- 'الشرق'
علّ 'السيد' يسمعنا...
ميرفت سيوفي:
يُقال لنا منذ أيام أن خطاب أمين عام حزب الله سيكون 'حاسماً' بل 'مفصلياً'، 'شو عليه'، فلنكشف كل الأوراق ونرتاح وكفى تلاعباً ولفاً ودوراناً في حلقة مفرغة لا هدف لها سوى منع العدالة، وحماية القتلة، ومنع قيام المحكمة بواجباتها، شبع اللبنانيون لفاً ودوراناً طوال السنوات الخمس الماضية، حان وقت انكشاف الوجوه كلها، فلا خبز الاتهام بالخيانة ولا 'خوازيق' العمالة، ولا أرغفة الحديث عن 'شماعة' تاريخية إسمها مؤامرة إسرائيلية، تسمن أو تُغني من جوع، ولا أحد يستطيع أن يدخل عقل وضمير المواطن اللبناني ليحول بينه وبين من باتت الشكوك تلفه كشرنقة لكثرة ما حاول منع التحقيق ومنع المحكمة ومنع المحاكمة!!
ندرك جيداً أن حزب الله لا يسمع إلا صوته، بل ولا يريد أن يسمع سوى صوته، ويريد خنق كل الأصوات المغايرة لرأيه وصمته، ولكن ليتمهل قليلاً فلبنان ليس إيران أبداً، والقمع لا ينفع مع الشعب اللبناني ولا التهديد بالسلاح ولا بالقوة ولا بالتكبر، ولا يستطيع أن يفرض على اللبنانيين أن يعتقدوا 'طُهرانية' حزب 'الله' ورجاله، وأنهم معصومون كأنبياء الله عن الزلل والخطأ والخطايا!!
في خطاب للسيد حسن ألقاه يوم الأحد 25/7/2010 في قاعة شاهد: قال لنا: 'أنا أطرح أسئلة لا أطلب عليها أجوبة، أنا أعرف أجوبتها، أنا أقوم بطرح الأسئلة فقط لأدفع الناس إلى أن يتساءلوا، وعندما أطلب شيئاً لا أطلبه ليتحقق وإنما لإقامة الحجة؟ هل تريدون وضوحاً أكثر من هذا؟'... نحن أيضاً بعد كلامه اليوم سيكون عندنا الكثير من الأسئلة التي نطرحها عليه، ونريد إجاباتها واضحة.... وفي ذلك الخطاب، استشهد السيد حسن بـ: 'دولة الرئيس سليم الحص الذي نحترمه جميعاً'، لذا نودّ أن نخاطبه بكلام دولة الرئيس سليم الحص، بكلمات من كتابه: 'عهد الهوى والقرار'، بتأكيد جاء في وريقات حملت عنوان: 'ورقة من الماضي: القتل الأعمى... قال الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}... لن تكون لأمة قائمة مادام المذنب فيها لا يُحاسب على ذنبه'... وبقدر ما نترقب اليوم كلام أمين عام حزب الله، بقدر ما يثق اللبنانيون أنهم أقلعوا عن الخوف منذ زمن بعيد، وأن الزمن الذي يبكون فيه شهداءهم من دون محاسبة القتلة ولّى، وأن دماء من يقسم الحزب بالثأر لدمائهم ليست أغلى ولا أعز من دماء شهداء لبنان الذين لا نطلب بدمائهم ثأراً من أحد بل إحقاق الحق ومعرفة الحقيقة وإقامة العدل، مادام السيد يحدّثنا دائماً عن 'الدولة العادلة'!!
ـ 'المستقبل'
'حزب الله'.. من المطالبة بالتوافق إلى الإصرار على التصويت
فادي شامية:
حيثما تكون المصلحة يكون الموقف! يوم الأحد الماضي أعلن نائب الأمين العام لـ 'حزب الله' الشيخ نعيم قاسم الموقف الآتي: 'يقولون (أي فريق 14 آذار) لا نقبل إلا بالتوافق حول هذا الموضوع (ما يسمى بشهود الزور) معكم، وأقول لا لن نتوافق، إلا على (الإحالة على) المجلس العدلي، وشرفوا على التصويت'.
موقف قاسم هذا، ـ أي الإصرار على التصويت في حال عدم التوافق ـ منطقي وطبيعي لأن المنطق والدستور يقولان إن كل أمر لا يمكن التوافق حوله؛ يتم اللجوء الى التصويت في بتّه، لكن ما هو غير منطقي وغير طبيعي أن يصدر هذا الموقف عن 'حزب الله' بالذات، بعدما ملأ الدنيا تنظيراً عن 'الديموقراطية التوافقية'، و'الأكثرية الميثاقية'، و'الثلث المعطل'...!.
غرابة موقف الشيخ قاسم تظهر بشكل أوضح، عند استعراض جملة من مواقف حزبه السابقة، حول ضرورة التوافق، سبيلاً وحيداً لأخذ القرار في القضايا المهمة.
فقبيل الانتخابات النيابية الأخيرة أعلن الرئيس سعد الحريري رغبته في تشكيل حكومة من الأكثرية، بغض النظر عمن يفوز، فرفض 'حزب الله'، وأعلن أن 'لبنان محكوم بالتوافق'، وأن 'من حق الفريق الخاسر في الانتخابات أن يكون له الثلث الضامن في الحكومة'، وأن 'حزب الله' سوف يمنح ـ في حال ربح الانتخابات ـ الفريق الآخر 'الثلث الضامن'، وهو يطالب '14 آذار' بفعل الشيء نفسه في حال الفوز، وقد استند 'حزب الله' في هذا الطرح إلى الفقرة (ي) من مقدمة الدستور، معتبراً أنه لا يمكن لأي حكومة أن تتجاهل رأي أيٍ من المكونات الوطنية والطائفية، تحت طائلة اعتبار القرار الذي تصدره الحكومة، أو حتى الحكومة نفسها، 'فاقدة للميثاقية والدستورية والشرعية'.
وزيادة في تأكيد هذا الموقف؛ رد عضو شورى 'حزب الله' الشيخ محمد يزبك، في 14/02/2009، على الذين يهددون بعدم المشاركة في الحكم، إذا فازت 'المعارضة' (أي حزب الله وحلفاؤه) في الانتخابات النيابية المقبلة، معتبراً أن 'لبنان لا يحكم إلا على أساس التوافق والمشاركة'.
غداة فوز فريق 14 آذار في الانتخابات النيابية؛ مد الرئيس سعد الحريري اليد إلى الفريق الآخر، موافقاً على تشكيل 'حكومة وحدة وطنية'، متحفظاً أولاً عن 'الثلث المعطل'، ثم موافقاً على صيغة مموهة لهذا الثلث. وضع الحريري ذلك التنازل تحت عنوان أن 'التوافق هو الأصلح للبلد في هذه المرحلة'.
أخذ فريق 8 آذار الثلث الحكومي بالجملة، طالباً من الحريري إرضاء تشكيلات '8 آذار' بالمفرق، ولما لم يستطع الحريري إرضاء العماد ميشال عون، اعتذر عن تشكيل الحكومة، وبعد الاستشارات الملزمة، أعيد تكليفه، بالتزامن مع صدور تصريحات 'من حوله' تشير إلى إمكانية التراجع عن صيغة 15+10+5 المتفق عليها، لمصلحة تشكيلة أخرى، فكان رد الرئيس نبيه بري بعدم تسمية الحريري في المرة الثانية، بناءً على هذا 'الجو'، وتحت عنوان أنه 'لا يجوز لفريق الاستئثار بالقرار'!.
في هذه الأثناء صدرت 'اجتهادات دستورية' برز فيها النائب نواف الموسوي، الذي اعتبر أن 'حكومات ما بعد الطائف كلها حكومات وحدة وطنية'، وأن مفهوم حكومة الوحدة الوطنية لا يعني 'التمثيل العادل للطوائف' كما ينص الدستور فحسب، وإنما مراعاة رأي 'الأكثرية التمثيلية لدى كل طائفة'، وضرورة 'التوافق' المسبق على القرارات المهمة ـ ولو لم ينص الدستور على احتياجها إلى نصاب الثلثين ـ من خارج ميزان الأكثرية والأقلية في مجلس الوزراء...!.
نتيجة لهذه الاجتهادات الجديدة، رفع البطريرك نصر الله صفير صوته، معتبراً أن 'على الأكثرية النيابية أن تستلم الحكم، بعدما فازت في الانتخابات، وأن الأكثرية والأقلية لا ينبغي أن تجتمعا في حكومة واحدة'. وعلى الأثر تصدى 'حزب الله' لهذا الموقف، وتولى السيد حسن نصر الله الرد شخصياً في 16/6/2009 قائلاً: 'نحن نؤمن بخصوصية لبنان وتعدديته وتنوعه، ونؤمن بأن لا طائفة أو حزباً قادراً على حكم لبنان مهما بلغ شأنه، فلبنان لا يحكم إلا بتوافق جميع أبنائه وطوائفه'!.
في 29/10/2009 أصدر 'حزب الله' وثيقته السياسية، ومما جاء فيها: 'الديموقراطية التوافقية تشكّل صيغةً سياسيةً ملائمةً لمشاركة حقيقية من الجميع، وعامل ثقة مطَمْئِن لمكونات الوطن، وهي تُسهم بشكل كبير في فتح الأبواب للدخول في مرحلة بناء الدولة المطمئنة التي يشعر كل مواطنيها بأنها قائمة من أجلهم'. وقد علّق السيد حسن نصر الله في المؤتمر الصحافي الذي عقده لإطلاق الوثيقة بالقول: 'طالما أنّ النظام السياسي يقوم على أسس طائفية، فإنّ الديموقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك'.
وكان النائب علي عمار سبق وثيقة حزبه بخمسة أيام (24/10/2009) معلناً تمسك حزبه بـ 'الديموقراطية التوافقية'، لأن 'لبنان لا يحكم إلا بالتوافق، وفق الدستور اللبناني، ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف، ولأن ديموقراطيتنا هي ديموقراطية توافقية، وإن أي فريق، وأي مجموعة في لبنان، تنحو نحو الاستفراد والهيمنة والاستئثار، لن تستطيع أن تحكم البلد، كما أنها ستسقط البلد في مشروع الفتنة من جديد'!.
أما زميله النائب نواف الموسوي فعلّق في 5/1/2010 على الصيغة التوافقية الواردة في وثيقة 'حزب الله' بالقول: 'إن الديموقراطية التوافقية تعني الديموقراطية غير العددية'، مشيراً في هذا السياق إلى بيان مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك، الصادر عن اجتماع دير سيدة البير في أيار 1993، والذي قال 'إن الديموقراطية في لبنان فريدة، لأنها ديموقراطية الجماعات لا العدد'.
بعد هذه المواقف كلها، وفي لحظة يشعر فيها 'حزب الله' بأنه قادر على إحراج وزراء رئيس الجمهورية، ووزراء 'اللقاء الديموقراطي'، لنيله الأكثرية عند التصويت، انقلب الحزب المذكور على كل مواقفه، وقال: 'شرّفوا على التصويت'!. أين؟ في الحكومة التي تواضع رئيسها وقال لهم: ادخلوا إليها بالحجم الذي ترغبون فيه، إذا كان التوافق في الحكومة يطمئنكم!.
عندما قال الرئيس فؤاد السنيورة ما يشبه هذا الكلام مرة (التصويت)، اتهموه بالاستئثار بالسلطة، أما اليوم فصار التصويت مطلباً لـ 'حزب الله'... وكأن لسان حال الحزب يقول: حيثما تكون المصلحة يكون الموقف!.
ـ 'الشرق الأوسط'
حزب الله.. لا هو أول المقاومة ولا بداية التحرير!
صالح القلاب:
إما أن الذاكرة تخونهم أو أنهم يتقصدون التعتيم على حقائق التاريخ.. فالذين يصرون على أن حزب الله هو الوحيد الذي أخرج الإسرائيليين من أرض عربية يحتلونها، يتعمدون إسدال ستار سميك على ما جرى خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 البطولية فعلا، وقبل ذلك بخمس سنوات على ما جرى في معركة الكرامة التي كانت أول مواجهة عسكرية مع القوات الإسرائيلية، بعد حرب يونيو (حزيران) عام 1967 التي كانت نتائجها نكبة لا يزال العرب يعانون انعكاساتها، على الرغم من مرور أكثر من أربعين سنة. ولا يمكن إنكار أن حزب الله، الذي ورث مقاومة يسارية وقومية لبنانية ثم احتكرها لنفسه ولطائفة في حد ذاتها بقوة السلاح، قد حقق إنجازا وطنيا وقوميا مميزا بإجبار الإسرائيليين على الانسحاب من الجنوب اللبناني في عام 2000 بعد احتلال متواصل دام 18 عاما، لكن وفي الوقت ذاته، لا يجوز إنكار أن عربا آخرين قد قاتلوا بشجاعة، وأنهم حققوا إنجازات وطنية وقومية رائعة وحقيقية، وأجبروا الإسرائيليين على الانسحاب من أراض عربية بقوة السلاح.
في عام 1968 كان ظلام هزيمة يونيو لا يزال يخيم على الوطن العربي كله من أقصاه إلى أقصاه، وكان طعم الانكسار لا يزال في الأفواه، وكانت الجيوش لا تزال لم تستعد ثقتها بنفسها بعد تلك الهزيمة النكراء، حيث إنه بالإضافة إلى استكمال احتلال فلسطين كلها من البحر إلى النهر، كما يقال، وضمن هذا قطاع غزة الذي كان تحت سيطرة الإدارة العسكرية المصرية، احتل الإسرائيليون سيناء كلها حتى قناة السويس وهضبة الجولان من بحيرة طبرية وحتى مشارف دمشق، بالإضافة إلى قمة جبل الشيخ الاستراتيجية المهمة وسفوحه الغربية.
في أبريل (نيسان) 1968، تحركت القطاعات العسكرية الإسرائيلية في محاولة لاستثمار الانتصار الذي حققته إسرائيل في هذه الحرب، أي حرب يونيو عام 1967، واستثمار الهزيمة النكراء التي لحقت بالعرب كلهم الذين قاتلوا والذين لم يقاتلوا، وعبرت نهر الأردن من الغرب إلى الشرق في منطقة الشونة الجنوبية الأردنية بحجة القضاء على نواة المقاومة الفلسطينية التي كانت تتمركز في بلدة الكرامة، التي غدا اسمها ذائع الصيت بعد ذلك، مع أن هذه القطاعات في حقيقة الأمر كانت تستهدف سلسلة التلال الواقعة إلى الغرب من مدينة السلط التي لا تبعد عن عمان إلا بنحو 25 كيلومترا والمطلة، أي هذه التلال، على غور الأردن في المنطقة الاستراتيجية التي تحاذي مدينة أريحا من الجهة الشرقية، التي لا تبعد عن مدينة القدس إلا بنحو 30 كيلومترا فقط.
كان الإسرائيليون، الذين يعيشون ذروة نشوتهم بالانتصارات التي حققوها في يونيو 1967، يعتقدون أن رحلتهم العسكرية ستكون سهلة وبلا أي منغصات، وكان هدفهم سحق نواة المقاومة، واحتلال تلال السلط الغربية، المطلة على غور الأردن، التي غدت تعتبر قلعة الدفاع الأمامية عن العاصمة الأردنية عمان، للضغط على الأردن بالقوة العسكرية المباشرة وإجباره على توقيع اتفاقية إذعان يعترف فيها لإسرائيل باحتلالها الضفة الغربية التي كانت، وعلى الرغم من الاحتلال، لا تزال تعتبر جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.
لكن ثبت أن حسابات الإسرائيليين لم تكن دقيقة وكانت مفاجأتهم أن الجيش الأردني كان على علم مسبق بنياتهم وأنه بدأ هجوما مضادا كان قد استعد له بمجرد عبور قطاعات الجيش الإسرائيلي نهر الأردن من الغرب إلى الشرق.
وبشهادة الوثائق الإسرائيلية وبما جاء في مذكرات بعض كبار جنرالات إسرائيل فإن معارك ذلك اليوم التي تواصلت منذ الفجر المتقدم وحتى غروب الشمس كانت أقسى ما خاضه جيشهم من معارك، منذ تأسيسه وحتى تلك اللحظة، وأن ما أذهلهم هو أن القوات الأردنية المسلحة أثبتت أنها استعادت ثقتها بنفسها في أقل مما كان متوقعا من الزمن، وأنها قاتلت بحرفية عالية وببسالة منقطعة النظير ونادرة.
كانت القوات الإسرائيلية قد خططت لبقاء طويل في التلال التي تطل على غور الأردن من الجهة الشرقية، وكان الهدف الرئيسي يستند إلى أن إسرائيل كانت تعتقد أنها قادرة، من خلال مواصلة الضغط على عنق العاصمة الأردنية عمان، على إلزام الأردنيين بتوقيع اتفاقية إذعان معها، لكن هذا لم يحصل، فالجيش الأردني، بمساهمة لا تنكر من قبل نواة المقاومة الفلسطينية، قاتل ببسالة وأجبر القوات الغازية على الانسحاب في هيئة هزيمة موجعة، وكان ذلك أول انسحاب إسرائيلي من أراض عربية محتلة بعد الانسحاب من قناة السويس في عام 1959، الذي جاء في إطار العدوان الثلاثي الشهير على مصر.
بعد ذلك جاءت حرب أكتوبر عام 1973، المجيدة فعلا، كأخطر وأهم صدام عسكري عربي - إسرائيلي على مدى تاريخ هذا الصراع، فالمقاتلون سواء على جبهة قناة السويس الغربية أو على جبهة هضبة الجولان السورية الشرقية، قد حققوا إنجازات عظيمة، وأثبتوا أن هزيمة يونيو كانت لحظة مريضة وعابرة، وأنه وإن كانت تلك الهزيمة بمثابة &laqascii117o;كبوة" طارئة فإن انتصارات أكتوبر قد جاءت بمثابة نهوض مؤكد، وحقيقة أن اجتياح خط بارليف وقهره والتوغل السريع في عمق سيناء قد أثبتا أن المقاتلين العرب قادرون على استعادة أمجاد الأجداد الذين قهروا أهم إمبراطوريتين في ذلك التاريخ المبكر، الذين وصلت طلائع فتوحاتهم إلى بواتييه (بلاط الشهداء) على بعد مرمى حجر من باريس.
لقد كانت حرب أكتوبر ملحمة بطولات حقيقية، ولقد جاء الانسحاب الإسرائيلي من سيناء والجولان - وإن كان بعد مفاوضات شاقة - بمثابة نصر مؤزر للعرب، فالحرب كما هو معروف هي التي تحدد الأطر السياسية اللاحقة التي توصل إلى حل القضايا التي تسببت في هذه الحرب، بعضها أو كلها. فالسياسة، كما قال المحلل العسكري الشهير كلاوزو فيتش، هي استمرار للحرب ولكن بوسيلة أخرى، وهذا ما حصل فعلا، حيث كانت المفاوضات المصرية - الإسرائيلية حربا حقيقية ولكن بالوسائل السياسية، وقد تواصلت إلى أن استعادت مصر كل ذرة من أرضها المحتلة حتى بما في ذلك فندق طابا الذي استغرقت مفاوضات استعادته سنوات طويلة. ولذلك فإنه تجن على حقائق التاريخ وتنكر لدماء الشهداء عند القول إن مقاومة حزب الله حققت أول إجبار للإسرائيليين وبقوة السلاح على الانسحاب من أرض عربية محتلة، وذلك مع التقدير والاحترام لكل التضحيات التي قدمها هذا الحزب، ولكل ما قامت به مقاومته لتحرير الجنوب اللبناني وإنهاء احتلال إسرائيل له.
وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الذين حققوا إنجازات الكرامة وسيناء والجولان لم يرتدوا نحو داخل بلدانهم ليصيغوا معادلات سياسية وفقا لمقاساتهم، كما يفعل حسن نصر الله في لبنان باسم المقاومة، التي من المفترض ألا تكون من المهد إلى اللحد، على غرار مجالس قيادات الثورة في أنظمة الانقلابات العسكرية العربية، يحاول الآن حتى بعد أكثر من عشرة أعوام من رحيل الإسرائيليين فرض نفسه وحزبه وامتداداته الإقليمية على المعادلة السياسية اللبنانية التي تعتبر كما هو معروف معادلة طائفية لا يجوز مسها أو الاقتراب منها.