قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة السبت 4/9/2010

 ـ صحيفة 'السفير'
&laqascii117o;السيّد" والأهلّة والفلك.. والتجديد
جعفر محمد حسين فضل الله

عندما كان يُعلن المرجع الراحل السيّد محمّد حسين فضل الله بداية شهر رمضان وعيد الفطر (أول شوال) قبل أيّام من نهاية الشهر؛ بل أعلن أنّه يُمكنه أن يُعلن بدايات الشهر لخمسين سنة مقبلة اعتماداً منه على المعطيات الفلكيّة الدقيقة، كان ذلك مثاراً للجدل في الأوساط الفقهيّة، ومثاراً للإثارة في أوساط عديدة، ولا سيّما لدى الجمهور المتديّن الذي يرجع لمرجعيّات فقهيّة متعدّدة لا ترى رأي السيّد فضل الله.
ومع الأسف، كانت المرحلة السابقة تنفتح على كثير من التجاذبات التي تدفع إليها حركة الاختلاف الفقهي والمرجعي، بما كان يحاول رمي الطرح الجديد والقويّ على مستوى إعلان بدايات الأشهر القمريّة قبل أيّام على الأقل، بمخالفة السنّة الشريفة المتّبعة على مدار التاريخ الإسلامي، والقائمة على التماس الهلال بالرؤية بالعين المجرّدة بعد 29 يوماً من الشهر السابق، أو بمحاولة مجاراة العصر دون أساس شرعي، أو بالاعتماد على أقوال المنجّمين الذين نهينا عن اتّباع أقوالهم من خلال ما ورد في الأحاديث والروايات الدينية، وما إلى ذلك، ممّا عشناه ولا نزال نعيشه بشكل وبآخر.
ولكنّ ما لم يُلتفت إليه، بل ما لا يُلتفت إليه عادةً، هو التأثير غير المباشر لآراء المجدّدين في تغيير الذهنيّة العامّة تجاه أمرين:

الأوّل: النظرة الشائعة، حتّى لدى المدارس الدينية والحوزات العلمية، لعلم الفلك، وتلاشي فكرة الخلط بينه وبين التنجيم، بما جعل الفكر الديني يبتعد شيئاً فشيئاً عن فكرة أنّه سيبتعد عن النصّ الديني (الذي يتحدّث بالسلب عن اعتماد التنجيم) إذا ما أخذ بمعطيات علم الفلك والأرصاد.
وقد شهدنا خلال سنوات لاحقة بعد إعلان السيّد فضل الله المتكرّر والمسبق عن أوّائل الشهور القمريّة، أنّ الثقافة الفلكيّة بدأت تنتشر لدى رجال الدين والمرجعيّات الدينية، بما جنّب الساحة عن إعلانات غير علميّة لبداية الشهر اعتماداً على شهادات الشهود ما دام العلم ينفي إمكانية رؤية الهلال في الأفق المفترض؛ ولا سيّما أنّ العالم الإسلامي شهد منزلقاً كبيراً في العام 2004م، وتمثّل بإعلان عيد الفطر اعتماداً على شهادات كثيرة في حين كان القمر في طور المحاق في الآفاق المدّعاة للرؤية، في حين لم يفطر السيّد فضل الله إلا في اليوم التالي، ودائماً استناداً إلى المعطيات العلميّة.
وهذا كلّه يؤكّد أنّ حركة التغيير في الأفكار تحتاج إلى وقت تختبر فيه المواقع العلميّة المتنوّعة، قدرة الرأي الفقهي على الثبات والتعبير عن نفسه باتّزان، بما يعطي الثقة الغائبة لدى الجماهير والنخبة بعلم الفلك ومعطياته.
وبدأنا نشهد منذ الأعوام السابقة اعتماداً مطّرداً للفقهاء المسلمين عموماً على معطيات علم الفلك، قبل الإعلان، وقبل الدعوة إلى الاستهلال، فأخذوا بجانب السلب، أي عندما يحكم الفلك باستحالة الرؤية أو تعذّرها فإنّهم لا يقبلون شهادة الشهود مهما كانت درجة وثاقة أصحابها.. بل بدأنا نشهد في أوساط عديدة، ولا سيّما في الوسط الفقهي الإسلامي الشيعي، آراء تأخذ بمعطيات الفلك في الجانب الإثباتي أيضاً، وهذا يمثّل تحوّلاً مهمّاً على هذا الصعيد.
الثاني: النظريّة الفقهية الاجتهادية، حيث انفتح الفكر الاجتهادي، لدى المسلمين السنّة والشيعة معاً، على أفكار جديدة تتعلّق بتحديد بدايات الشهور بما ينسجم مع أحاديث الرؤية، لتضعها في موقعها الطبيعي من وسائل العصر آنذاك، من دون أن تنفي انفتاح التطوّر العلمي على وسائل جديدة قد تفيد فائدة الرؤية بل تتفوّق عليها دقّة وعلميّة.
كذلك، فإنّ الفكر الاجتهادي بدأ يقارب فكرة إمكانيّة تجاوز أفق البلد، ليكون أفق الرؤية متّسعاً للعالم تبعاً لنظريّة الليل المشترك، حيث بات يُنظر باحترام للرأي الذي يقول بكفاية إمكانيّة رؤية الهلال في أيّ بلدٍ غربيّ يجمعه بأيّ بلدٍ شرقيّ جزء من الليل، بمعنى أن يكون غروب الشمس في البلد الواقع غرب خريطة العالم قبل طلوع الفجر في البلد الواقع شرقها؛ وهذا ما شهدناه في العام الحالي وسابقاً من إعلان المركز الأوروبي للإفتاء بداية الشهر في أوروبا اعتماداً على إمكانيّة الرؤية في أميركا الجنوبيّة.
وعلى الهامش، فهذا الأمر لا ينبغي أن يُقارب من جهة التقارب في الرأي الاجتهادي فحسب، بل هذا الأمر ينبغي أن يُنظر إليه كخطوة مهمّة على صعيد التقارب الإسلامي (السنّي – الشيعي) واقعيّاً في واحدة من المسائل الاجتهاديّة الدقيقة، بمعنى أنّ العقل الاجتهادي عندما يتحرّك فإنّه يختبر في مقاربته للأدلّة إمكانيّة الوصول إلى نتائج مشتركة شكّل الاختلاف المذهبي عنصر غنىً للفكر الاجتهادي الإسلامي، بما يقرّب فكرة إمكان إنتاج فقه إسلامي فوق مذهبي، في حركته وبعض نتائجه على الأقلّ.

ونحن لا نرمي في هذه المقالة التركيز على أهمّية ما قدّمه السيّد محمد حسين فضل الله للفكر الاجتهادي والممارسة الفقهية في هذا المجال؛ فإنّ هذا بات واضحاً لا لبس فيه.. بل أردنا الإشارة إلى المسؤوليّة العلميّة التي تحتّم على المشتغلين في الإطار الديني، والفقهي على وجه الخصوص، التأكيد على ما يصنعه التراكم العلمي في حركة تطوّر الفكر عموماً، وهذا ما يفترض الثبات على تطبيق الرأي الاجتهادي على الواقع، من خلال الاستناد إلى المعطيات العلميّة؛ وهذا ما قام به المكتب الشرعي للمرجع الراحل، والذي يضمّ نخبة من العلماء وأهل الفضل ذوي الخبرة والكفاءة الشرعية، في إعلانه بداية شهر رمضان يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر آب الماضي، وفي إعلانه عن عيد الفطر يوم الخميس 9/9/2010م، تطبيقاً للمبنى الفقهي للسيّد فضل الله، فضلاً عن كونه الرأي الذي يمثّل مرجعاً لجماهير واسعة على امتداد العالم.
وأخيراً، ينبغي علينا الإشارة إلى أنّ تطوّر التفكير في هذه المسألة المهمّة يقع على عاتق التعاون بين علم الفقه والنظرة المتجدّدة فيه، (ولا سيّما إلى القرآن الكريم، حيث إنّ لعدد من الآيات القرآنية دلالات مهمّة يُمكن أن تشكّل فتحاً في هذا المجال)، وبين علم الفلك حيث إنّ لتقديم المعطيات العلميّة عن حركة القمر والشمس والأرض، أثراً مهمّاً في وضوح الرؤية للظواهر المتعلّقة بها لدى العقل الاجتهادي الذي لا يزال ـ في كثير من مواقعه ـ يقارب المسألة بكثير من الأفكار السابقة التي تغيّرت وتبدّلت وانفتح الواقع العلمي على كثير من معطيات مختلفة فيها..
    

- 'السفير'
للتــاريــخ فقــط
ساطع نور الدين:

لعلها المرة الاولى في تاريخ المفاوضات العربية الاسرائيلية، التي يجلس فيها مفاوضون عرب واسرائيليون الى طاولة واحدة، من دون ان تواكبها اشتباكات في شوارع بيروت وعمليات اطلاق صواريخ كاتيوشا من جنوب لبنان، واتهامات متبادلة بين المتواطئين وبين المقاومين، يتردد صداها في قاعات التفاوض، ويحلل محتواها في العواصم المعنية.
الجولة الجديدة من المفاوضات المباشرة الاسرائيلية الفلسطينية، التي افتتحت قبل يومين في واشنطن، كادت تمر مرور الكرام في العاصمة اللبنانية لولا بعض السجالات الهادئة حول موقف داعم اتخذه رئيس الحكومة سعد الحريري، وبعض الكتابات الحادة التي عكست الانقسام التاريخي في لبنان، وانتهت الى تفاهم ضمني على ان تلك الجولة لن تكون مختلفة عن سابقاتها... وسيكون فشلها المحتم مخرجا ملائما للجميع، يعفيهم من شر الاشتباك في شوارع بيروت على اتفاقات خيانية جديدة.
كان البعض يتوقع ان تحمل اخبار الامس، عناوين سقوط بضعة صواريخ كاتيوشا مشبوهة المصدر على المستوطنات الاسرائيلية الحدودية، وتفاصيل نقاش حول الجهة الفلسطينية التي اطلقتها، والتي لن تعلن مسؤوليتها عن تلك العملية الموجهة الى واشنطن حيث كانت تنظم حفلة افتتاح المفاوضات المباشرة. وما زال البعض يشك في ان ما جرى في برج ابي حيدر الاسبوع الماضي كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بذلك الحدث، ويجمع الادلة على ان الاشتباك بين حزب الله والاحباش كان موجها الى الاميركيين مباشرة.

لكن بيروت ظلت ساكنة، والحدود الجنوبية بقيت هادئة. حتى الان على الاقل. ربما لان عملية الخليل الفدائية الجريئة التي ادت الى قتل اربعة من غلاة المستوطنين اليهود، حيّدت &laqascii117o;الساحة" اللبنانية، وافرغت اي عمل امني محتمل كان يمكن ان ينطلق منها من اي مضمون وأي أثر، وسلّطت الاضواء مجددا على الداخل الفلسطيني حيث تتجمع عناوين القضية وعناصرها الحاسمة، التي سقط منها بند حق العودة، الذي كان يمثل مبررا مشروعا مقبولا لاستهداف العدو الاسرائيلي من لبنان... الرافض للتوطين.
ثمة حقيقة ثابتة هي ان معدل الاعتراض الفلسطيني المسجل في دول الشتات على المفاوضات المباشرة اضعف من اي وقت مضى. وكذا الامر بالنسبة الى الاعتراض العربي الرسمي والشعبي الذي يكاد يكون معدوما، والذي يكاد يجعل من الاحتجاج الايراني حدثا استثنائيا فريدا. لذا كان من الطبيعي ان يسلم لبنان، على اختلاف قواه السياسية عدا حزب الله، بالامر الواقع وينتظر ما يمكن ان تحمله تلك الجولة الجديدة من فرص ومخاطر لاحقة، يفترض الجميع انها ستكون محصورة في الداخل الفلسطيني وفي العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس... ولن تصل الى حد فتح الافاق الخطرة المتصلة بالمسارين اللبناني والسوري.
هدوء لبنان الامني والسياسي يسجل للتاريخ، عله يوحي بأن تلك &laqascii117o;الساحة" المعذبة لم تعد صندوق البريد المستعجل لكل مفاوض او معارض للتفاوض. مع ان مثل هذا الاستنتاج قد يبدو الان سابقا لاوانه، لان مجرى المفاوضات وانهيارها المرتقب سريعا، يمكن ان يجدد فصول السيرة اللبنانية الابدية.  


ـ صحيفة 'الحياة'
لبنان يتراجع عن جمع السلاح لمصلحة إباحته
سليم نصار:

مطلع شهر حزيران (يونيو) 1990، استقبل الرئيس ميخائيل غورباتشيف سفير لبنان محمود حمود الذي جاء ليودعه ويبلغه عن انتهاء مهمته في موسكو.
افتتح غورباتشيف اللقاء بالحديث عن العنف الذي رافق عملية تفكك الاتحاد السوفياتي عقب انهيار جدار برلين، ملمّحاً إلى دوره في نشر مناخ التحرر للجمهوريات التي ضمها ستالين بالقوة. ثم انتقل فجأة ليتحدث عن مخاوفه من &laqascii117o;لبننة" روسيا، ومن مخاطر تفشي نموذج الحرب اللبنانية التي استمرت مدة خمس عشرة سنة في نشر الفوضى والدمار.
ولما أعرب السفير حمود عن استغرابه لتأثر المجتمع الروسي بما يحدث على الساحة اللبنانية، ذكّره وزير الخارجية إدوارد شيفارنادزه الذي حضر اللقاء، بحادث إطلاق الصواريخ في محيط السفارة السوفياتية في بيروت، وكيف اضطرت موسكو للاستنجاد بميليشيات وليد جنبلاط عندما عجزت الدولة اللبنانية عن صد المهاجمين.
ولمّح غورباتشيف في نهاية اللقاء الى الآثار السلبية التي نُقلت عن عنف الحرب اللبنانية، بما فيها صور لاعبي الغيتار فوق جثث ضحاياهم. وكان بهذه الملاحظة يشير الى عمق الجراح التي خلفها قتال الميليشيات الذي أوجد نمطاً من العنف الدموي حصد أكثر من مئة ألف نسمة ودمر العاصمة وسائر المدن والقرى.

والمؤسف ان الصور المرعبة التي ذكرها غورباتشيف ظلت عالقة في أذهان الإعلاميين الذين أعادوا إنتاجها بطرق مؤذية لسمعة لبنان واللبنانيين. وهذا ما دفع سفير لبنان في لندن اللواء أحمد الحاج الى إصدار بيانات تصحيح تسوّق فكرة العيش المشترك وتقديم لبنان كنموذج لصهر 18 طائفة في بوتقة وفاق العقد الاجتماعي.
وقد أكدت المؤلفات التي صدرت عن الحرب اللبنانية الأخيرة، انها ليست أكثر من نموذج مكرر لحرب 1840 وحرب 1860 يوم بقيت الجثث في دير القمر وزحلة مرمية في الشوارع مدة تزيد على الشهر. كذلك أثبتت انهيارات الدولة عام 1975 أن تفسخ الجيش عقب انفصال ثكنة حمانا عن مركزية الجيش النظامي وحركة التمرد التي قادها أحمد الخطيب، كانا المشجع على ولادة نظام الميليشيات. ومع اختفاء مظلة الحماية والوقاية وكل ما توفره هيبة الدولة من قانون وردع، ازدادت عمليات شراء الأسلحة التي كانت تنقلها بواخر الشحن الى مرافئ جونيه وصيدا وصور، إضافة الى صفقات الأسلحة التي نُقلت الى المرافئ الخاصة في الضبية وسواها. وخلّف عدد الضحايا الكبير أثراً مفجعاً في الحياة العامة اللبنانية، السياسية منها والاجتماعية والثقافية، وولد اتفاق الطائف من المعاناة المشتركة بين ابناء الوطن الواحد.

وفي وثيقة الوفاق الوطني التي صاغها النواب، حرصوا في الطائف على &laqascii117o;قيام الدولة القوية والقادرة" من خلال بسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، ورسموا لها بعض الخطوط العريضة أهمها: حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية (أي الفلسطينية) وتسليم أسلحتها الى الدولة خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية.
وبما أن الإصلاحات السياسية لم تتم بحسب المواصفات السياسية... وبما أن &laqascii117o;حزب الله" لا يصنّف نفسه ولا تصنّفه سورية في عداد الميليشيات، فقد اقتصر جمع السلاح على الأحزاب والمنظمات الأخرى. ثم جاءت حرب صيف 2006 لتثبت ان &laqascii117o;حزب الله" يستحق المعاملة الاستثنائية التي لقيها من جانب طائفته والطوائف الأخرى. وبقي يعامل بحسب منزلته، الى ان أدار سلاحه في أحداث 7 أيار 2007 نحو المواطنين من السنّة والدروز. وفي ضوء تلك الواقعة، بدأ الحديث عن ضرورة احتواء قوات &laqascii117o;حزب الله" داخل الجيش النظامي، لأنه استخدم سلاحه في غير موضعه.

مرة ثانية استُخدم هذا السلاح ضد جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، الأمر الذي استدعى تدخل سورية لحسم الإشكال على طريقة &laqascii117o;لا غالب ولا مغلوب". ومع ان قيادة &laqascii117o;حزب الله" تحتفظ لنفسها بالأسباب الحقيقية التي قادتها الى ضرب جمعية &laqascii117o;الأحباش" بعصا الطاعة، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس سعد الحريري من المطالبة بمنع السلاح، ومن ثم بجمع السلاح!
أكد الحريري بعد رجوعه من دمشق أن لبنان لن يكون ساحة مواجهة بين أبنائه. ثم كرر هذا الكلام امام اللجنة الوزارية المكلفة معالجة ظاهرة انتشار السلاح بين المواطنين في بيروت وسائر المناطق. وحاول بالتعاون مع وزير الدفاع الياس المر ووزير الداخلية زياد بارود، إيجاد حلول مجدية يرتاح لها الشعب ويطمئن الى نتائجها. وبعد التشاور مع الرئيس ميشال سليمان، تقرر عقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع بهدف مناقشة الإجراءات الواجب اتخاذها من اجل مساندة قوى الأمن الداخلي.

يُجمع المراقبون على القول ان اتفاقي الطائف والدوحة وفرا هدنة موقتة بين اللبنانيين، ولكنهما لم يوفرا الاستقرار المطلوب لإنهاء حال الحرب. ومعنى هذا ان عوامل الكراهية ورواسب الحقد لا تزال مخزونة في النفوس والعقول. لذلك، فهي تطفو على سطح الأحداث كلما ضعفت قبضة الدولة أو اهتز ميزان الاستقرار الداخلي.
وفي تاريخ الولايات المتحدة حقبة سوداء (1861 – 1865) عرفها الأميركيون اثناء الحرب الأهلية التي حصدت 620 ألف نسمة، أي بنسبة 2 في المئة من عدد السكان. ومع ان الرئيس ابراهام لينكولن حسم الأمر لمصلحة الوحدة والنظام والقانون، إلا ان كوابيس الذعر التي خلفتها الحرب لم تمنع المواطنين من امتلاك السلاح بهدف حماية انفسهم وعائلاتهم. وعليه نرى ان غالبية الولايات تجيز شراء السلاح واقتناءه. كما نرى ان الدولة الفيديرالية لم تستطع إصدار قانون يمنع حمل السلاح في كل الولايات على رغم انقضاء أكثر من قرن ونصف القرن على الحرب الأهلية. ومن المؤكد ان إباحة امتلاك السلاح ساعدت على ظهور الميليشيات المسلحة. وتقول الصحف ان الدولة أفشلت ستين عملية إرهابية في عهد كلينتون. ويؤكد تقرير صادر عن البيت الأبيض عودة الميليشيات المسلحة بعد انتخاب أوباما. وهناك نحو خمسين منظمة مسلحة تطالب بانفصال الولايات عن الاتحاد. كل هذا بسبب ضعف قوة الدولة المركزية ونشوء ميليشيات عنصرية متطرفة تسعى الى احتلال مواقع الدولة.

بعض نواب لبنان طالب بضرورة اقتباس القوانين السويسرية المتعلقة بموضوع حمل السلاح أو امتلاكه. وعندما يبلغ الشاب السويسري سن الثامنة عشرة، ترسل له الدولة المركزية الاتحادية رسالة تذكير بأهمية ممارسة الخدمة العسكرية. وتقضي هذه الخدمة منه بالالتحاق لمدة شهر بكتيبة المدرعات أو المشاة أو أي سلاح آخر. وعندما يبلغ الثلاثين من عمره تنخفض نسبة التدريب الى دورة واحدة كل سنتين.
وبسبب حال الاستنفار الدائمة، يمكن المتدرب الاحتفاظ بسلاحه في منزله شرط ألا يستخدمه ضد أحد. وبسبب روح الانضباط، يعتبر الاحتياطي السويسري من أقوى الجيوش وأسرعها تعبئة بحيث انه يتفوق على الإسرائيلي في هذا المجال. أي انه يستطيع الالتحاق بثكنته خلال ست ساعات فقط.

واللافت أنه طوال الثلاثين سنة الماضية، لم يحدث أن استُعمل سلاح الدولة السويسرية ضد مواطنين آمنين سوى ثلاث مرات. وكانت هذه المرات الثلاث كافية لتشجيع نواب الكانتونات على المطالبة بسن قانون يمنع الاحتفاظ بالسلاح في المنازل. ولكن الاقتراح سقط.
وسبب رفض الاقتراح يعود الى الحجة الدامغة التي تقول ان الحق في هذا ليس على وجود البندقية في البيت، بل على نية الشخص الذي يستخدمها لاقتراف جريمة بدلاً من الدفاع عن السيادة الوطنية. ومن هذا المنطلق، تعتمد الدولة السويسرية على حسن تنشئة رعاياها وحسهم الوطني، الأمر الذي يمنع انتهاك القوانين ويحول دون استخدام سلاح المقاومة لتصفية حسابات شخصية.

وفي بريطانيا، تحظر قوانين الأمن على الشرطي حمل أي سلاح غير الهراوة. ويُستثنى من هذا القانون حراس المطارات والسفارات لأسباب تتعلق بأعمال إرهابية سابقة. وفي نهاية كل سنة تدل نتائج استطلاعات الرأي على ان الشرطي غير المسلح هو الأكثر احتراماً بين كل موظفي الدولة.
السؤال الذي تواجهه الحكومة اللبنانية يتأرجح بين موقفين: هل من الأفضل جمع السلاح من كل المواطنين، أم منعهم من اقتنائه؟
في الاقتراح الأول ستضطر الدولة الى الدخول في ورطة جديدة تقودها الى جمع السلاح من كل اللبنانيين باستثناء سلاح &laqascii117o;حزب الله". وهذا بالطبع يكشف عن مدى عجزها عن معالجة هذه المسألة الحساسة.
أما بالنسبة الى الاقتراح الثاني، فإن قرار منع السلاح سيعرّض القوات النظامية الى الاشتباك مع الأحزاب والمنظمات التي تحتاج الى حماية نفسها ما دامت الدولة غير قادرة على حمايتها من تسلط &laqascii117o;حزب الله".
وأمام هذا الوضع المقلق، لا بد من ان تستسلم الحكومة للأمر الواقع، وترضى بسلاح &laqascii117o;حزب الله" المؤهل لحماية السيادة الوطنية. كما ترضى كذلك باقتناء السلاح الخاص من جانب مواطنين تعجز الدولة عن حمايتهم. وهي في الحالين تجد الوقت الكافي لإقناع المواطنين بأنها تعمل من اجل سعادتهم وأمنهم.


ـ صحيفة 'النهار'
ساركوزي يهتم بسوريا أكثر من لبنان -54-
سركيس نعوم:

اجاب المسؤول الرفيع نفسه في 'الادارة' البارزة الثالثة اياها عن سؤال يتعلق بمحادثات اميركية – اسرائيلية اجريت قبل فترة حول جدوى استمرار النظام السوري، او جدوى اعتبار بقائه ضرورة لا بد منها نظراً الى سوء البديل، قال: 'ان الطريقة التي تتصرف بها سوريا مع 'حزب الله' و'حماس' وايران جعلت البعض في اسرائيل يتساءل اذا كان البديل من النظام السوري الحالي سيكون اسوأ، وهل يكون 'طالبانياً' او 'قاعدياً'. ربما يكون التغيير، اذا حصل، من داخل النظام، او بواسطة شخصيات سنية معتدلة، او بالدعوة الى اشراك جماعات سنية في النظام والعمل السياسي. كل هذه الاحتمالات التغييرية تناقش احياناً مع المسؤولين الاميركيين. لكن لا شيء حاسماً على هذا الصعيد، علماً ان تجربة الحدود السورية – الاسرائيلية الهادئة منذ سبعينات القرن الماضي لا تزال في مقدم الصورة الكبيرة لسوريا والمنطقة'. علّقت: اي سلام تتوصل اليه سوريا واسرائيل لا بد ان يؤدي الى سلام بين لبنان واسرائيل. واي تفاهم تتوصل اليه سوريا واميركا لن يؤدي الى 'ضم' الاولى لبنان. لكن وضع لبنان بين اسرائيل وسوريا صعب. علماً انني لا اساوي في حديثي هذا بين الدولتين لاعتبارات كثيرة تعرفها. مع اسرائيل هناك حرب مستمرة، هناك اعتداءات او انتهاكات للقرار الدولي 1701. المهم وقف ذلك والعمل على وقف اطلاق نار ثابت بين لبنان واسرائيل في انتظار اعجوبة ما.

سورياً، لا بد من الاشارة الى ان نفوذ دمشق عاد الى لبنان بقوة ولكن من دون وجود عسكري مباشر لها على ارضه. وفي ذلك قوة لها وابتعاد عن اي مسؤولية لها عن تحريك اوضاعه في طريقة او في اخرى. وقد يكرّس ذلك نفوذاً نهائياً لها في لبنان. ما يطلبه اللبنانيون، او بعضهم، منكم وليس من مسؤوليهم، لأنهم منقسمون، هو عدم التضحية بلبنان كرمى لعيون سوريا او اسرائيل او ايران او غيرها. فهم يعرفون حجمهم ويعترفون بمصالح سوريا في بلادهم وبالاختلال في ميزان القوى بين الدولتين، لكنهم في الوقت نفسه لا يرضون بان يتحكم فيهم احد. طبعاً هناك لبنانيون يتّكلون على تركيا وآخرون على ايران، وغيرهم على السعودية لكي يحققوا 'امنياتهم' الوطنية. لكن كل ذلك لن يكون مجدياً. اذ ان لكل من هذه الدول 'اجندتها' ومصالحها وقد تتعارض مع اجندة الآخرين ومصالحهم. كما انها قد لا تتوافق بالضرورة مع مصلحة لبنان. علّق: 'ما تقوله فيه الكثير من الحقيقة والصحة، قد لا تكون السعودية قوية جداً. لكنها احياناً تساعد، وقد ساعدت، وعندما تتراجع، كما شرحت، فإنها تفعل ذلك لأنها تلمس عدم قدرتها على المتابعة، ولأنها تحرص على عدم الوقوع في اخطار  كبيرة'.

بعد ذلك تناول الحديث لبنان وما يمكن ان يحصل فيه في حال صدور قرار اتهامي عن 'المحكمة الخاصة بلبنان' لا يتضمن سوى اسماء اعضاء في 'حزب الله'. كما تناول امكان توجيه اسرائيل ضربة عسكرية الى لبنان، وذلك كان امراً متوقعاً خلال الشهرين الماضيين، باعتبار ان ما حصل لم يكن الغاء الضربة بل ارجاءها. اكد الموظف الرفيع نفسه ان ذلك قد يكون صحيحاً. فسألته: يقال ان 'حزب الله' حصل على صواريخ مضادة للطائرات. الا ان اسرائيل لم 'تصرخ' كالعادة ولم تهدد بالويل والثبور. علماً انها اعتبرت دائماً هذا الامر خطراً عليها. في حين انها هدّدت وتوعّدت حين اثير موضوع حصول الحزب على صواريخ 'سكود'. ما السبب في رأيك؟ اجاب: 'اعتقد ان السبب كان الرغبة في منع تسليم سوريا الحزب في لبنان صواريخ 'سكود' لأن اضرارها كبيرة. وكان السبب ايضاً ان ما تسلمه 'حزب الله' من صواريخ مضادة للطائرات لا يشكل حتى الآن على الاقل خطراً كبيراً على طائراتها الحديثة.

هل تريد تركيا ان يطردها حلف شمال الاطلسي من صفوفه؟' سأل. اجبت: اعتقد ان تركيا لا تريد قطع علاقاتها مع اسرائيل ولا تستطيع قطعها، لاعتبارات كثيرة ومتنوعة. وربما يسري ذلك على الحلف المذكور. لكنها تبحث عن دور. علّق: 'تحتاج تركيا الى اموال السعودية لتنفيذ امور عدة في المنطقة'.
ماذا في جعبة عدد من العارفين في العاصمة الفرنسية باريس التقيتهم اثناء توقفي القصير فيها في طريق العودة الى بيروت؟
قال هؤلاء 'ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مشغول بهمومه الداخلية، اذ ان عنده مشكلات كثيرة. يريد طبعاً ان يكون له دور شرق اوسطي مهم. علاقته ممتازة مع اسرائيل. يريد ان يخدمها. حاول ثلاث مرات، سواء مع الرئيس ميشال سليمان او مع الرئيس سعد الحريري، تشجيع لبنان على بدء مفاوضات سلام مع اسرائيل. لكنه فشل. لذلك لم يعد كثير الاهتمام (الفعلي) بلبنان. اهتمامه بسوريا اكبر. ذلك انها تستطيع ان تلتزم وان تعطي وخصوصاً ان دورها اللبناني قوي وكبير. صحيح ان سوريا لم 'تمشِ' مع ساركوزي في موضوع اسرائيل وموضوعات اخرى. لكنها تتعاون مع فرنسا استخبارياً وعلى نحو جيد، وهذا امر مفيد'.
ماذا عن السعودية وسوريا من باريس؟ اجاب هؤلاء: 'حتى لو نشبت خلافات قليلة بينهما فإنها لن تؤثر على مصالحهما. لبنان لم يكن سبب هذه المصالحة بل ايران والعراق. السعودية 'ساذجة' احياناً. ظنت انها قادرة على فصل سوريا عن ايران، وخصوصاً بعدما تناقضتا في العراق في اثناء الانتخابات التشريعية الأخيرة. لكن سوريا ستُبقي السعودية الى جانبها بوسائل عدة. وهي بارعة في ذلك. قد يكون لبنان 'أُعيد' مجدداً الى سوريا من السعودية وغيرها من الدول الكبرى'.
ماذا عن المحكمة 'الدولية'، اي الخاصة بلبنان؟ اجابوا: 'المحكمة الدولية صعبة. حتى الآن لا يبدو انها تملك قضية صلبة. ربما لديها اشتباه في عناصر من 'حزب الله'. لكن ماذا عن المُقرِّر والمُخَطِّط وسائر المنفذين؟ لن يقبل الحزب ان تُحصَر التهمة به او ان يتواطأ الجميع لإلباسه التهمة. وقد يفعل الكثير. الحرب الاسرائيلية على لبنان نوع من 'البعبع'. لكنها مستبعدة. اما الحرب مع ايران فلا احد يعرف شيئاً أكيداً عنها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد