تركناها مكشوفة حتى الآن. كان علينا أن ننشئ غرف عمليات
دفاعية على هذه الجبهات، لا تقلّ كلفة وعناية عن غرف العمليات العسكرية. ولكانت غرف العمليات هذه قد أتاحت لنا أن نرصد العدو ومشاريعه وتحركاته فنواجهها في الوقت المناسب أو نستبقها. لكننا لم نفعل ذلك ولا نفعله الآن.
4ـ الوضع الراهن: موضوع المحكمة
هــذه المحكــمة هي، أساســاً، مشــروع حربي بامتـياز. اكتــشفنا طبيــعة هذا المشروع مؤخراً، مشــفوعاً بموضــوع شهــود الزور. ولا شك في أن هذين الموضوعــين حظيا بقسط كبــير من دفاعاتنا. وقد ارتقت هذه الدفاعات إلى مســتوى رفيع في الجانب الحقوقي، كما أن الحملات الإعلامية والحركة السياسيـة أوفتــه حقــه على المستوى السياسي - الإعلامي. ما أتاح الكشف عن الوجه الجرمي والفضيحي في آن واحد. وبات يمكن، قياساً إلى هذيــن الموضــوعين، إعادة قــراءة ما جاء قبلهما وما صاحبهـما من مظالــم وفضائح.
كان يمكن أن يــكون سقــف دفاعاتنا هذه كافياً لو أنّ المحكمة كانت شيئاً من الماضي. إلا أنها تتكئ على جرائم الماضي، من الاغتيال والتحقيق إلى التدمير الذي ألحقته بحياتنا، لتقدّم مشروعاً بصيغة المستقبل. وهي تستمد شرعيتها الحقوقية من مجلــس الأمن، وشرعيتها السياسية من الرأي العــام العــالمي الذي يــؤيد العدالة في مهمة المحــكمة، المهنــية، ولا يعرف إلا القلــيل عن إرثــها الأخــلاقي غير المهني المتحدّر إليهــا من مستنقــع التحقيق الآسن.
وقد حرصت هذه المحكمة على إظهار بياض صفحتها، فدعت إلى مهرجان إعلامي وعلاقات عامة ذهب إليه عدد من إعلاميينا. ثم عادوا أدراجهم، وتابعت المحكمة سيرها. هذا مشهد يمثل بوضوح غيابنا الإعلامي والسياسي عن هذه الجبهة الحربية أو حضورنا الهزيل فيها، لولا ما سدده اللواء جميل السيد منفرداً على هذه الجبهة.
لكنّ ثمة مشهداً آخر كان يمكن أن يكون لو أننا أقمنا غرفة عملــيات إعلامية - سياسية من مهمتها أن تنزع قناع العــدالة المهنية وتكشف عن وجه المستنقع الآسن. ثم كان يمكنها أن تحمل ملف السجل الأسود لهذه المحكمة إلى الإعلاميين العرب والأجانب الذين حضروا مهرجانها التسويقي.
كان يمكن أن تجمع وتلخص الدراســات التي قام بها الرئيس عدنان عضوم والدكــتور داود خير الله ومحامو اللواء السيد، والتدقيــقات القيّمــة التي قام بها الأستاذ عمر نشابه وغيــرهم وغــيرهم، فيتكوّن ملف كامل عن السجل الأسود، بدءاً مــن لاقانونية المحكمة، دولياً، ولادستوريتــها، لبنــانياً، وانتهاءً بفضائح التحقيق ورجــالاته، وبالمظالم والجرائم التي ارتكبت بحــق الأفراد وبحق بلدنا.
في عود إلى بدء أقول إننا غبنا في الماضي عن الجبهات الحربية المفتوحة علينا، ولا نزال مصرّين على هذا الغياب وعلى مضاعفة الفرص الضائعة.  


- 'الأخبار'
&laqascii117o;المستقبل" في الفخ
خالد صاغية:

انجرّ تيّار &laqascii117o;المستقبل" إلى لعبة &laqascii117o;مكافحة الفساد". فبعد فتح ملفّات عدّة له من العيار الدسم، وعلى رأسها أرقام الموازنات، شنّ &laqascii117o;المستقبل" حملة مضادّة هي أقرب إلى المادّة الفكاهيّة. وكان &laqascii117o;المستقبل" قد بدأ دفاعه عن المرحلة السابقة عبر استدعاء &laqascii117o;قدسيّة" رفيق الحريري و&laqascii117o;طوباويّة" فؤاد السنيورة، لكنّه اكتشف، على ما يبدو، أنّ هذا التكتيك لم يعُد يُجدي ما دام تمثال الرئيس المغدور في عين المريسة لم يرشح زيتاً بعد، فانتقل إلى تكتيك آخر يعمد إلى مواجهة الخصم بسلاحه نفسه. فعمد إلى التفتيش عن ملفّ من هنا، ورشوة من هناك. مشكلة هذا التكتيك الأخير أنّه لا يلغي اتّهام &laqascii117o;المستقبل" برعاية الفساد وممارسته. فإذا كانت المعارضة السابقة متواطئة أو فاسدة هي الأخرى، فهذا لا يعفي &laqascii117o;المستقبل" من مسؤوليّته. لكنّ المشكلة الأكبر هي أنّ &laqascii117o;المستقبل" يتناسى أنّ جزءاً كبيراً من المعارضة كان بعيداً من السلطة، سواءٌ طوعاً أو قسراً، فيما كان &laqascii117o;المستقبل" لا يمتلك سلطة اتخاذ القرارات العاديّة وحسب، بل يقوم أيضاً بإعادة هيكلة شاملة للاقتصاد ولفضاء العاصمة كذلك. كان يمكن &laqascii117o;المستقبل" أن يستغلّ نقاط ضعف المعارضة السابقة. فهي، لسبب مجهول، لا تركّز على طبيعة السياسات الماليّة والضريبيّة التي أعادت توزيع الثروة لمصلحة حيتان المال في عمليّة نهب منظّم وقانونيّ، وتكتفي بفتح ملفّات فساد وهدر وسوء استخدام للنفوذ. وإزاء ذلك، كان يمكن &laqascii117o;المستقبل" التحدّث عن الفساد الذي لا بدّ منه لتحقيق الإنجازات في ظلّ إدارة مهترئة وبيروقراطيّة بليدة. إنّه الفساد المنتج أو المفيد. لكنّ الغريب أنّ هذه النظريّة بالذات هي التي تثير حنق &laqascii117o;المستقبل" أكثر من غيرها. وما زال الجميع يذكر مؤتمر الجامعة الأنطونيّة عن الرئاسة الثالثة، يوم استشهدت إحدى الأكاديميّات في الجامعة بورقة بحثيّة عن الفساد المفيد الذي اتّبعه رفيق الحريري في لبنان، فما كان من رئيس الحكومة إلا أن سحب رعايته للمؤتمر، وانسحبت شخصيات &laqascii117o;المستقبل" منه، ولم يتورّع وزير الإعلام عن تأنيب الأستاذة الجامعيّة على ما اعتبره &laqascii117o;إثارةً". لقد باتت الصورة التي جرى ترويجها عن رفيق الحريري ثقيلة على &laqascii117o;المستقبل" نفسه. لكن، ما العمل ما دامت الجماهير مصرّة على تنظيم الاحتفالات &laqascii117o;العفويّة" بعيد ميلاده؟.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد