قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 15/10/2010

- 'السفير'
إنجازات الحضور الإقليمي الإيراني
سمير كرم:

قبل سبعة وخمسين عاما - بالتحديد في شهر آب عام 1953- أجبر شاه إيران، الحاكم المطلق لإيران، على الهروب من البلاد بسبب خلاف مع رئيس الوزراء آنذاك الدكتور محمد مصدق على تأميم ثروة إيران النفطية.
لم تمض ايام حتى كانت المخابرات الأميركية تنجح في إعادة الشاه الى عرشه، ليبقى جالساً عليه ضد إرادة الشعب الايراني، وليصدر حكماً بالسجن لعدة سنوات على رئيس الوزراء مصدق. وتحت حماية الولايات المتحدة العسكرية والامنية والمخابراتية بقي الشاه في السلطة لخمسة وعشرين عاماً اخرى ضد ارادة الشعب الايراني وطموحاته الوطنية والديموقراطية.
الى ان تفجرت الثورة الاسلامية الايرانية وانتهى حكم الشاه بخلعه نهائياً وخروجه من البلاد هارباً مرة اخرى. لم ينفعه تأييد اميركا العسكري والسياسي والمخابراتي.
وعلى مدى الاعوام منذ 1978 لم تنجح الولايات المتحدة، التي زادت قوتها العسكرية في المنطقة وفي العالم والتي اصبحت، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والمنظومة العالمية الاشتراكية، تنفرد بمركز &laqascii117o;القوة الأعظم" في عالم اليوم، في ان تفرض على إيران ضد إرادة شعبها وضد إرادة ثورتها اي قرار مهما كان صغيراً.
مع ذلك فإن الولايات المتحدة لم تع هذا الدرس الواضح طوال هذه السنين.
في ضوء هذه الحقيقة التاريخية الناصعة ينبغي النظر الى المشاعر المضادة التي كونتها الولايات المتحدة - وحليفتها إسرائيل - ضد زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان.
لقد حاولت الولايات المتحدة - في تصعيد ملحوظ لاعتراضها على هذه الزيارة التاريخية - ان تجبر إيران او لبنان على إلغائها. وبدا في الايام الاخيرة ان الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا مستعدتين لقبول مجرد إلغاء زيارة الرئيس احمدي نجاد للجنوب اللبناني باعتبار ما لهذه الزيارة من دلالات ورموز تتصل بعلاقة إيران القوية والداعمة مع المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي ممثلة في حزب الله. لكن الولايات المتحدة لم تستطع ان تستعيد كل دروس المواجهات بينها وبين الثورة الايرانية منذ قيامها حتى الآن.
مارست الولايات المتحدة أقصى ما بإمكانها من ضغوط ضد هذه الزيارة واعتمدت في جوانب من هذه الضغوط على وجود عناصر داخلية لبنانية مستعدة دائماً لأن ترى خطراً في كل ما تعتبره واشنطن خطراً، مهما كان الزيف واضحاً في مجرد تصور هذا الخطر. وكان واضحاً للغاية أن الهدف من هذه الضغوط الاميركية والاسرائيلية وما وضع في خدمتها من جانب العناصر الداخلية الممالئة هو الطعن في دور علاقة إيران بحزب الله وعلاقة إيران وسوريا بحزب الله لهدف ابعد هو إبقاء المقاومة في لبنان بلا حليف يعتمد عليه.
ودلت الضغوط الاميركية ضد زيارة الرئيس الايراني للبنان على ان الولايات المتحدة تريد إبقاء لبنان نفسه خارج إطار الاستراتيجية التي ادت في حرب صيف عام 2006 الاسرائيلية ضد لبنان، الى هزيمة قاطعة للقوة العسكرية الإسرائيلية، على الرغم من كل الدعم اللوجستي والسياسي الذي لقيته انذاك من النخبة الاميركية الحاكمة: المحافظون الجدد وسياساتهم المتطرفة. ودلت هذه الضغوط - التي ظلت غير مجدية من بداياتها الى ختام الزيارة - على ان الولايات المتحدة كانت تدخل حقل ألغام آخر، نحو فشل كثيف آخر في مواجهة ايران، وفي مواجهة لبنان، وبطبيعة الحال في مواجهة المقاومة اللبنانية، التي ترسخ مركزها السياسي في النسيج اللبناني على الرغم من كل الظواهر والمكونات المضادة.
إن الزيارة قد رسخت التحالف الإيراني مع المقاومة ومع لبنان الرسمي ومع سوريا الى الحد الذي يمكن اعتباره تأكيداً أشد وقعاً لتحرر المنطقة من النفوذ الاميركي، ومن إصرار اميركا على جعل نفوذ التحالف الاميركي - الاسرائيلي هو العامل الفاعل والفعال في توجيه سياسات المنطقة وتحديد أهدافها. ولو تصورنا ان الولايات المتحدة قبلت وتقبلت زيارة الرئيس الايراني للبنان وما تضمنته من دلالات سياسية واستراتيجية كمكونات حقيقية للواقع القائم في المنطقة، لكان من المؤكد ان تبدو الزيارة أقل إضراراً بالنفوذ الاميركي وبفاعلية التحالف الاميركي- الاسرائيلي ضد العرب وضد إيران.
حدث هذا الانحدار لفاعلية التحالف الاميركي - الاسرائيلي في مواجهة تحالف ايران - سوريا - المقاومة فيما الولايات المتحدة تحتفظ بمئات الآلاف من جنودها في ثلاث دول متاخمة لإيران هي العراق وأفغانستان وباكستان، وفيما الولايات المتحدة تملك في الشرق الاوسط وحول إيران اكبر قواتها المسلحة برية وبحرية وجوية. لقد تمت زيارة الرئيس الايراني للبنان - على الرغم من كل ما اظهرته الولايات المتحدة وإسرائيل من اعتراضات اتخذ بعضها صور تهديدات لدول المنطقة - بعد أيام من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران. وهي زيارة لم يفت المراقبين السياسيين في واشنطن أن لها أبعادها في التنسيق الاستراتيجي والسياسي للتحالف المقاوم المؤلف من سوريا وإيران والمقاومة. ولا يمكن ان يخامر احد اي شك في ان محللي المخابرات والمحللين الاستراتيجيين في واشنطن قد انكبوا على دراسة هذه الزيارة باعتبارها جزءا من الجهد الكبير لهذا التحالف لإحباط خطط التحالف الاميركي- الاسرائيلي في المنطقة.
وحدث هذا الانحدار بينما أدت حماقات السياسة الاسرائيلية الى إخراج تركيا من تحالف غير طبيعي كان يربطها بإسرائيل ووضع تركيا على صف التحدي في مواجهة النفوذ الاستراتيجي الاسرائيلي المرتبط عضوياً بالولايات المتحدة.
ولا يستطيع إلا قصير النظر الى اقصى الحدود ان لا يرى بجلاء، ان زيارة الرئيس الايراني للبنان حققت بالفعل الاهداف التي تخشاها أميركا وإسرائيل، أهداف إضعاف النفوذ العسكري والسياسي لأميركا وإسرائيل في المنطقة. ولعله ليس من قبيل الصدفة ان فوجئت الولايات المتحدة بقرار إيران ومصر توقيع اتفاق يتيح استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وطهران. إن هذا القرار الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة قد اتخذ قبيل ايام معدودة من وصول احمدي نجاد الى لبنان ... بل إن الاتفاق الايراني - المصري وقع بينما الولايات المتحدة تشدد مساعيها لإقناع دول المنطقة والعالم بتطبيق العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على مجلس الامن ضد ايران. وقد اعتبر استئناف الطيران المباشر بين القاهرة وطهران خطوة يمكن أن تتبعها في المستقبل القريب خطوات اخرى في الاتجاه نفسه لتحسين العلاقات بين البلدين. ولعله ينبغي أن يشار في هذا الصدد الى أن العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران لا تزال مقطوعة. وهي مقطوعة منذ عام 1981.
أليس هذا انعكاساً لشعور لدى السلطات المصرية بأنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة ان تفرض في المنطقة وحول ايران حصاراً يضر بالدول العربية ويحقق مصالح لإسرائيل؟
وسط هذا الاختلال الذي أصاب الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - والتضحيات التي تقدم مجاناً من اميركا لاسرائيل في اطار المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، يتضح اكثر من اي وقت مضى ان دخول ايران الطبيعي مع قيام ثورتها طرفاً أصلياً وأساسياً في الصراع العربي- الاسرائيلي بعد انسحاب قوى عربية اساسية منه اصبح عاملاً مؤثراً وفاعلاً في تطورات هذا الصراع سواء من جانب القوى التي تخوض هذا الصراع لإجبار الولايات المتحدة وإسرائيل على التسليم بالحقوق الوطنية والقومية والإنسانية للشعب الفلسطيني، او القوى التي تريد الاستمرار في نهج حرمان الشعب الفلسطيني من هذه الحقوق مقابل مكاسب ضئيلة لنخبة قليلة العدد تتولى امر السلطة عليه.
لقد عوضت إيران عن الاختلال الذي اصاب الوضع العربي نتيجة لتراجع قوى عربية من الصراع ضد اسرائيل. وفي اطار هذا التعويض ينبغي النظر الى زيارة الرئيس الايراني للبنان. انها لا تدعم تحالف ايران مع حزب لبناني والمقاومة وسوريا فحسب، انها تدعم مركز ايران الاقليمي الذي كبر واتسع واكتسب حيوية غير مسبوقة بدخول ايران في هذا الدور، الذي حال حتى الآن - على الاقل - دون انهيار الوضع العربي انهياراً كاملاً وكارثياً نتيجة للنفوذ الاميركي ونتيجة لأطماع اسرائيل التي لا تبدو لها حدود.
كيف كان يمكن ان تتطور تراجعات الوضع العربي في الصراع ضد الدولة الصهيونية لو ان ايران لم تستجب لمقتضيات الثورة والعقيدة وآثرت ان تنتهج سياسة انعزالية في المنطقة؟
كان يمكن ان يؤدي هذا الى طمأنة الولايات المتحدة الى انفراد تحالفها مع اسرائيل بصنع القرار الاستراتيجي والسياسي بشأن الصراع العربي - الاسرائيلي. كان يمكن قتل المقاومة الفلسطينية او على الاقل تجريدها من السلاح. كان يمكن تأبيد احتلال اسرائيل للجنوب اللبناني ومزارع شبعا. بل وكان يمكن توسيع أطماع اسرائيل في ارض لبنان ومياهه وثرواته الطبيعية ما ظهر بالفعل وما سيظهره التنقيب مستقبلا، وفي ارض فلسطين ومياهها وثرواتها.
وفي ضوء ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبيل ايام في حديث تفصيلي لقناة الجزيرة، وكذلك ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير الذي سبق الزيارة التاريخية للرئيس الايراني للبنان، يمكن التأكيد بلا تردد بأن حلف سوريا - ايران - المقاومة انما يهدف الى حمل الولايات المتحدة على الاعتراف بشرعية المقاومة، الفلسطينية واللبنانية. ومهما بدا اليوم ان هذا هدفاً بعيد المنال او صعب التحقق فإن ثمة مؤشرات واضحة على ان الولايات المتحدة تسير في طريق التراجع عن تهديد ايران عسكرياً لصالح الاستمرار في المفاوضات معها، كما انها تسير في طريق إجراء اتصالات جانبية مع المقاومة الفلسطينية (بالتحديد مع حماس) يمكن ان تتحول الى مفاوضات اساسية لا جانبية ولا سرية. يزيد من هذا الاحتمال ما تؤكده التطورات من ان الولايات المتحدة تسعى جاهدة من اجل تحسين علاقاتها مع سوريا، يحدوها في ذلك امل بأن تتمكن سوريا من القيام بدور فعال في تهدئة العلاقات بين طهران وواشنطن، مستخدمة في ذلك علاقاتها القوية والإيجابية مع إيران.
ينبغي إذن النظر الى الزيارة التي قام بها الرئيس احمدي نجاد للبنان في ضوء هذه الاوضاع المتشابكة المعقدة في المنطقة. وينبغي ان لا يغيب عن الذهن العربي ان المواجهة الحالية بين التحالفين المتصارعين على النفوذ في المنطقة تدل مؤشراته حتى الآن ومنذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية على ان التحالف الاول قد برهن على ثبات وقوة في مواجهة التحديات الاسترايجية والسياسية وحتى الدعائية. في الوقت نفسه فإن التحالف الآخر، الاميركي - الاسرائيلي يبدو متخبطاً غير واثق من خططه ولا من مستقبله.  


- 'الحياة'
لبنان يتأرجح بين خطابي نجاد
وليد شقير:

لا يمكن فصل زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لبنان عن الأزمة السياسية الخطيرة التي يمر بها البلد الصغير، وعن التأرجح الذي يعيشه بين التهدئة والتشنج، ثم انتقاله الى التأرجح بين التأزيم السياسي الذي قد يطيح حكومة الوحدة الوطنية وبين ان يذهب الأمر الى حد التأزيم الأمني. ومحور كل هذا التأزيم هو الحرب على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي لم يخف نجاد وقوفه ضدها في كلمته مساء الأربعاء في الضاحية الجنوبية على طريقته.
وقد عبّر الرئيس الإيراني عن هذا التأرجح الذي يعيشه لبنان باعتماده خطابين: واحد معتدل وتصالحي ووحدوي في القصر الرئاسي، وآخر هجومي يجعل لبنان ضمناً منصة لسياسة إقليمية تتعدى حجمه الصغير وقدراته، وتُدخله في محور شاء نجاد ان يحدد عناصره تحت عنوان &laqascii117o;جبهة المقاومة" التي شكلها من فلسطين وسورية والعراق وتركيا وإيران ولبنان.
وعلى رغم ان البعض يخيّر لبنان، لمناسبة زيارة الرئيس نجاد، بين النفوذ الإيراني فيه، كما ظهر من خلال الاستقبال الشعبي الحزبي والحفاوة التي لقيها في الضاحية الجنوبية والجنوب، ومن قبل &laqascii117o;حزب الله"، وبين العودة الى النفوذ السوري التاريخي على قراره السياسي وسلطته المركزية، فإن دعوة اللبنانيين الى الاختيار بين الاثنين تجعلهم يتأرجحون بين جهتين هما في الواقع، وحتى إشعار آخر، جهة واحدة، تأخذ كل منهما حرية الحركة المستقلة تبعاً لمصالحها مع الاحتفاظ بما يجمعهما لبنانياً وإقليمياً، وتفهّم كل منهما لحاجات الثاني في المناورة السياسية. فخطاب نجاد في القصر الرئاسي راعى حاجة دمشق الى مواصلة جهود التهدئة بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية التي تستمر معها في جهود حفظ الاستقرار بناء للتفاهم الذي تم التوصل إليه في نهاية تموز (يوليو) الماضي. وخطاب نجاد في الضاحية الجنوبية عكس مدى اتفاق طهران ودمشق على السعي إلى إلغاء المحكمة الدولية، الذي تحوّل مطلباً ضمنياً للاثنين معاً، لم يعد المسؤولون السوريون يخفون تبنيهم له في أحاديثهم مع زوارهم اللبنانيين من دون مواربة، بموازاة الموقف الإيراني المتطابق مع مطلب &laqascii117o;حزب الله" في هذا الصدد.
وإذا كانت دمشق لا تمانع في تأرجح نجاد بين الخطابين، فلأن خطابه الأول ينسجم مع سياستها التقليدية في استدراج العروض من القوى الدولية والإقليمية التي لم تحصل منها، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، على ما يحقق مطالبها بالانفتاح عليها وإرضائها باستعادة الجولان المحتل، وخطابه الثاني في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، وحول المحكمة، يتلاءم مع مواصلة دمشق تحالفاتها التي عمّقتها في السنوات القليلة الماضية، لحماية ظهرها في حال تجددت الضغوط عليها، ولإضعاف من يقاسم حلفاءها السلطة في لبنان من أجل العودة الى ما قبل عام 2005.
إلا ان التأرجح بين درجات متفاوتة من التأزم اللبناني ليس كافياً لفهم اعتماد نجاد خطابين. فالتأزم اللبناني يعكس ما يجري في الميدان الإقليمي، الذي يتقن الجانب الإيراني التعاطي معه ببراغماتية بعيدة عن المواقف الإيديولوجية. فطهران تدرك حاجة دمشق، صاحبة الباع الطويلة في لبنان، والتي يتوقف عليها اعتماد لبنان منصة لتوجيه الرسائل أو خوض المعارك، الى علاقات إقليمية مختلفة تعبّر عنها القيادة السورية بدعوتها الى انضمام العراق الى &laqascii117o;تعاون استراتيجي" يشملهما ولبنان وتركيا والأردن على خلفية السعي الى سوق مشتركة بين هذه الدول. فنجاد مطمئن الى وجود دمشق في منظومة التعاون الإقليمي التي تتصدرها والتي حدد نجاد دولها في خطابه الثاني بـ &laqascii117o;جبهة المقاومة".
خطابا نجاد المختلفا النبرة في لبنان وسط التأرجح اللبناني بين السيّء والأسوأ من التأزيم، يعكسان ايضاً هذا التأرجح بين التسليم لطهران بغلبة نفوذها في بغداد بعد ان توافقت مع واشنطن على رئاسة نوري المالكي للحكومة وانضمت دمشق الى هذا التفاهم، وبين سعي الدول المهتمة بالعراق الى تحسين ظروف تقاسم السلطة وفق ما يلائم مصالحها (تركيا، مصر والسعودية).
الخطابان يعكسان التأرجح بين إمكان تجديد التفاوض الغربي مع إيران على ملفها النووي في الأسابيع القليلة المقبلة، وبين مزيد من المواجهة بين الغرب وبينها في الأشهر المقبلة. ولبنان أحد الأوراق وميدان للرسائل في الحالتين.


- 'الشرق الأوسط'
الأرض بتتكلم عربي.. وفارسي كذلك
سمير عطا الله:

كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دبلوماسيا حذرا في قصر بعبدا، ولما عبر مسافة ثلاثة كيلومترات إلى الضاحية الجنوبية، استعاد لغة الثوار. في القصر الجمهوري، عزف له نشيد الجمهوريتين، اللبنانية والإيرانية. وفي الضاحية، عزف له نشيد المقاومة ونشيد الولاية، طبعا ولاية الفقيه. صورة قبل الظهر أزاحت نفسها للصورة الأهم، بعد الظهر: الاحتفاء الشعبي بالرئيس الإيراني هو احتفاء أهل الجنوب، في العاصمة أو في الجنوب نفسه. وتصدر الحفل بضعة ضيوف محليين، لا يشكلون في عداد الجماهير أي نسبة تذكر في تعديل مغزى الرسالة.
هذه، زيارة &laqascii117o;جنوبية"، وما أحيط بها من خارج معالم الجنوب، لم يكن سوى تطريزات على هامش الجوهر. والجوهر، هو العلاقة العضوية بين طهران وبين أحزاب وأجنحة &laqascii117o;المقاومة" دون سواها من أسر لبنان. ومهما سعت اللياقات إلى إقحام عناصر أخرى في الصورة، بقيت الصورة واحدة والإطار واحدا: ثمة فريقان مبتهجان ببعضهما البعض: الرئيس الإيراني الذي وضع قدمه في رمال المتوسط يوم تربع مستريحا على شرفة لبنان، و&laqascii117o;المقاومة" التي نقلت تحرير فلسطين من الأمة العربية والوطن العربي الكبير، إلى طهران.
سياسيا تغيرت خريطة الأمة وجغرافيا أيضا تغيرت. هنا، إيران في قلب المتوسط، وهناك هي على بعد 24 كيلومترا من البحرين و25 كيلومترا من عمان. هنا، تريد أن تخطف راية التحرير من أيدي العرب، وهناك تريد أن يكون الدرس مفهوما وواضحا: إنه الخليج الفارسي، وليس الخليج العربي. آن وقت الاتعاظ. فيما كان السيد نجاد يلقي خطابه، كنت أستعيد شيئا واحدا في ذاكرتي، قصيدة محمود درويش &laqascii117o;الأرض بتتكلم عربي". عليها، بكل وضوح، بعد الآن، أن تتكلم &laqascii117o;فارسي" كلما أطلت على أرض فلسطين. لم لا؟ لقد كان الإخوة العرب (أخي في جازان، أخي في عدن) منهمكين في قمة سرت في إرسال التحيات والتثمينات إلى ما أنجز في جمهورية الكونغو الديمقراطية ودولة تشاد الشقيقة وجمهورية توغو وأشقائنا في مدغشقر وجزر المالديف. ولم لا؟ أليست قمة أفريقية عربية، بمعنى أن كل ما فيها عربي أو أفريقي.
هكذا فيما اندفعت الأمة نحو جمهورية الكونغو الديمقراطية من قلب الوطن العربي الكبير، اندفعت إيران نحو فلسطين من بوابتين: غزة ولبنان. وفيما وضعت قمة سرت جدول أعمالها الفضفاض الثوب، وضع رئيس إيران جدول أعمال زيارته للبنان بنفسه، وترك لتشريفات القصر الجمهوري أمرا واحدا: مرافقة المدعوين إلى مقاعدهم.
بين لغة السواحيلي في القمة العربية والهتاف بالفارسية في لبنان، تستعيد اللغة التركية هي أيضا أمجادها الغابرة في أرجاء الأمة والوطن الكبير. وما عادت الأرض، بكل وضوح، &laqascii117o;بتتكلم عربي". إنها تتعلم كيف تتقن لغات أخرى.


- 'السفير'

الجبهة الواحدة
ساطع نور الدين:

لم يحجب رفع درجة التأهب العسكري على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية، امس، الكثير من الرسائل والرموز السياسية التي جرى تبادلها في مناسبة زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، الاولى من نوعها الى الجنوب اللبناني، والتي كانت تقديرات لبنانية واسرائيلية متشائمة تخشى أن تكون شرارة الحرب المرتقبة.. قبل أن يتبين أن هامش الخطأ محدود جدا ان لم يكن معدوماً، وقبل ان يتأكد الجميع من ان الالتزام بقواعد اللعبة المعتمدة منذ حرب العام 2006، جدي جدا.
منذ ان أعلن عن زيارة نجاد للبنان، كانت واحدة من أكثر القراءات إثارة للاهتمام، تلك التي تستكشف المواقف الاسرائيلية والاميركية من ذلك الحدث الاستثنائي، والتي كان أغربها وأطرفها ما صدر من دعوات واقتراحات سياسية وإعلامية علنية في اسرائيل لاعتقال الرئيس الايراني ومحاكمته على تهديده بمحو الدولة الاسرائيلية عن الخريطة، وإحياء ذكريات وتجارب المحاكم التي نظمت في أعقاب الحرب العالمية الثانية للنازيين الالمان، أو حتى اغتياله عندما يصل على بعد أمتار من الحدود. لكن هذا الهذيان الاسرائيلي، سرعان ما أفسح المجال لخطاب واقعي هادئ، يسلّم بحقيقة أن المسؤول الوحيد في العالم الذي ينكر وجود إسرائيل، أو نظامها الصهيوني، على ما أوضح مجددا خلال زيارته الاخيرة لنيويورك، يستطيع ان يلقي نظرة قريبة على الكيان المصطنع، ويتحداه.
ويبدو ان الاسرائيليين الذين لم يكونوا في الاصل في وارد إشعال تلك الشرارة، تلقوا نصيحة أميركية واضحة بعدم انتهاز فرصة زيارة نجاد للبنان وجنوبه تحديدا من اجل افتعال التوتر، والاكتفاء بالاحتجاج السلمي على تلك الرحلة من داخل حدودهم حتى ولو شملت إلقاء الحجارة على مواقعهم، كما روج بعض مسؤوليهم. وهكذا، جرى تنظيم مسيرات حدودية، تشبه التظاهرات النقابية أو المطلبية، أطلقت خلالها تصريحات وهتافات وبالونات تحتج على نجاد ولا تستفزه، وتدافع عن وجود الكيان الذي ينكره، وتلجأ الى الاسلوب نفسه المعتمد منذ العام 2006 على الطرف المقابل من الحدود.
لكن صراع الرموز الذي بلغ ذروته امس أثناء وجود نجاد في قانا ومارون الراس وبنت جبيل، انتهى الى نكسة جديدة لإسرائيل التي اضطرت الى التسليم بحق الرئيس الايراني بالذات في ان يجول على مقربة من مواقعها العسكرية المحصنة ومستوطناتها الشمالية المسيجة، وهو حق انتزعه لبنان الدولة والمقاومة، ومارسه خلال هذه الزيارة بطريقة لا لبس فيها، ولا استفزاز.. وبناء على تقدير دقيق فقدت &laqascii117o;حقها" الافتراضي في أن تخرج الى حرب جديدة على لبنان من دون أن تحصل على ضوء أخضر أميركي، كما هي الحال تماما بالنسبة الى الحرب الاسرائيلية على ايران الممنوعة أميركيا.
ولعل أهم محصلة لزيارة نجاد للجنوب انها حسمت مرة اخرى حقيقة معروفة مفادها أن الجبهة الحدودية اللبنانية هي جزء لا يتجزأ من الجبهة الايرانية، في خطط الحرب الاسرائيلية والاميركية المقبلة، لكن ليس في خطط التسوية بين واشنطن وطهران...


- 'السفير'

ما الذي تغير في واقع الطائفة السنية في لبنان؟
رامز الطنبور:

ليس الصراع في لبنان محصوراً بالسلاح وبالمقاومة وبالسياسة وبالمحاور الخارجية، وإنما يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك وأدهى حيث أخذ يطال الثقافة الجماعية والوعي التاريخي للجماهير، وخاصة عند الطائفة السنية، التي بدأت تؤخذ إلى غير موضعها وتتآلف مع نقيضها نتيجة أحداث ضخمة ألمت بها. وكأن تلك الأحداث مقصودة ومفتعلة لإيصال هذه (الطائفة الأمة) إلى الحال التي هي عليه وإقصائها عن مسرح الأحداث لتمرير صياغة جديدة للمنطقة. والذي يمعن التفكير وينظر بنور العقل والبصيرة ويراجع التاريخ بنفس المتفحص، يدرك تماماً ومن خلال الوثائق والتصريحات والمؤلفات المعلن عنها أميركياً وإسرائيلياً بأن واقعنا اليوم هو خطوة ومرحلة من مراحل المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي للمنطقة الذي يقوم على تفتيتها وإثارة كافة أشكال الصراع والنعرات والعصبيات فيها.
من هنا يمكن أن نفهم الواقع اللبناني، بل واقع المنطقة بأسرها. والسؤال الملح لماذا الطائفة السنية هي المستهدفة من قبل الأميركي ـ الصهيوني؟ والجواب بكل موضوعية لأنها الطائفة الأمة التي تجمع كافة أرجاء العالم الإسلامي وتشكل ركيزته الكبرى المليارية التي تعتبر دافعاً نحو التوحيد والوحدة لمستقبل الأمة. أما بالنسبة للبنان فالسنة عبر التاريخ شكلوا ضمانة استمرار الوطن وحافظوا على توازنه نظراً لامتدادهم وانتشارهم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن الشاطئ إلى الجبل إضافة إلى كونهم أصحاب الوجود الأكبر في عاصمة الوطن وفي عاصمة الشمال وكذلك في عاصمة الجنوب، هذا على الصعيد الجغرافي. أما على الصعيد الديموغرافي فلبنان بلد الأقليات يسجل فيه السنة إحدى الطائفتين الأكثر عدداً ونمواً. أما على المستوى الوطني والقومي وهنا بيت القصيد، فهنالك تغيرات غير طبيعية وغير مألوفة بدأت تلم بالطائفة وتنتشر عبر أثيرها وهذا ما يثير الدهشة والاستغراب، فلطالما تبنت الطائفة القضية الفلسطينية كقضية أممية محقة وعادلة لا خلاف حولها، ولطالما أعلنت الطائفة على الملأ أن العدو المطلق هو &laqascii117o;إسرائيل".
فما الذي تغير في واقع الطائفة السنية في لبنان؟ بالطبع عندما نتكلم عن السنة فإننا نعني المزاج العام المهيمن ككم عددي وليس بالمفهوم الديني لأن غالبية الناطقين باسم السنة اليوم هم علمانيون بالأصل، وليس حكماً جميع أبناء الطائفة، حيث لا تزال الكثير من التكتلات السنية السياسية وفية لتاريخها ولصياغتها النفسية والاجتماعية، ولكن العبرة في الجموع المهيمنة والمزاج العام، فالطائفة لا تزال بخير على المستويين الجغرافي والديموغرافي، إلا أن الاهتمام بقضايا المنطقة والأمة وقدسية القضية الفلسطينية أصبح محط أخذ ورد، والموقف من العدو الاسرائيلي وقع في مطبات ومحاذير كثيرة... والحقيقة ان هذا الأمر وتلك التغيرات لم تأت من الفراغ إنما تزامنت مع معطيات دولية كاتفاقية أوسلو ووادي عربة ومن قبلهما اتفاقية كامب دايفيد، وارتبطت أيضاً بمعطيات داخلية أبرزها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم إطلاق تكتل 14 آذار الذي جمع في صفوفه الحابل والنابل وتحول هذا التكتل إلى تمترس للأعداء التاريخيين للعروبة وللقضية الفلسطينية وراء جمهور السنة حتى أضحوا يتكلمون باسمهم ويشكلون فكرهم السياسي إلى حد كبير، وهذا أخطر ما في الموضوع. وبهذه الروحية نجد أنفسنا نسير نحو القدر الأميركي ـ الصهيوني بإرادتنا أم رغماً عنا، عن جهل أم عن معرفة، إنما النتيجة واحدة.
بالتأكيد إن المزاج السني العام في لبنان لم يعد هو ذاته كما كان في القرن الماضي، وأصبح جمهور السنة العريق والمناضل والمواكب لقضايا الأمة بأسرها، متأثراً بطروحات الحلفاء في 14 آذار الذين سجل بعضهم الأقوى أول عمالة مع العدو الاسرائيلي، وكما سجل أفظع المجازر بحق العزّل في مخيمات صبرا وشاتيلا، هذا فضلا عن حواجز الموت والتصفية وعمليات التهجير. صحيح أن اللبنانيين تعاهدوا على ان يصفحوا عن الماضي، ولكن الأصوات عادت تعلو معتزة بالعمالة وفخورة بالمجازر، ذلك لأن شروط التوبة التي تستوجب الغفران لم تكتمل فيها، فهي لم تندم على فعلتها ولم تتعهد بعدم العودة إليها مجدداً.
وهل يُعقل أن يعوّم قتلى هذا &laqascii117o;الحليف" على حساب استشهاد الرئيس رفيق الحريري؟ وأن يوضعوا في صورة تذكارية واحدة تحت عنوان &laqascii117o;المقاومة اللبنانية"؟ فالجميع يعلم لماذا قتل بشير الجميل ولماذا قتل رفيق الحريري وما الغاية من مقتلهما وشتان بينهما، فكل منهما يمثل مشروعاً مغايراً للآخر فكيف يتم الجمع بينهما؟ إنها محاولة للإطاحة برشد أهل السنة وأخذهم إلى غير موقعهم. فأولئك المتلونون يدّعون زوراً أنهم &laqascii117o;مقاومة لبنانية" وهم لا يمتون بصلة لمفهوم المقاومة بشكل من الأشكال. فالمقاومة تكون ضد عدو خارجي بينما هم كانوا على أفضل ما تكون العلاقة مع العدو الخارجي، والمقاومة تكون ضد الاحتلال وهم الذين تمكنوا ووصلوا إلى رأس السلطة عن طريق الاحتلال الإسرائيلي، أما مواربتهم وكلامهم عن مقاومة الاحتلال السوري فهذا كلام غير قانوني ومخالف للواقع، حيث ان القوات السورية لم تدخل لبنان إلا برغبة وطلب من السلطة السياسية في لبنان التي كانوا على رأسها آنذاك.
تبقى المسؤولية الكبرى على رموز هذه الطائفة من سياسيين ودينيين وحركات إسلامية، فالقضية أكبر من المسايرة وتبويس اللحى على الطريقة اللبنانية، إنها قضية تعديل نهج وتغيير رؤية وتحجيم للطائفة الأمة، وتحويلها إلى كم عددي يخرج في المسيرات ويصوّت في الانتخابات، تلك مسؤولية وطنية وتاريخية وشرعية، فهل فيكم من يتحمل المسؤولية؟.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد