- 'النهار'
خليل فليحان:
ساركوزي يلتقي سليمان وبري وانشغال مصري أوروبي بالوضع في لبنان
يتزايد الحديث عن قلق دولي يتصاعد حيال القرار الاتهامي للمدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وفي معلومات رئيس اوروبي بارز انه سيصدر خلال كانون الاول المقبل. وتوقع مصدر اوروبي ان تعقد قمة فرنسية – لبنانية في مونترو على هامش انعقاد القمة الفرنكوفونية الثالثة عشرة ستركز على الوضع السياسي غير المستقر في لبنان والحالة التعبوية التي نشأت بعد زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد التي اثارت انتقادات اميركية وفرنسية واوروبية وتنديدا من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. اضافة الى الخلاف الشديد بين فريق الثامن من آذار والرابع عشر منه حول القرار الاتهامي ومسألة 'الشهود الزور'. وذكر المصدر ان الرئيس الفرنسي سيبحث مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في 26 تشرين الاول الجاري في باريس في سبل ايجاد حل للوضع السياسي المتأزم في لبنان. وتجدر الاشارة الى ان بري سيقابل ساركوزي في قصر الاليزيه خلال زيارته الرسمية لفرنسا والتي تستمر يومين. ولفت الى ان المشاورات السعودية – المصرية لم تنقطع للحؤول دون التدهور السياسي في لبنان، بعد الاعلان عن القرار الاتهامي الذي يؤكد 'حزب الله'، ووفقا للمعلومات المتوافرة لديه، ان ذلك القرار سيتهمه بأنه متورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وافاد ان التحرك المصري حول ما يمكن ان يشهده لبنان خلال الاسابيع المقبلة توسع ليشمل خمس دول اوروبية للبحث في ما يمكن القيام به من مجهود لتعطيل ما تراه مصر 'تنامي عناصر عدم الاستقرار وتأزم الموقف بشأن القرار الاتهامي'، وركزت المناقشات في اللقاء المصري – الاوروبي على مستوى وزراء الخارجية وفي حضور المفوضة الاوروبية للشؤون الخارجية كاترين اشتون على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان. ورأى ان المهمة ليست سهلة لكن يجب بذل اقصى المساعي لانجاحها. ونبه الى خطورة التدخل في الشؤون اللبنانية سواء أكان أوروبيا ام عربيا وتحديدا مصريا وسعوديا لمحاولة ضبط اية انعكاسات سلبية يمكن ان تنتج بسبب القرار الاتهامي المتوقع لان ذلك سيقابل بقوى عربية واجنبية اخرى مما سيؤدي الى مزيد من العرقلة وتاليا الفشل والمساس بالاستقرار السياسي والامني. وشدد على اهمية وعي القيادات اللبنانية المتخاصمة ان اي خلل سيصيب بلادهم واعمالهم، لان المؤامرة التي تحاك لـ'عرقنة' لبنان اي لتحويل الخلافات السياسية الى فتن مذهبية لا يمكن التكهن بنتائجها. ودعا القيادات السياسية الى تجنب ان يدفع لبنان ثمنا لتسويات اقليمية تطبخ في الخارج دون نسيان اسرائيل التي ترصد كل تحرك وتتحين الفرص لشن عدوان جديد. ويتسابق المسؤولون فيها من حكوميين وعسكريين لتوجيه التهديدات بضربة قاسية لا تشمل فقط اهدافا للحزب بل ايضا المؤسسات الرسمية والبنى التحتية والمرافق الحيوية بذريعة ان الدولة بمؤسساتها تحمي الحزب ومقاتليه. وشدد على اهمية ادراك الساعين الى نسف القرار الاتهامي قبل صدوره ان المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار لن يتأخر في نشر ذلك القرار فور جهوزه وانه من الصعب جدا عدم اتقاء لبنان في اي قرار يصدر عن المنظمة الدولية او ما يمكن ان يتفرع عنها. واعرب عن اسفه للخلافات الخطيرة التي يجتازها لبنان في الوقت الحاضر حيث ان مفاعيل التفاهم السوري – السعودي تراجع الى ادنى مستوياته وتحول في معلومات بعض العارفين الى 'تفاهم اسمي'. وحذر من وقوع البلاد في مواجهات غير مسؤولة سياسية او امنية.
- 'النهار'
سليم نصار:
لبنان: من حلف بغداد إلى تحالف طهران ! انتهت الزيارة الرسمية التي قام بها للبنان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد
ومع ان الدولة اللبنانية عدلت برنامجه السابق بهدف توسيع رقعة الاحتفالات... الا ان الاستقبالات الشعبية التي نظمها له 'حزب الله' تجاوزت كل توقعات مظاهر الترحيب.
في خطابه السابق دعا السيد حسن نصرالله، الشعب اللبناني الى تقدير دور ايران - السياسي والمادي - في دعم حركة الصمود ضد العدو الاسرائيلي. وطالب الجمهور باستقبال يليق برئيس جمهورية الثورة الاسلامية الذي جعل القضية الفلسطينية في رأس اهتماماته الاقليمية والدولية.
وكشف أمين عام 'حزب الله' في خطابه ايضاً عن بعض جوانب الدعم، فقال: 'في الثمانينات والتسعينات عندما كانت اسرائيل تهدم البيوت، ولا تستطيع الدولة اللبنانية ان تعوض على المتضررين، قدمت ايران مبالغ طائلة وضخمة، منذ ذلك التاريخ وصولاً الى حرب تموز'.
صحيفة 'نيويورك تايمز' نشرت في منتصف شهر نيسان 2006 جزءاً من التقرير الذي قدمه البنتاعون الى لجنة الدفاع في الكونغرس. ويدّعي التقرير ان ايران دفعت مبالغ طائلة تقدير بمئتي مليون دولاراً، وعززت ترسانة 'حزب الله' بصواريخ متطورة كثمن لتحقيق طموحاتها الاقليمية. وهذا ما أعلنه الرئيس نجاد الذي وصف انتصار 'حزب الله' في حرب تموز، بأنه أوصل حدود ايران الى حدود اسرائيل. وهذا هو المعنى الرمزي من وراء زيارة بنت جبيل التي هدمها القصف الاسرائيلي، ودخل اسمها في المصطلحات العسكرية كـ'ستالينغراد لبنانية' و'عاصمة المقاومة'. خصوصاً انها لا تبعد أكثر من مسافة ستة كيلومترات - بخط مستقيم - عن الناقورة.
وفي ضوء ما وفّره انتصار 'حزب الله' لايران من حضور على ارض الجنوب اللبناني، اصبحت طهران عنصراً مؤثراً في حل قضية الشرق الاوسط. تماماً، مثلما تحولت عاملاً مؤثراً في مستقبل العراق ايضاً. ويستدل من تشكيل الوفد التجاري المرافق للرئيس نجاد، ان العلاقات الايرانية - اللبنانية لم تتغير منذ قرن تقريباً، أي منذ تعيين عباس حسامي أول قنصل لطهران في بيروت عام 1912.
عام 1927، أي بعد اعلان لبنان الكبير، رفعت طهران مستوى القنصلية الى قنصلية عامة، واختارت عباس فرهور لهذا المركز الذي شغله حتى عام 1933.
بعد اعتراف ايران باستقلال لبنان وسوريا، رفعت درجة التمثيل الديبلوماسي الى درجة سفارة، وعينت لهذا المنصب رحمت الله أتابكي الذي شغله حتى عام 1958. وفي ايامه زار الشاه محمد رضا بهلوي لبنان تلبية لدعوة صديقه الرئيس كميل شمعون، الذي زار طهران عام 1956.
وعلى الرغم من بناء علاقات وثيقة بين الشاه وشمعون، فإن العلاقات الديبلوماسية بين بلديهما، تعرضت لانتكاسات متواصلة، أدت في بعض الاحيان الى المقاطعة.
القطيعة الاولى حدثت عام 1965 اثر تصريح أدلى به وزير الاعلام الكويتي في مطار بيروت، اعتبرته طهران مسيئاً لها.
والقطيعة الثانية حدثت بسبب امتناع الحكومة اللبنانية عن تسليم الجنرال تيمور بختيار، رئيس منظمة 'السافاك'، الذي لجأ الى لبنان. وقد استقطبت معركة استرداده عناصر غير سياسية كالبطريرك المعوشي الذي طالب بعدم تسليم بختيار خوفاً من اعدامه. كذلك نجح محاميه شاكر أبو سليمان، رئيس الرابطة المارونية، في خلق تيار سياسي معارض للترحيل.
واستمرت القطيعة الديبلوماسية حتى عام 1971، أي عندما قام الرئيس كميل شمعون بزيارة شاه ايران، بناء على طلب من الرئيس سليمان فرنجيه. ونجح شمعون في ترميم العلاقات المتردية، واتفق مع الشاه على استئنافها بواسطة السفير خليل الخليل وسفير ايران لدى لبنان ركن الدين اشتياني. واللافت ان التقارير التي ارسلها الخليل الى الخارجية كانت تشير صراحة الى احتمال نجاح المعارضة في هدم نظام الشاه، حتى قبل عودة آية الله الخميني من فرنسا الى ايران. عقب اعلان انتهاء نظام الشاه محمد رضا بهلوي (16 كانون الاول 1979) دخل نفوذ جمهورية الخميني الى لبنان عبر شخصين: الإمام موسى الصدر والرئيس حافظ الاسد.
وفي الخطاب الذي ألقاه السيد حسن نصرالله مساء الاربعاء الماضي في جمهور الضاحية اشاد بالإمام المغيب، مؤسس حركة المحرومين، والمشجع الاول على اسقاط نظام الشاه.
أما موقف الرئيس حافظ الاسد، فقد خضع لحسابات مختلفة تتعلق بمستقبل نظامه داخل القوى الاقليمية. ذلك انه رأى في قيام جمهورية ايران الجديدة، نهاية نظام متعاون مع اسرائيل. كما رأى في دعم ايران للحق العربي بديلاً من مصر التي اخرجتها معاهدة كمب ديفيد من الصف العربي. وكان واضحاً من عملية تسليم مقر السفارة الاسرائيلية في طهران الى منظمة التحرير الفلسطينية، ان الخميني اختار معاداة اسرائيل.
ولمّا اندلعت الحرب العراقية - الايرانية، اكتشف الاسد ايضاً ان وقوفه الى جانب ايران، يساعده على اضعاف أخطر خصومه الحزبيين، أي صدام حسين. ومع دخول القوات السورية الى لبنان عام 1976، دخل نفوذ الثورة الايرانية الى منطقة الجنوب، مستقوياً بخطب الإمام موسى الصدر ونشاطاته السياسية الواسعة.
قبل زيارة الرئيس نجاد الى لبنان، كتب المعلق مناحيم بن في صحيفة 'معاريف' مقالة تحت عنوان: حان الوقت لاغتيال الرئيس نجاد اثناء زيارته لبنت جبيل، خصوصا بعدما أظهرت استطلاعات الرأي ان ثلث الاسرائيليين سيهاجرون في حال حققت ايران قدرات نووية. ويدعي مناحين بن ان ادارة اوباما مع مئة سيناتور في مجلس الشيوخ، يؤيدون هذا القرار بعد الخطاب الاستفزازي الذي القاه نجاد في الامم المتحدة، متهما ادارة بوش بالتخطيط لعملية نسف برجي التجارة العالمية في نيويورك.
وذكرت صحيفة 'هآرتس' ان اسرائيل مررت رسائل عدة الى الدولة اللبنانية بواسطة واشنطن وباريس وامين عام الامم المتحدة بان كي مون، تطالب فيها بالغاء زيارة الرئيس الايراني الى جنوب لبنان. واعرب المسؤولون اللبنانيون عن استهجانهم لمثل هذا الطلب كونه يتنافى وحق السيادة الوطنية.
وترى واشنطن ان هذه 'السيادة' معرّضة للاختراق والزوال اذا ما نجحت ايران في السيطرة على الوضع اللبناني عبر حلفائها مثل 'حزب الله' و'امل' و'تكتل التغيير والاصلاح' و'المردة'. كما ترى في خطاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تحولا عن الثوابت التي اعلنها في جلسة القسم. ولم تخف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تخوفها من ان تؤدي زيارة نجاد الى تأجيج التوتر الداخلي، ومن تحويل الجنوب اللبناني 'قاعدة ايرانية' عند ابواب الدولة العبرية!
كذلك انتقدت القيود التجارية التي ستشل الاقتصاد اللبناني عبر 16 اتفاقية تجارية. واستهجن وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل منطق الوزيرة الاميركية، لأنها ترفض مساعدة لبنان... ولا تسمح لدول صديقة بمساعدته.
وكان بهذا الكلام يشير الى رفض البنك الدولي تقديم تسهيلات مالية من اجل دعم الكهرباء والماء بينما قدمت ايران لوزارة الطاقة تسهيلات مالية بمبلغ 450 مليون دولار.
ومن المؤكد ان الاتفاقيات التجارية لا تقلق الولايات المتحدة بقدر ما يقلقها دور ايران العسكري والاستراتيجي. فهي تملك ترسانة حربية ضخمة مزودة بالصواريخ والبوارج والغواصات. وهي دائما مستعدة لدعم حلفائها بالسلاح والأعتدة مثل 'حزب الله' و'الجهاد الاسلامي' و'حماس'.
ويستدل من المعايير السياسية التي حددها السيد حسن نصرالله في خطابه امام الرئيس نجاد، ان ايران واصدقاءها نسفوا مشروع التسوية السلمية وأقفلوا الطريق امام فكرة 'الدولتين لشعبين' واعادوا عقارب الوقت الى سنة 1967 والى احياء لاءات الخرطوم، كما اعلنها جمال عبد الناصر. ومثل هذا الخيار الصعب سيؤدي حتما الى نشوب حرب في المنطقة.
في ختام زيارته لدمشق، قال احمدي نجاد 'ان سوريا وايران حققتا انتصارات كبيرة لأنهما أفشلتا مخططات الاعداء لتغيير الخريطة السياسية في المنطقة'. وقال ايضا 'ان دول المنطقة تنضم واحدة تلو الاخرى الى هذا الخط الذي تسير في مقدمته سوريا وايران'.
ولكن، من اي دول يتألف هذا الخط؟ في 'مهرجان الضاحية' اختصر الرئيس نجاد هذا الخط السياسي بالقول: 'ان جبهة مقاومة الشعوب في فلسطين ولبنان وسوريا وتركيا والعراق وايران قد تألفت بالفعل'!
وبما ان هذه الجبهة تتألف من شعوب وطوائف مختلفة، فان حصرها بالقوى الشيعية في ايران والعراق وجنوب لبنان، يبقى مخالفا للواقع. وهو عندما ذكر فلسطين كان يعني 'حماس' و'الجهاد الاسلامي' وليس فلسطين محمود عباس. فهل يسري هذا التصنيف على لبنان، بحيث تكون الدولة مشمولة ايضا وليس 'حزب الله' و'امل' فقط؟!
كلام الرئيس نجاد اعاد الى ذاكرة بعض اللبنانيين مخاطر انحياز الرئيس كميل شمعون الى 'حلف بغداد' الذي تألف سنة 1957 من العراق وتركيا وباكستان وايران. وتصدى له على الطرف الآخر، صائب سلام وعبدالله اليافي ورشيد كرامي وحسين العويني بدعم من عبد الناصر.
وكان من نتيجة ذلك الصدام الاقليمي ان اندلعت حرب 1958 على الساحة اللبنانية.
فهل يكرر التاريخ نفسه في لبنان؟
- 'السفيز'
زهير اندراوس:
مَنْ تغيّر: إسرائيل، المقاومة، أمْ الاثنتان معًا؟
في حزيران (يونيو) من العام 1981 قام سلاح الجو الإسرائيلي بعملية قرصنة تمّ خلالها تدمير المفاعل النووي العراقي، ومع انتهاء العملية، التي تتناقض مع أبسط قواعد القوانين الدولية، تبجح أركان تل أبيب وأعلنوا بشكل رسمي تحمل المسؤولية، وبعد سنة واحدة فقط، أيْ في العام 1982، قام جيش الاحتلال باجتياح لبنان، واحتل لأوّل مرّة عاصمة عربيّة، بيروت، وتمكنت الدولة العبرية من فرض شروطها، وفي مقدمتها إبعاد الشهيد ياسر عرفات، وقواته إلى تونس.
اليوم، حوالى ثلاثة عقود على القضيتين المذكورتين، اللـتين يمكن اعتــبارهما من أسوأ الهزائم العربيّة بعد نكسة العام 1967، نلاحظ أنّ إسرائيل، خلافًا للماضي، باتت تتكلم كثيرًا وتفــعل قليلاً: همـا حدثان آخران وقعا مؤخرًا، حــدثان لم تُسلط عليهما الأضواء كما يجب من قبل الإعلام، الأول في الجنوب، عنـدما أدّت مواجهة بين الجيشين الإسرائــيلي واللبناني إلى مقتل ضابط من جيش الاحتلال، تل أبيب المعربدة بامتياز والمارقة بتفوق، ردّت على المواجهة مع الجيش اللبناني بصورة مغايرة: فقد توجهت بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضدّ لبنان، أيْ أنّها لجأت إلى الشرعية الدولية، وهي الدولة التي لم تُنفذ حتى الآن، أكثر من ستين قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن. الحدث الثاني وقع في الجنوب، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة الصواريخ والقذائف باتجاه جنوب إسرائيل، سلاح الجو ردّ بقتل العديد من أبناء شعبنا في القطاع، لكن اللافت، أنّ مندوبة إسرائيل في الأمم المتحدة، البروفيسور غابريئيلا شاليف، توجهت إلى مجلس الأمن بشكوى ضدّ حماس، زاعمةً أنّها أطلقت القنابل الفوسفورية، المحرمّة دوليًا.
نسوق هذه المقدمة على وقع الدراسة الأميركية التي نُشرت في الأيام القليلة الماضية، والتي زعم معدّها، جيفري وايت، رئيس وكالة المــخابرات المركزية السابق، أنّ المواجهة القادمة بين إسرائـيل وحزب الله ستؤدي إلى تغيير المنطقة برمتها، ويتوقع الباحــث أنْ يقوم حزب الــله بإطلاق حوالى 600 صاروخ يوميًا باتجاه العمق الإسرائيلي، مشددًا على أنّ هذه الصواريخ متطورة للغايــة وبإمكـانها إصابة أيّ هدف داخل الدولة العبرية، بما في ذلك، المفاعل النووي في ديمونا. السيناريو، الذي يطرحه وايت في صلب دراسته، مفزع ومذهل ومخيف، ونأمل أنْ لا تندلع هذه المواجهة، وأنْ لا تتحـول التقديرات إلى حقائق، فالمواجهة القادمة، ستكون باعتقادنا المتواضــع، آخـر حرب في المنطقة، وأول حرب لتدمير الشـرق الأوسط كليًا، إذا أخذنا بعين الاعـتبار أيضًا أنّ الطــرفين باشـرا بالإعــداد لها فـورًا بعد أنْ وضــعت حرب لبنـان الثانية أوزارها في آب (أغســطس) من العام 2006.
بناءً على ما تقدّم، يُطرح السؤال المفصلي: هل تمكن حزب الله من تحقــيق توازن القوى مع الدولة العبرية؟ وتوازن القوى يعني في جوهره الحالة التي تعــمل فيها دولة أو مجموعة دول أو حتى تنظيم مسلح على إقامة نوع من التوازن مع الخصم، يفترض فيه أن يحول دون الحرب، لأن التعادل من شأنه أن يبعد إمــكان انتصار أحد الفريقين على الآخر، فيجعل صنّاع القرار يفكرّون ملّياً قبل التورّط في حرب تكون الخسارة فيها أكثر من الغنــيمة. لا نريد في هذه العجالة إرهاق أنفسنا في تحليل التعريف العلمي لتوازن القوى، الذي ينبثق عنه ميزان الرعب، بل نريد التوقف عند عددٍ من المحطات في محاولةٍ لرصد التحولات الاستراتيجية والتكتيكية في العلاقة المتبادلة بين الدولة العبرية حزب الله:
أولاً: في العام 2005، قال قائد اللواء الشمالي في الجيش الإسرائيلي آنــذاك، أودي آدم، إنّه إذا لم تقم إسرائيل بعملية عسكرية فإنّ السيد حسن نصر الله سيتحول إلى حاكم لبنان الفعلي، ولم تمر سنة، إلا وبدأ العدوان على لبنان، الذي انتهى بعدم انتصار إسرائيل وبعدم خسارة حزب الله.
ثانيًا: إسرائيل تُعوّل اليوم على الخلافات الداخلية اللبنانية، لا بل تعمل على تأجيجها، بدعم من أميركا وأوروبا، لدفع حزب الله باتجاه الحسم العـسكري للسيطرة على مقاليد الحـكم في بلاد الأرز، وفي حال تحقيق هذا المخطط فإنّ الباب سيكون مفتوحًا على مصراعيه، أمام الدولة العبرية وواشنطن ومعسكر الانبطاح العربيّ لشرعنة ضرب الدولة اللبنانية، التي ستتحول، عمليًا، بحسب هذا المنطق المشوه، إلى دولة حزب الله، أو كما تُنعت من قبل الامبريالية ووكلائها العرب، بجزيرة لإيران &laqascii117o;المتطرفة".
ثالثًا: قائد اللواء الشمالي، الجنرال غادي أيزنكوط، كان قد صرح بأنّ إسرائيل ستلجأ في المواجهة القادمة مع حزب الله، إلى سياسة إحراق الأخضر واليابس، كما فعلت في الضاحية الجنوبية في بيروت خلال العدوان على لبنان، بكلـمات أخرى، أيزنكوط رفع سقف التهديدات بشكلٍ كبيرٍ، لكن في المقابل، يجب أنْ نأخذ على محمل من الجد تصريحات الأمين العام لحزب الله الذي قال إنّ حرب لبنان الثانية ستكون نزهةً بالنسبة لإسرائيل مقارنة مع المواجهة القادمة، مضافًا إلى ذلك، علينا توخي الحيطة والحذر من هذه التصريحات، لأنّ الطرفين يخوضان حربًا نفسيًة على جميع الجبهات.
رابعًا: نشرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية (23 أيلول الماضي) خبرًا جاء فيه أنّ أميركا فتحت قنـاة دبلوماســية سريّة مع إيران بهدف حل المشاكل العالقة بينهما، وفي مقدمتها المشـروع النــووي، وبمعزل عن دقة الخبر أو عدمها، نقول إنّ ما يُسمى بالتهديد النووي بدأ قبل أكثر من سبع سنوات، وإيران تتقدّم باتجاه القنبلة، وإسرائيل تتكلم، وتهدد بين الفــينة والأخرى باللجوء إلى الخيار العسكري، وأميركا ترغي وتزبد وتُعلن أنّها لن تسمح لحليفتها الاستراتيجية بالقــيام بهذا العمل، ولكن مع ذلك، عندما دمرّت الدولة العبرية مفاعل تموز العراقي، علينا أنْ نتذكر، أبلغت حكومة تل أبيب الإدارة الأميركية بعد التنفيذ، كما أنّ إسرائيل لا يمكنها أنْ تتعــايش مع سلاحٍ نــووي تملكه دولة إسلامية مـثل إيران، لأنّه بالنسبة لأركانها وصول طــهران إلى النووي، يُشكّل تهديدًا استراتيــجيًا ليس من الناحية العسكرية فقط، بل والأهم من ذلك، أنّه سيدفع بنسبةٍ كبيرةٍ من الإسرائيليين إلى الهرب من &laqascii117o;أرض الحليب واللبن والعسل"، ويكفــينا في هــذه العجالة التذكير بأنّه خلال العدوان على لبنان في العام 2006، ولأول مرّة، فرّ أكثر من مليون إسرائيلي من شمال الدولة العبرية باتجاه المركز والجنوب بفعل صواريخ حزب الله.
ونُنهي بالقول: في العام 1982 احتلت إسرائيل بيروت بدون مقاومة تُذكر من الناحية العسكرية، لكن في العام 2006 لم يتمكن أقوى جيش في الشرق الأوسط من احتلال قرية عيتا الشعب، التي تبعد عن الحدود أقل من ألف مترٍ، وهذه الحـقيقة كانت باعترافٍ رسمي من قبل قادة جيش الاحتلال، فمن تغيّر يا ترى: الجيش الإسرائيلي، المقاومة اللبنانية، أم الاثنان معًا؟
- 'السفير'
هاديا الخالد:
ماذا نقول لتلامذتنا إذا اتهمت المقاومة؟
عندما وقف تلامذتنا في يوم القدس ينشدون أناشيد العروبة والمقاومة والنصر، وعندما صدح أحمد قعبور بأغنية &laqascii117o;حق العودة" مع تلامذتنا ظننت ان رام الله أصبحت في مرمى البصر، وعندما وقفوا في اصطفافهم الصباحي يقرأون &laqascii117o;سورة الفتح"، اعتبرت انني، في السنوات الخمس الماضية، قد أنجزت إنجازاً تربوياً لا مثيل له على الساحة الطائفية اللبنانية.
وعندما استطعت ان آخذهم بعيداً عن النزاعات السياسية والطائفية الداخلية، لأقول لهم ان القضية الفلسطينية هي قضيتنا وان دولة إسرائيل هي عدونا الأوحد، وليس لنا عدو داخلي إلا من تعامل او يتعامل مع إسرائيل، اعتقدت حينها انني نجحت في تجنيب تلامذة مدرستي الدخول في ترهات النزاعات الداخلية بخلق قضية أكبر يتجهون نحوها بعلمهم وعملهم، فأصبحت المقاومة ضد إسرائيل هي ما يعنيهم... وحين بدأ تلامذتنا يستوعبون ثقافة المقاومة، وان المقاومة ليست حكراً على طائفة، واقتنعوا بأن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأكبر في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بدأت اصابع الاتهام تتجه نحو من قاوم إسرائيل على مدى العقدين الماضيين. وتزامن ذلك مع اعلان السفير الاميركي السابق جفري فيلتمان أن الولايات المتحدة لن توفر غالياً او ثمينا في تشويه صورة من يقاوم إسرائيل. وعلى مرمى الاتهامات والقرارات الظنية والملفات الآخذة بالترامي في جميع أنحاء الوطن، وشهود الزور، ومذكرات التوقيف حيث أصبح كل لبناني خبيراً في القانون والقضاء، بدأ ما بنيناه يتهدم امام أعيننا.
فبعد العودة الى السجالات السياسية التي تسقط من تسقط، وتلعن، وتشتم من تشتم، وقفت في باحة المدرسة التي ظننت في يوم من الأيام انني نجحت من خلال التربية والتعليم في زرع ثقافة المقاومة في تلامذتها، وقفت انظر الى شبان وشابات ينتزع منهم الحلم والقضية وتتلون ألسنتهم بكل الألوان، وأفكارهم تتدحرج الى هاوية الطائفية، وقلوبهم تنبض نبضاً ضعيفاً لا يرجو إلا الأمان والاستقرار الذي اصبح من أساسيات الحياة. وبدأت التساؤلات تنهال عليّ من كل حدب وصوب: كيف يمكن لمن يقاوم إسرائيل ان يقتل من يقاوم إسرائيل؟ كيف يمكن لمن يرفع لواء الإسلام ان يقتل من يرفع لواء الإسلام؟
انني لست هنا بصدد الدفاع عن حزب او ايديولوجيا (قد اتفق او اختلف معها)، لكنني بصدد الدفاع عن حقي المهني في تربية جيل من الشباب الواعي، الغيور على مصالحه الوطنية، المتمسك بعروبته التي لن تبنى إلا من خلال مقاومة إسرائيل.
فهل يمكن لهذا الوطن ان يسلب مني هذا الحق؟
ولنسلم ان &laqascii117o;العدالة" يجب ان تأخذ مجراها، ولنسلم جدلاً ان &laqascii117o;للمحكمة الدولية مصداقيتها" وانها ليست مسيسة، فهل المطلوب منا أيضا ان نسلم بأن المقاومة لا مصداقية لها، وان مصداقية إسرائيل ومصلحتها هما فوق كل اعتبار؟
هل يريدوننا ان نجرد أنفسنا وتلامذتنا من ثقافة المقاومة لنسلم في نهاية المطاف &laqascii117o;يقيناً" ان كل من قاوم إسرائيل هو متهم ومشبوه؟ انه من نكد الدهر علينا ان يصبح المقاوم متهماً ويعتلي العميل المنابر لينضح بالخطب الوطنية الرنانة.
فماذا تريدوننا ان نقول لتلامذتنا؟ فبعد ان هتف تلامذتنا &laqascii117o;بدنا الثار من لحود ومن بشار" تبين ان الثأر لم يصب الهدف الصحيح وقد مات من مات وظلم ومن ظلم لأننا اخطأنا في من نريد الثأر منهم.
وها هي مجريات الأحداث اليوم توجه أصابع الاتهام الى المقاومة، فهل تريدوننا ان نطلب من أبنائنا ان يثأروا من المقاومة؟ ولصالح من؟ إن التشويه الذي سيقوم به هذا الاتهام في عقول أبنائنا ليس تشويها لصورة &laqascii117o;حزب الله"، بل هو تشويه للفكر المقاوم في عقولهم، انه تشويه لثقافة المقاومة. فهل هذا ما نريده؟
هل نريد لأبنائنا ان يتبرأوا من المقاومة الفكرية والعلمية والثقافية كما المقاومة المسلحة؟ إن الهدف من اتهام &laqascii117o;حزب الله" بما يمثله اليوم من مقاومة لإسرائيل على الساحة السياسية هو قتل لثقافة المقاومة أكثر من كونه تشويهاً لصورة &laqascii117o;حزب الله" وحده. انه تشويه لكل من قاوم اجتياحي 1978 و1982 وعدوان 1996 وحرب 2006. إنه الإمعان في تشويه صورة القومية والعروبة التي لم تسلم في تاريخنا المعاصر من هذا الغبن.
انه تشويه لنصر 1982 و2000 و2006 وتخل عن حق في مزارع شبعا والغجر.
إن فيه تشويهاً للأقصى والقيامة فهل نريد ان نمعن في هذا كله؟
إن كل ما يمر به تلامذتنا اليوم هو خير دليل على ان مفهوم المواطنة قد استبيح وان فصول كتب التربية الوطنية التي تفاخرنا بإعادة صياغتها، قد ذهبت هباء منثورا. فلم تبن كتب التربية الوطنية الجديدة مواطناً، ولم ترب مقاوماً ولم تحمل شبابنا قضية وحلماً يعيشون من أجله. فهل أقف اليوم لأعتذر من تلامذتي؟