- صحيفة 'الديار'
كمال ذبيان:
بعد توقف الاشتباكات وبدء الاتصالات السياسية بين الحزب والجمعية طلب السيد نصرالله من عضو المجلس السياسي للحزب الشيخ عبد المجيد عمّار والذي يتولى ملف الاتصال بالقوى الاسلامية تحضير اجتماع بينه وبين رئيس الجمعية الشيخ حسام قراقيره بأسرع وقت ممكن لانه لا يجوز ان لا يلتقي الحلفاء فورا من اجل معالجة ما جرى وقد جرت اتصالات سريعة، حيث تم تأمين اللقاء الذي جمع الى جانب السيد نصرالله والشيخ قراقيرة كل من الشيخ عمّار ومسؤول لجنة الارتباط في &laqascii117o;حزب الله" وفيق صفا والشيخ اسامة السيد عضو قيادة جمعية المشاريع.
اللقاء الذي اتصف بالصراحة طرح ما حصل في برج ابي حيدر بكل تفاصيله وتم التوقف عند ما صوّرته &laqascii117o;كاميرات" جمعية المشاريع وجرى التطرق الى ان مسؤول &laqascii117o;حزب الله" محمد فواز حضر لإنهاء الاشكال وقد تنقل بشكل طبيعي بالقرب من الجمعية دون شعور بخوف او قلق لأنه كان يعمل على حل مشكلة فردية وشخصية حصلت في المنطقة بين عنصر من الحزب وآخر من &laqascii117o;الاحباش".
وتقول مصادر المجتمعين ان السيد نصرالله كان متأثرا ومتألما لما حصل وهو مع الشيخ قراقيرة وكانا في حالة ذهول واستغراب لما وقع، كما كان مسؤولو الطرفين اثناء وقوع الحادث لذلك تم التأكيد خلال اللقاء على ان لا خلفيات سياسية او مذهبية لما جرى بين ابناء الصف الواحد وان الطرفين اكدا على ضرورة الخروج السريع والنهائي من هذا الحادث الذي بدأت اطراف معروفة الاهداف والارتباطات استغلاله واللعب على الوتر المذهبي وعلى موضوع المقاومة وسلاحها.
فالسيد نصرالله والشيخ قراقيرة صمما على طي صفحة الماضي وقد اتخذا اجراءات تقوم على ضرورة احصاء الاضرار والتعاون في هذا الاطار مع الجيش والاجهزة الرسمية التي كشفت عن الاضرار من اجل ان تقوم لجنة مشتركة من الحزب والجمعية بدفع تكاليف الاضرار على المتضررين مهما كان حجم ضررهم لإقفال باب الاستغلال لهذا الجانب وتحريك مشاعر المواطنين ضد الطرفين معا. (..)
وكشفت هذه المصادر ان لقاء نصرالله وقراقيرة وقبله لقاءات المندوبين من الطرفين انعكست بشكل ايجابي على الارض وتم تنفيس الاحتقان الشعبي الذي تراجع وهو حدّ من محاولات الاستغلال لدى بعض الاطراف.
ـ صحيفة 'المستقبل'
لعنة اسمها سلاح الطوائف
مصطفى علوش (عضو المكتب السياسي لتيار 'المستقبل'):
عشية اعتداءات السابع من أيار، اجتمعت نخبة من أساتذة الجامعات في طرابلس لتكريم المنضمين الجدد الى الكادر الجامعي، طلب مني يومها الكلام في المناسبة، فتحدثت عن قوة العلم في مواجهة الجهل وقوة المنطق في مواجهة الغوغاء وقوة العقل في مواجهة سلاح الفتنة الذي انتشر في السابع من ايار ليملأ ساحات العاصمة حقداً وردة مذهبية، صفق لي الحاضرون على مضض احتراماً لموقعي ولكن اجتمع حولي بعدها عدد من الأساتذة الجامعيين المخضرمين ليقولوا لي: 'مع احترامنا لما قلته في كلمتك فهو من الناحية العملية ساقط لأن مواجهة السلاح المذهبي في غياب السلطة الجامعة التي وقفت وقفة المتفرج تكون فقط بالسلاح المذهبي'.
بصراحة لم يفاجئني هذا الموقف، ولكنه أرعبني مع ذلك لأنه اذا كان هذا هو موقف النخبة المتعلمة من اللبنانيين فكيف يكون الموقف عند عامة الناس؟!
ولم يفاجئني لأنني أنا نفسي في لحظات ضعف فكرت بأن الوسيلة الوحيدة لحماية المواطنين من سلاح البلطجية القابض على حياتهم الحرة والكريمة تحت مسميات متعددة منها المقاومة، وفي ظل تلكؤ السلاح الشرعي عن القيام بدوره، هي بقيام وسائل حماية ذاتية قادرة ومدربة ولو تحت شعارات مذهبية، ولكنني، أنا من عاش تجربة الحرب الأهلية في شبابه، عادت إليّ رؤية الآلاف من أفراد الميليشيات يتجولون بثيابهم المرقطة وكوفياتهم الملونة بشتى الألوان الحزبية، وسياراتهم العسكرية التي تعلوها مدافع رشاشة من مختلف العيارات تزورب بين الأحياء والأزقة.
(...) لماذا هذا الكلام الآن؟ لأن ما أفرزته أحداث الأسبوع الماضي في برج أبي حيدر، وانفلات الغرائز المذهبية التي توجتها مسألة إحراق المساجد، قام، وربما بشكل مقصود، يإبقاظ وحش كنا ظننا أنه مات ودفناه عشية يوم 14 آذار يوم تاب معظم اللبنانيين عن آثامهم الطائفية وأخطائهم المذهبية. قد يكون هذا في الواقع من المستحيلات، لأن استمرار وجود السلاح خارج سلطة الدولة ومعقود اللواء لسلطة الطوائف والمذاهب لا يزال يشكل عائقاً كبيراً في وجه قيام السلطة الجامعة التي تغني أبنائها عن سلاح طوائفهم.
ولكن في الواقع، فإن سلاح الطوائف لم يؤمن يوماً الحماية لهذه الطوائف بل على العكس، فقد خلق بيئة متوترة داخل كل طائفة والتي سرعان ما تنقلب الى الأذية والتنكيل ضمن طائفتها لتصبح عبئاً ثقيلاً عليها عاجلاً أم آجلاً.
- صحيفة 'السفير'
موسى الصدر: وثيقة إيمان بالإنسان
محمد ع درويش:
يعتبر الإمام السيد موسى الصدر من كبار الأئمة المجددين الذين انخرطوا في العمل من أجل الإنسان وخيره ومن أجل إعمار الأرض. ولم يكتف بالتنظيرات والكلام المجرد بل نزل إلى أرض الواقع، وخاض في مشاكل الناس، وسعى إلى ترجمة الرسالة الدينية إلى الحياة. لذلك جاهد الإمام من اجل الفقراء والمحرومين والمستضعفين، ومن أجل إحقاق وإعادة الكرامة إلى الإنسان أشرف مخلوقات الله.
لكن هذا لم يمنع الإمام من أن يمد الفكر الإسلامي بالكثير من الاجتهادات الكلامية والفقهية. فقد كان من أوائل الذين ساهموا في إطلاق الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان. فكان مع رفاقه الدكتور حسن صعب والمطران جورج خضر والأب يواكيم مبارك والشيخ صبحي الصالح والأب فرنسوا دوبره لاتور ويوسف ابو حلقة ونصري سلهب أول من وقعوا بيانا في الثامن من تموز 1965 في اطار المحاضرات التي نظمتها &laqascii117o;الندوة اللبنانية" عن &laqascii117o;المسيحية والاسلام في لبنان". هذا البيان يشكل نقطة البداية الفعلية للحوار الاسلامي المسيحي في لبنان لما تضمنه من تأكيد على الثوابت المشتركة في المسيحية والاسلام.
يؤكد الامام السيد موسى الصدر والدكتور حسن صعب ورفاقهم على البيان:
&laqascii117o;تلاقي الديانتين في ايمانهما بالله الواحد وبقيامهما معا على تعزيز قيم روحية ومبادئ خلقية مشتركة تصون كرامة الانسان وتعلن حقه في الحياة الفضلى، وتنهض بالأرض وما عليها في محبة وسلام ووئام". كذلك أعلنوا &laqascii117o;إنهم لعلى يقين بأن لبنان هو الموطن المختار لمثل هذا الحوار المسيحي الإسلامي، وبأنه حين يجدد وعيه بتعاليم هاتين الرسالتين يسهم في تجديد طاقة الإنسان الروحية وصونها" وتعاهد الرفاق الله على &laqascii117o;تحقيق لقاء اخوي مستمر ينهلون خلاله من معين الديانتين العالميتين، وتعلم فيه كل فئة بتعاليم دينها جاهدة في تفهمها لما انطوت عليه الديانة الأخرى من عبر وعظات ونظم تقرب الإنسان من أخيه الإنسان، وعلى توسيع نطاق هذا اللقاء حتى يضم العناصر التي تبدي استعدادها للإسهام في تركيزه وتعميمه، وعلى السعي الدائب لإزالة الحواجز التي نصبتها عوالم مفتعلة يبرأ منها دين الله الحق.
نستشف من بيان الإمام السيد موسى الصدر والدكتور حسن صعب والمطران جورج خضر ورفاقهم عدة خلاصات، أبرزها:
أ ـ الإيمان المشترك المسيحي الإسلامي بالله الواحد. ولو تعددت التعبيرات عن الله، فالله واحد لا يحده تعبير واحد.
ب ـ الدين واحد، ولو تعددت الديانات. فالبيان بعد أن يتحدث عن ديانتين عالميتين تحملان رسالتين، يصل إلى القول بـ&laqascii117o;دين الله الحق".
ج ـ إن الديانتين المسيحية والإسلامية جعلتا لخدمة الإنسان وصون كرامته وحقه في الحياة الفضلى والسلام والمحبة والوئام، وجعلتا أيضا لإعمار الأرض والنهوض بها.
د ـ تدعو الديانتان إلى قيم روحية ومبادئ خلقية مشتركة، وتدعوان إلى التقارب بين المسلمين والمسيحيين والإفادة المتبادلة من العبر والعظات والنظم التي تنطوي عليها كل من الديانتين.
هذه الثوابت الأربعة شكلت جوهر رسالة الإمام موسى الصدر والدكتور صعب ورفاقهم. وهو لم يتوان يوما في خطبه وتصريحاته ومحاضراته، عن الاستمرار في التأكيد وإعادة التأكيد عليها. فها هو في كنيسة الكبوشيين، قبيل اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، يعلن ان &laqascii117o;الأديان كانت واحدة، لأن المبدأ الذي هو الله واحد. والهدف الذي هو الانسان واحد. وعندما نسينا الهدف وابتعدنا عن خدمة الانسان، نبذنا الله وابتعد عنا فأصبحنا فرقا وطرائق قددا، وألقى بأسنا بيننا فاختلفنا ووزعنا الكون الواحد، وخدمنا المصالح الخاصة، وعبدنا آلهة من دون الله، وسحقنا الانسان فتمزق".
اللقاء لخدمة الانسان بالنسبة إلى الامام الصدر، يؤدي إلى اللقاء في الله. ففي المحاضرة عينها، يدعو إلى العودة إلى الطريق السوية، متوجها إلى المسلمين والمسيحيين: &laqascii117o;اجتمعنا من اجل الإنسان الذي كانت من اجله الأديان، وكانت واحدة آنذاك (...) نلتقي لخدمة الإنسان المستضعف المسحوق والممزق لكي نلتقي في كل شيء، ولكي نلتقي في الله فتكون الأديان واحدة". وبالنسبة إليه أيضا، &laqascii117o;كانت الأديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد. دعوة إلى الله وخدمة للإنسان، وهما وجهان لحقيقة واحدة".
مما يعني ان الإيمان بالله لا يكون حقيقيا الا إذا سبقه الإيمان بأن الدين جعل لخدمة الإنسان، لا الانسان لخدمة الدين، وبأن الدين الذي لا يرفع من شأن الانسان وكرامته ليس دينا الهيا، والله بريء منه إلى يوم الدين.
يتابع الامام الصدر في محاضرته نفسها تأسيس قاسم مشترك بين الاسلام والمسيحية هو الانسان &laqascii117o;المخلوق الذي خلق على صورة خالقه في الصفات، خليفة الله في الأرض. الانسان هذا، هدف الوجود، وبداية المجتمع، والغاية منه، والمحرك للتاريخ". يستعمل الامام، هنا، تعبيرين لاهوتيين، الأول مسيحي والثاني إسلامي: الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، قمة الخلق في الرواية الكتابية (سفر التكوين، 1 26)، والإنسان خليفة الله في الأرض (سورة البقرة، 2 30) الذي سخر له الله الأرض والسموات وجميع المخلوقات.
يؤكد الإمام الصدر على ان &laqascii117o;الإسلام هو دين التوحيد"، وله طابعه الخاص الذي يميزه عن سائر &laqascii117o;الرسالات السماوية". أما منطق الإسلام حول الأديان السماوية، بحسب الصدر، فموجود في القرآن الذي يعلن ان &laqascii117o;رسالة محمد هي العقد الأخير في سلسلة الأديان الإلهية وأن محمدا هو خاتم الأنبياء، مؤمن بهم ومصدّق بأنهم رسل ربه". ويتابع الامام قائلا ان القرآن يؤكد &laqascii117o;ان دين الله واحد ويسميه بالاسلام ويعتبر ان جميع الانبياء كانوا يبشرون به، وجعل الله منهم شرعة ومنهاجا". ويقر بأن القرآن &laqascii117o;ينقل عقائد وأحكاما وقصصا تربوية عن الرسالات السماوية السابقة، ويعتمد عليها". ولا يجد في ذلك غرابة، اذ تتشابه &laqascii117o;العقائد والاحكام والاخلاق الاسلامية مع غيرها".
نستخلص من أقوال الامام عدة نقاط يعتبرها من الثوابت.
ـ ثمة &laqascii117o;رسالات سماوية" و&laqascii117o;أديان سماوية وإلهية" غير الاسلام، والاسلام نقل عن هذه الرسالات السماوية بعض التعاليم والمرويات النافعة في التربية وترسيخ الإيمان.
ـ تعددية الشرائع والمناهج الإلهية، وهذا مبدأ قرآني بامتياز: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) (المائدة، 5 48).
ـ توافق الاخلاق الاسلامية مع غيرها من الاخلاق التي نشرتها الأديان السابقة. وفي محاضرة أخرى، يعرض الامام نظرته إلى موضوع تتالي الأديان السماوية، فيقول ان &laqascii117o;الرسالات الالهية ذات اطوار ثلاثة تبدأ برسالة الضمير الانساني، تليها رسالة الأنبياء، وأخيرا رسالة التجارب المريرة والصعوبات والمشاكل التي يعانيها الانسان والتي هي محركات لدفع الانسان إلى الخير والكمال، ثم يشرح بإيجاز ما يقصد قوله بالأطوار الثلاثة. فيعتبر ان الله، في الطور الاول، خلق الانسان فطرة سليمة وضميرا واعيا هو رسوله الاول (أي الضمير) يهدي الانسان سواء السبيل، ويشعره بأنه جزء من الكون يكمل بعض أجزائه ويكتمل بها. ويستشهد بالآية القرآنية القائلة: (كان الناس أمة واحدة) (البقرة، 2 213).
وعندما سيطر الجهل على الإنسان فانحرف صانعا من نفسه ومن أسرته ومن قبيلته ومن عنصره اصناما عبدها وجعلها آلهة من دون الله الواحد، حل الطور الثاني، طور الانبياء. ويستشهد الامام ببقية الآية القرآنية المذكورة آنفا: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه) (البقرة 2 213). لقد بعث الله الرسل والأنبياء لهداية الناس وإرشادهم إلى طريق الحق.
لكن الانسان جعل من الدين او المذهب مركبا جديدا للخلافات وتعبيرا قويا عن أهوائه وأنانياته، فأثار فتنا وحروبا ومشاكل وأزمات. هذا هو واقع العالم اليوم الذي نجد فيه أناسا مختلفين نذروا أنفسهم لخير الانسان ونسوا مصالحهم وحاجاتهم في سبيل الانسان. ويذكر من هؤلاء الناذرين أنفسهم &laqascii117o;القديس العظيم، العظيم جدا، يوحنا الثالث والعشرين"، والبابا بولس السادس، والبطريرك المسكوني اثيناغوراس، والسيد محسن الحكيم المرجع الاول للشــيعة في النجف الذي حج إلى مكة المكرمـة في تلك السنة (1964). هذا هو الطور الثالث.
اما في ما يتعلق برسالة الأنبياء، فيقيم الإمام مقارنة بين ما ورد في الانجيل والقرآن، ليبين أوجه الاتفاق بينهما. فيرى ان غاية رسالات الانبياء &laqascii117o;التخلق بأخلاق الله، والوصول إلى مقام خلافته في طريق ليس فيها فشل بل كلها نجاح". وقد دعا هؤلاء الانبياء إلى احترام حرية الإنسان، معتبرا أن &laqascii117o;من كان حرا من نفسه وأهوائه فلن تصطدم حريته مطلقا حرية الآخرين". من أبرز الآيات التي يقابلها الإمام الصدر نستل اثنتين متقاربتين هما الآية القرآنية: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (المائدة، 5 69)، والآية الإنجيلية: &laqascii117o;ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر ولا أنثى لأنكم جميعكم واحد في المسيح يسوع. فإذا كنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل ابراهيم وورثة بحسب الموعد" (رسالة بولس إلى أهل غلاطية، 28 ـ 29).
ويحتل السيد المسيح في فكر الامام موسى الصدر موقعا مميزا. فهو الثائر على النظم الظالمة، ومحرر الانسان من جمود المجتمع الديني، وهو، على مثال الحسين بن عليّ، شهيد الإنسانية وفاديها، وها هو ينتهز تصادف ذكرى ميلاد المسيح وذكرى عاشوراء في الفترة ذاتها ليوجه رسالة إلى اللبنانيين في خضم الاحداث العاصفة بهم، يستخلص فيها معاني المناسبتين وحاثا إياهم على المودة والعمل من أجل السلام.
يتبين ان فكر الامام ما زال حاضرا ومفيدا لنا اليوم، حيث تسود ثقافة العولمة والأحادية الثقافية. فالإمام يدعو إلى احترام التعددية الدينية والثقافية، والحفاظ على الخصوصيات الدينية. اما في موضوع الانسان فيبدو ثائرا على الفكر الديني الجامد في المسيحية وفي الإسلام، داعيا إلى إعادة الدور الأساسي الذي خلق الإنسان من اجله، أي اعمار الأرض والعمل من أجل خير الانسان، إلى أي دين او قوم انتمى.
- صحيفة 'النهار'
فردي... جماعي كيف؟
عادل مالك:
يوماً بعد يوم يصعب تصديق الرواية القائلة بأن ما حدث في برج أبي حيدر والجوار 'عمل فردي'.
وفي سبيل وضع الأمور في نصابها بعيداً من المبالغة في جانب ومن الإفراط في نظرية المؤامرة في جانب آخر، نحاول إجراءَ قراءَة تحليلية هادئة لما حدث على رغم كل هذا الجو العاصف من حولنا.
&bascii117ll; أولاً: إذا كان إطـلاق توصيف العمل الفـردي على ما جـرى في تلك الليلة لتخفيف وطأة ما حدث وهوله، فان ما أدت إليه هذه التطورات الدراماتيكية من نتائج تتخطى الحدود الضيقة التي يحاول البعض إسباغها على تلك الأحداث. وإذا كان ما حدث هو فردي فعلاً وأدى إلى حال الذهول والوجوم في قلب العاصمة فكيف يكون العمل الجماعي إذاً؟
&bascii117ll; ثانيا: جرى كلام كثير على 'النيران الصديقة'. وإذا عرضنا واقع الحال يتضح فعلاً ان الفريق الذي تورط في النزاع المسلح ينقسم طرفين: أحدهم أنصار 'حزب الله'، وبعض أنصار 'جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية'. في حين أن معلومات تحدثت عن مشاركة طرف آخر 'خفي'، من نوع الطابور الخامس. وإذا ما تأكدت هذه المعلومات بنتائج التحقيق يجب اتخاذ الحيطة والحذر لعدم تكرار ما حدث، لانه إذا ما تكرر هذا الأمر فهو يعني بوضوح الإيقاع بين أهل بيروت على اختلاف انتماءَاتهم. ويقول ناطق باسم الحزب ان سلاحه يتوجه فقط نحو إسرائيل، ولكن 'عليه أن يغطي كل لبنان، وهو سلاح شرعي وضد الفتنة على امتداد الوطن'. ويضيف: 'ان الحزب سيتعاون مع اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراءَ لضبط ظاهرة تفشي السلاح، لأن هدفنا الأول أن تكون بيروت آمنة ولن نسمح لأي فتنة بالدخول إليها'.
والسؤال هنا: هل تسلل فريق ثالث في عتمة ذلك الليل ليغطي سماءَ العاصمة بيروت بنيران الأحقاد والضغائن وان تلقى القنابل على دور العبادة إمعاناً في تركيب عناصر المؤامرة؟
&bascii117ll; ثالثا: لقد أعادت الأحداث السجالات الداخلية حول ضرورة وجود سلاح 'حزب الله' في قلب بيروت إذا كان هدفه مواجهة إسرائيل؟ وهنا تختلف الإجابات.
أحد نواب 'حزب الله' (الوليد سكرية) شرح مسألة انتشار سلاح المقاومة في لبنان ككل 'لأن الحرب مع إسرائيل ليست محصورة في الجنوب فحسب، بل هي على امتداد الأراضي اللبنانية، إذ ماذا يمنع إسرائيل ان تقوم بعمليات إنزال في بيروت أو البقاع أو في غيرهما من المناطق وهي عمليات شهدناها في حرب تموز 2006 كما أن قيادات في المقاومة قد اغتيلت في شوارع بيروت'.
وتختلف الآراءَ حول دور سلاح 'حزب الله' في قلب العاصمة وهناك أصوات تطالب بتنظيم السلاح وضبطه أولاً قبل العمل على نزعه من الأفراد والجماعات.
&bascii117ll; رابعاً: الرئيس نبيه بري الذي اضطلع بدور حيوي وبارز في وقف امتداد النار والحرائق يعتبر ما حدث 'إشكالا بين أخوة'. وكرر الدعوة الى الاستفادة القصوى من الجسر السوري – السعودي في التنسيق من أجل وأد الفتنة في لبنان عبر التمييز بين القرار الظني والمحكمة الخاصة بلبنان. وهنا ندخل في متاهات تفسير الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى أحداث برج أبي حيدر. لكن الرئيس بري يعلم جيداً انه اذا كان الأمر إشكالا بين الأخوة وأدى إلى ما أدى إليه فكيف يكون الإشكال بين الأعداءَ؟ كي لا نستعمل تعبير الأعدقاءَ؟
وفي سياق الأحداث اختلفت التقديرات في توصيف أنواع الأسلحة التي استخدمت وللرئيس عمر كرامي رأي خاص في الأمر إذ يرى 'أن ما ظهر منه كان كلاشنيكوف أو آر. بي. جي. هو سلاح خفيف'، ويتساءل: 'كيف تريدون الدخول إلى كل بيت لمصادرة السلاح وان صادروه سوف يتجدد في اليوم التالي في مكان آخر'. وهو يرى 'أن الحادث فردي وتم استغلاله لأن الأوركسترا المذهبية والطائفية كانت جاهزة'. قد يكون هذا الكلام صحيحاً ولكن ماذا ينفع النفخ في نار الفتنة؟
&bascii117ll; خامسا: نكتب هذه السطور واللجنة التي ألفها مجلس الوزراءَ من الرئيس سعد الحريري، والوزيرين الياس المر وزياد بارود مجتمعة لإعداد استراتيجية معينة لجعل بيروت عاصمة منزوعة السلاح. ويرى الوزير بارود أن اللجنة التي تألفت 'لن تجترح العجائب بل ستقوم بالحد الأدنى المطلوب من الدولة وان ما تقوم به يبقى أفضل من ألا نعمل شيئاً ويبقى الفراغ'. وقد حاول البعض النيل من تصريح وزير الداخلية، إلا ان الإنصاف يقتضي القول ان ما أشار إليه الوزير بارود هو الواقعية بعينها من دون مبالغة، ومع ذلك فهو يرى 'أن حكومة الوحدة الوطنية الحالية هي الحكومة المؤهلة لمعالجة موضوع بمثل هذه الحساسية والدقة وليس أي حكومة سواها'. وتقتضينا المصارحة القول أن طرح الرئيس سعد الحريري بيروت عاصمة منزوعة السلاح يمثل تحدياً كبيراً لهيبة الدولة ولقدرتها على التنفيذ، خاصة وان رئيس الحكومة كان حازماً في تحذيره وجاداً في تهديده بأن اللجنة سوف تتخذ قرارات، وأن القرارات ستنفذ. وسيواكب الجميع ما ستقوم به اللجنة خطوة خطوة للتأكد من مدى جدية التنفيذ هذه المرة، ذلك ان الرئيس الحريري يعلم ولا شك أن هناك غابة من الأسلحة في قلب بيروت.
&bascii117ll; سادساً: في السياق العام للأحداث في لبنان جرى تبادل كلام مهم وذي دلالة في قصر بيت الدين على هامش لقاءَ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والأستاذ وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان. وخلال توقيع الوفد المشترك في بلدة بريح نسب إلى الرئيس سليمان قوله: 'ان الظروف التي أدت إلى التهجير والقتال كانت أقوى منا جميعا وهي نفسها التي أدت إلى حوادث برج أبي حيدر'. وأضاف: 'هناك من يريد أن يزعزع هذا الوطن ويخرب أساساته وتركيبته، ولكن من هنا من الجبل انطلق العيش المشترك والعيش الواحد وعود على بدءَ'. كما تطرق الحديث إلى بعض المحطات التاريخية فقال الرئيس سليمان: 'كل ما بقي في لبنان منذ 1943 كان على أساس الوفاق ودائماً هناك أياد تخرب، وتقع اشتباكات وخلافات وتعود إلى الوفاق، وصيغة لا غالب ولا مغلوب لم تتغير منذ العام 1958 إلى الطائف إلى الدوحة'.
ويقول وليد جنبلاط: 'نريد العيش معاً، إلى أين سنذهب؟'. في تعليق له على توقيع 'آخر وثائق' عودة المهجرين في بلدة بريح بعد طول شقاءَ وعذاب.
&bascii117ll; سابعاً: في حساب الخسائر والأرباح، مع العلم أن لا وجود 'لأرباح' في كل ما جرى إلا لمن يتربصون بالوطن شراً، والخاسرون هم كثر. وعندما تصاب العاصمة بيروت في صميمها كأن لبنان أصيب في صميمه. وهناك أحزاب فاعلة كـ'حزب الله' و'جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية' وغيرها مطلوب منها استدراك الأمر ووقف الانهيار عند درجة معينة. فمن هو صاحب المصلحة في إحراق أحد المساجد؟ وفي إحراق هذا العدد الكبير من الأبنية والسيارات؟.
وعدنا لنسمع التعابير نفسها: طابور خامس... فريق ثالث، وعناصر غير منضبطة، إلى آخر ما هنالك.
وبعد كل ما حدث يقال: حادث فردي... وكان خلافاً على موقف !
ان في مثل هذا الكلام استخفافا بعقول جميع سكان العاصمة وأنحاءَ الوطن.
&bascii117ll; ثامناً: هل طرح السياسيون بأي لون ارتبطوا ورجال الدين إلى أي مذهب انتموا، على أنفسهم السؤال عن الحدة في النبرة العالية في الأحاديث السياسية والدينية وكلها أو معظمها يعتمد التأجيج في إطلاق الدعوات التي تثير الغرائز وتحرك النزوات وفي مثل هذا الكلام الكثير من المسؤولية في ما حدث وما يمكن أن يحدث.
أن تجهيل الفاعل الحقيقي لمن كان وراءَ أحداث برج أبي حيدر لا يؤدي إلا إلى المزيد من البلبلة وإثارة القلق والمزيد من الصخب في لغة التخاطب بين اللبنانيين إلى أي اتجاه أو مذهب انتموا.
على أن المنحى الخطر الذي اتجهت إليه أحداث الأيام الماضية هذه الحملة المركزة على الجيش اللبناني واتهامه بالتقصير في معالجة ما جرى. وأننا بتواضع لا نريد الاشتراك في حملات التصعيد والتي تحرص على التمييز بين موقف الجيش وموقف قوى الأمن الداخلي، إذ أن وتيرة تحرك القوات الأمنية تفرضه أصول عمل قوى الأمن أولاً مدعومة بالجيش، أما التركيز على الجيش بهذه الحملات الظالمة فلا طائل في هذه الحملات سوى تحريك المزيد من المشاعر لئلا نقول الغرائز أيضا.
وقائد الجيش العماد جان قهوجي رد على الاتهامات بالتأكيد أن الجيش تدخل فور وقوع الحادث وعمل على عزل منطقة التوتر عن المناطق الأخرى. ولكن ليس من الإنصاف تحميل الجيش مسؤولية الضحايا التي سقطت من جراءَ الاشتباكات.
وعودة على بدءَ.
إذا كان ما جرى في منطقة برج أبي حيدر حادثا فرديا أو عرضيا... سموه ما شئتم، إلا أن ذيول الحادث هي التي تتحكم بالمواقف الآن. وأن أي نفخ في التصعيد هو اشتراك في نهج تدميري متصاعد يهدد بأكل التطرف والاعتدال على حد سواءَ، لأن نار الفتنة لا تفرق في ما ومن تلتهم. وعلى اللبنانيين –البيارتة - وأهل سائر مناطق الوطن استدراك الموقف والتعالي إلى كلمة سواءَ، قبل ان تنهش نيران الأحقاد والضغائن مختلف الأطراف وساعة لا ينفع ولا ينجح التفريق بين فريق وآخر.
إن التركيز على التعرض للجيش الوطني من شأنه أن يؤدي بالبلاد والعباد إلى متاهات لا تحمد عقباها، وليس بطولة في شيء إطلاق التهم جزافاً على أفراد الجيش اللبناني الذي يدفع الغالي والنفيس للدفاع عن وطن لكل اللبنانيين...
تحذرون من الفتنة وهي بينكم جميعا تتحرك زارعة السم الزعاف بأفاعيها العاملة على كل الخطوط؟
وفي الكلام الأخير: إذا سلمنا جدلاً بان ما حدث كان فردياً أو عرضياً أو... فان النتائج التي أدى إليها تحتاج إلى سرعة معالجة واحتواءَ قبل المضي في 'توظيف' تداعيات ما حدث من طوابير خامسة وسادسة وسابعة.