قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 17/8/2010

- صحيفة 'الأخبار'
قرائن نصر الله وشهود الزور في الميزان
سلمان عبد الحسين(كاتب بحريني):

إذا خضنا في الجانب السيكولوجي للّذين حضروا مؤتمر السيد حسن نصر الله يوم الاثنين 9 آب، ومن يشبههم أو من هم صدى لهم في السياسة، يمكن تقسيم الحاضرين إلى أربع فئات في ضوء القرائن التي ساقها السيد نصر الله، والتي تقود إلى اتهام إسرائيل باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
الفئة الأولى: انطوى عندها جانب عدم التصديق قبل وقائع المؤتمر وأثناءه وبعده، مع ما تحمله من مشروع سياسي يفترض منها عدم التصديق حكماً، وهم صدى قوى 14 آذار في السياسة. وظهر ذلك في التشكيك في ما التقطته المقاومة من مسح جوي جغرافي لخط سير موكب الرئيس الحريري من جانب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، مشكّكة في أنّ هذا الشريط قد يكون مُمَنْتَجاً لمصلحة توظيفه في قضية اغتيال الحريري.
الفئة الثانية: هي الفئة التي كانت تتوقع أن يذهب نصر الله بعيداً، ويتحول إلى قاض ويصدر الإدانة الواضحة القائمة على الأدلة القطعية. و تضمّ أيضاً الذين طلبوا المزيد في ملفات أخرى كشهود الزور ومن فبركهم وآليات عمل المحكمة الدولية، بعدما أصبحت هذه الأمور من التابوهات المؤقتة كتعويض عن عدم قطعية القرائن التي ساقها نصر الله. وهؤلاء أيضاً لم يقدّروا عالياً ما أدلى به نصر الله في تلك الليلة المشهودة، مع كونهم ربما صدى لأهل البيت نفسه.
الفئة الثالثة: وهي الفئة التي تحسّبت لاختراق إسرائيل منظومة العمل الأمني لحزب الله إثر كشف السيد نصر الله هذا السر الخطير والخرافي في آلية عمل المقاومة، وهو بحق سر خطير وخرافي، فطمأنهم السيد نصر الله إلى أنه إذا راحت عين، فهناك عيون أخرى، وأن المقاومة تعمل على بصيرة من أمرها، وأن وحدة لبنان واستقراره يستحقّان التضحية بالدم، وليس فقط كشف سر خرافي من أسرار المقاومة.
هنا فقط، تقع المفارقة بين مَن لم يقدّر عالياً استعداد حزب الله لكشف أحد أسراره الأمنية البالغة الخطورة والأهمية، وبقي على عناده وتصوّره المسبّق في ما يتعلق بملف اغتيال الحريري، وبين من هوّل لكشف هذا السر، متناسياً أن قيادة المقاومة تعتمد التخطيط ووضع جميع الاحتمالات في الميزان، فضلاً عن البدائل المفترضة أثناء إقدامها على أية خطوة. وربما جاء التهويل من الاعتقاد المسبّق بعدم تقدير الآخر لما سيكشف من سر خطير واستثنائي، وعدم البناء عليه ليذهب هذا السر مجاناً.
الفئة الرابعة: وهي الفئة التي وزنت قرائن السيد نصر الله وكشفه للسر الأمني الخرافي بميزان العدل والحكمة والقانون، ووضعته في السياق الذي أراده تحديداً سيد المقاومة، فلم تعاند، ولم تطلب المزيد على ما قدّم، ولا هوّلت لكشف هذا السر الخطير، بل التقطت كل إشارات نصر الله على أحسن وجه وأحسن صورة، وبنت على الشيء مقتضاه.
بعد رصد هذه الفئات التي التقطت كلام السيد نصر الله في مؤتمره الصحافي، كل على طريقتها، صار لا بد من إنصاف الرجل وإعطائه حقّه في ما قدمه من معطيات وقرائن نوعية في تلك الليلة المشهودة، لعدم ضياع الحقيقة بين الأرجل، وعدم تحويلها إلى بازار تصفيات. وهنا يمكن تقرير مجموعة نقاط مهمّة:
النقطة الأولى: أنّ السيد نصر الله كان واضحاً في خطابه، وواقعياً في ما عرضه من قرائن اتهامية، ولم يذهب أبعد ممّا قرره لنفسه من مسار على مستوى ما يريده من عرض هذه القرائن. فقد قال قبل المؤتمر وأثناءه إنّ هذه القرائن تفتح آفاقاً لتحقيق جديّ قائم على فرضية اغتيال إسرائيل للرئيس رفيق الحريري، وهي ليست أدلّة قطعية.
وحسب الفهم الموضوعي: لا حاجة إلى الأدلّة القطعية من شخص ليس في وظيفة القاضي أو المدعي، بل ثمّة حاجة إلى فرش الفرضيات من خلال سَوْق الشواهد والقرائن التي قد ترجّح هذه الفرضية أو تلك بعد التحقيق التفصيلي الذي يقوم به طرف آخر غير السيد نصر الله.
النقطة الثانية: أنّ السيد نصر الله لم يترك كلامه عن القرائن، وعن عدم الإتيان بأدلة قطعية بلا سبب، بل ساق في أثناء الحديث السبب الذي جعل ما توصّل إليه في قضية اغتيال الحريري قرائن لا أدلة قطعية، وجاء بذلك من داخل بيئة الاغتيالات التي صفّت بعض القادة الأمنيّين لحزب الله والمقاومات الأخرى، كما حصل في اغتيال القائدين غالب عوالي وعلي صالح، والأخوين المجذوب، ليثبت السبب الذي جعل ما بيديه في قضية اغتيال الحريري قرائن لا أدلة قطعية! فماذا قال نصر الله؟
بشأن عملية أنصارية التي كانت السر الذي كشف فيه السيد نصر الله عن قدرة المقاومة على اختراق طائرة &laqascii117o;الإم ك" الإسرائيلية الاستطلاعية، وتحويل ما تبثه مباشرةً إلى غرفة عمليات القيادة في إسرائيل بعد دقائق فقط إلى غرفة عمليات المقاومة في جنوب لبنان. أكّد السيد نصر الله أن هذا السر الخطير لم يكن السبب الوحيد في مباغتة العدو وسحقه في أنصارية، بل أيضاً تقدير قيادة المقاومة بناءً على ما كشف من رصد جوي إسرائيلي لمنطقة العمليات المفترضة، أنّ هناك إنزال عناصر كوماندوز في هذه المنطقة، ومن ثم الكمون لأسابيع عدة لهم حتى لحظة تنفيذ العملية من الجانب الإسرائيلي، ليجري سحقهم بعد ذلك في موقعة أنصارية الشهيرة!
ولم يترك نصر الله الاستنتاج المضاد للآخرين. فقد أكد أن المقاومة بناءً على تقنية الاختراق المصاحبة لكل اختراق إسرائيلي للأجواء اللبنانية، استطاعت الحصول على الرصد الجوي الذي أجرته طائرة الاستطلاع &laqascii117o;الإم ك" لمنزل الأخوين المجذوب، ومنزل قائدي المقاومة علي حسن سلامة وغالب عوالي، لكنها لم تستطع منع تنفيذ العملية كما حصل في موقعة أنصارية، لأنّ توقيت الاستطلاع مختلف عن توقيت التنفيذ بفترات متباعدة، فضلاً عن تشفير البثّ الذي حصل من جانب إسرائيل بعد موقعة إنصارية، والذي أعاق المقاومة في أحيان كثيرة.
هذا يعني أنّ القرائن يمكن أن تقود إلى الإدانة في حال حصول جهد استخباريّ إضافي كما حصل في اعتقال العميل محمود رافع، الذي اعترف بالإعداد اللوجستي وإيواء العناصر الإسرائيلية التي اغتالت الأخوين المجذوب وقادة في المقاومة. لكنها لن توصل إلى نتيجة مع انعدام هذا الجهد، كما هي الحال في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظل المعطيات الجديدة التي ساقها السيد نصر الله عن المسح الجوي الإسرائيلي لمسار موكب الرئيس الحريري، ووجود العملاء التنفيذيّين الذين يقدّر السيد نصر الله سحب إسرائيل لهم لإخفاء معالم الجريمة، فيما تبقي على عملاء تنفيذيّين آخرين لتنفيذ جرائم أخرى في مواقيت مفتوحة، كما هي الحال بالنسبة إلى العملاء الذين راقبوا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وقائد الجيش جان قهوجي، والرئيس سعد الحريري نفسه، وكذلك قائد القوات اللبنانية سمير جعجع.
إذن: فالجهد المستجد الذي استجاب له حزب الله بطلب من أولياء دم الرئيس رفيق الحريري لإجراء تحقيق يساعد على معرفة القتلة عام 2005، ثم معاودة هذا الجهد بدافع ذاتي بعد انكشاف شبكات العملاء عام 2009 ووصول نوبة القرار الاتهامي باغتيال الحريري إلى حزب الله، أفضيا إلى هذه القرائن المهمة التي لا تحتاج إلى أدلة قطعية ليس في وسع الحزب توفيرها في بيئة ليست بيئته للإشارة بإصبع الاتهام إلى إسرائيل.
فحزب الله وفقاً لطبيعة عمله الأمني كان مختصاً في حماية بيئته الأمنية لا بيئة غيره، وهذا أمر طبيعي في ظل عدم توقع الاغتيال أو تعقّب خيوطه. فقد أتى حزب الله بشاهد من داخل بيئته المقاومة ليثبت أن إمكان مطابقة القرائن للأدلة القطعية في عمليات الاغتيال، لا يكون إلا بقطع الشوط كلّه في التحقيق والجهد الاستخباريّ الاستثنائي للوصول إلى ذلك، وهذا المصداق ينطبق حكماً على قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما عناه السيد نصر الله في مسألة فتح آفاق جديدة في التحقيق.
النقطة الثالثة: وهي حديث السيد نصر الله عن إهمال القنوات المعنية في لبنان لوجود العملاء التنفيذيّين لإسرائيل، ودورهم في الإعداد النوعي للجرائم الإسرائيلية في ظل ما يجمعونه من معلومات محدّدة عن أشخاص محدّدين، واستعراضه أكثر من عميل والدور المناط به، من الدور اللوجستي الذي يقضي بتسهيل وصول مجموعات إسرائيلية لتنفيذ عمليات الاغتيال ومغادرتها بعد ذلك عن طريق البحر، إلى نقل المتفجّرات والحقائب السوداء، وصولاً إلى مراقبة بيوت وخطوط سير مواكب الشخصيات السياسية، إضافةً إلى نوعية المعلومات المطلوبة عن هذه الشخصيات.
فهذه المعطيات المهملة من الأجهزة الأمنية اللبنانية حتى مع وجود العملاء في حوزتها، تشير إلى أن بيئة الاغتيالات سهلة جداً في لبنان، كما أشار إلى ذلك السيد نصر الله، وأن من له القدرة على تنفيذها، والمستفيد الأكبر من ذلك، هو إسرائيل، بالنظر إلى كمّ ونوعية شبكات التجسس التي تعمل لمصلحتها، وتعدّد جوانب اختصاصها والمهمّات التي تنفّذها، فلمَ لم يأخذ المعنيون هذه المعطيات بعين الاعتبار؟ وماذا لو قلب الدور، وكانت وراء هذا الدور الإجرامي جهات في الاتجاه المضاد لقوى 14 آذار؟ هل سيبقى سكون قوى 14 آذار كما هي عليه الآن؟
نعم، يمكن قياس رد فعل قوى 14 آذار فيما لو كانت الجهات التي تنفّذ هذا الدور الاستخباريّ الخطير غير إسرائيل، بالنظر إلى ما مارسته تجاه سوريا من اتهام سياسي مصحوب بالعداء في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بناءً على إفادات شهود الزور، وقبل شهود الزور أيضاً. وكيف لا تمارس هذا الدور وهي تطالب بنزع سلاح المقاومة الذي لا يستخدم في الداخل أبداً بناء على تصورات واهية، وبناءً على كيد سياسي وفخاخ تصنعها بنفسها للمقاومة، ولم يحصل ما تتوقعه باستمرار من استخدام للسلاح المقاوم في الداخل؟
فقد قلب لبنان رأساً على عقب، وعطلت العقول والإرادات، وكاد لبنان أن يقع في محذور الحرب الأهلية لمجرد اتهام سياسي. وفي المقابل: فإن معطيات حقيقية تخص إسرائيل، وضلوعها في اغتيالات عدة عبر أجهزتها التنفيذية، واختراقها العريض للساحة اللبنانية أمنياً واستخبارياً، لم تعرها هذه القوى اهتماماً، ولم تبنِ عليها فرضيات ووقائع كتلك التي بنت عليها اتهامها لسوريا باغتيال الحريري، وتغطي اتهام حزب الله حالياً بهذا الاغتيال.
ومع ذلك، ما زال حزب الله يقدّم الفرصة إليهم لسلوك الاتجاه الصحيح وتصويب المسار في قضية اغتيال الحريري بحديثه عن عميل الموساد غسان جرجس الجد، الذي كان حاضراً في مسرح جريمة اغتيال الحريري قبل يوم من عملية الاغتيال، مؤكّداً أنه مستعد لكشف معطيات جدية عن هذا العميل إذا وجدت لجنة تحقيق لبنانية، يمكن أن يثق بها حزب الله، ويسلمها هذه المعلومات، فضلاً عن المعلومات المرتبطة بتحليق الطيران الإسرائيلي في سماء لبنان في يوم وقوع جريمة الاغتيال، فهل تتلقّف قوى 14 آذار هذه الفرصة، أم تظل على منطقها القائل بتهاوي الحجج التي يسوقها حزب الله في اتهامه لإسرائيل باغتيال الحريري؟
فالتعاون مع معطيات حزب الله يمكن أن يعطي فرصة للتغطية على أسباب هرب أمثال هؤلاء العملاء الخطرين مع ما لهم من حيثيات مهمة في قضية اغتيال الحريري وكل الاغتيالات التي حصلت وستحصل في لبنان، من دون قدرة الأجهزة الأمنية على الاحتفاظ بهم حتى مع علمهم بحيثياتهم الاستخباريّة، وأدوارهم التي يقومون بها.
والتعاون أيضاً قد يغطي على الدعوة إلى التحقيق في أسباب انكشاف السواحل اللبنانية، وحتى مطار رفيق الحريري، أمام العناصر الإسرائيليين التنفيذيين الذين ينفّذون مهمّات الاغتيالات، والعملاء الذين يسهّلون لهم هذه المهمة، فيما عدم التعاون قد يقود إلى استنتاج أنّ قوى 14 آذار التي تحكم لبنان منذ عام 2005 حتى الآن متورّطة في خلق البيئة الحاضنة لوجود العناصر الأمنيّين الإسرائيليّين والعملاء الذين يسهّلون لهم تنفيذ مهمّاتهم!!
النقطة الرابعة: أنّ أهمّ خلاصة يمكن الخروج بها من المؤتمر الصحافي للسيد نصر الله، غير مسألة القرائن المرتبطة بفرضية اغتيال إسرائيل للرئيس الحريري، هي مسألة ما يُعدّ من اغتيالات جديدة لشخصيات سياسية كبيرة في التوقيت الذي يصنع التفجير، ويعطي مفاعيل سياسية وأمنية قريبة من مفاعيل اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
فالسيد نصر الله تكلّم عن الفارق في التوقيت بين تنفيذ جرائم الاغتيال والرصد الجوي لتحركاتهم وخطوط سيرهم، وكان أنموذج اغتيال الشهيدين المجذوب شاهداً مهمّاً في فارق التوقيت بين الرصد وتنفيذ المهمة الذي وصل إلى ثماني سنوات تقريباً.
وأخطر ما في كلام السيد نصر الله حديثه عن نماذج من الشخصيات المطلوب تعقّبها من جانب عملاء إسرائيل التنفيذيين، ومنهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، ما يعني أن هذه الشخصيات، في ظل الفصل بين الرصد والتنفيذ، هي مشاريع استهداف من جانب إسرائيل متى وجدت أنّ اغتيالهم يخلق عناصر تفجير في لبنان، تؤدي إلى تحقيق أهدافها، ولا يوجد مناخ سياسي يحقّق أجندة إسرائيل الأمنية غير مناخ الانقسام السياسي، فهل تعي الأطراف المتصارعة في لبنان هذه الحقيقة مبكراً أم تعيها متأخرة حينما تقع الفأس في الرأس؟
وهنا يمكن تقرير ملاحظة موضوعية مهمة. فإذا عجزت التحقيقات الحالية عن كشف تورط إسرائيل في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن القرائن التي ساقها نصر الله يمكن أن تؤدي إلى كشف جرائم الاغتيال المقبلة فيما لو حصل ذلك لا سمح الله، كما أنها يمكن أن تكون أداة تحصين للحالة اللبنانية الأمنية في ظل انكشاف آلية عمل الاستخبارات الإسرائيلية!
وقد يكون في هذه النتيجة جواب شافٍ عن سؤال الصحافية التي سألت عن إمكان منتجة شريط الرصد الجوي لطائرة الاستطلاع الإسرائيلية &laqascii117o;الإم ك" وهي ترصد رصداً دائماً مسار موكب الرئيس الحريري، والتي افترضت فيها أن إسرائيل كانت ترصد كل لبنان وليس فقط موكب الرئيس رفيق الحريري وخط سيره.
فليكن ذلك صحيحاً، فهذه لا تزيد قرينة نصر الله إلا قوة، إذا ما جرى البحث عن شرائط الرصد الجوي الأخرى لمواقع استهداف غير المواقع المشتغل عليها حالياً، والمرتبطة بقضية اغتيال الحريري تحديداً، فحين تقرّر القوى السياسية، وتحديداً قوى 14 آذار، التعاون مع حزب الله في ما يملكه من شرائط رصد جوي تابعة لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، يمكن اكتشاف خريطة الاستهدافات الإسرائيلية للشخصيات السياسية اللبنانية قبل وقوعها، وتكون أكثر من أنصارية قد وجهت ضربة قاسية إلى عمق العمل الإمني الاستخباريّ الإسرائيلي.
النقطة الخامسة: إذا قلنا إنّ هذه قرائن نصر الله، فهل قدمت قوى 14 آذار قرائن غير الاتهام السياسي وفبركة شهود الزور؟ من يتابع الشخصيات التابعة لهذه القوى وهي تقلّل من قيمة قرائن نصر الله، يعتقد أنّ هذه القوى لديها ما تقدمه إلى الرأي العام غير واقع الخيبة الذي ظلت تطبّل له طوال السنوات الخمس المقبلة، من الاتهام السياسي لسوريا باغتيال الحريري، وسقوط هذا الاتهام السياسي كسقوط أوراق الخريف، إلى فبركة شهود الزور وحمايتهم كأنهم أولياء دم القتيل، إلى الدفاع عن العمالة لإسرائيل وتوفير البيئة الحاضنة لها مع ما تمثّله من اختراقات أمنية خطيرة، فماذا عند قوى 14 آذار مقابل قرائن نصر الله؟ لا شيء، هذه هي الحقيقة التي دمغها نصر الله قبل مؤتمره الصحافي، حينما قال: سأقدّم قرائن لا اتهامات سياسية!
أخيراً: إنّ هذه القرائن التي لا ترقى إلى الأدلة القطعية قد تكون عنصر استدراج من جانب حزب الله لقادة قوى 14 آذار ليتمسكوا بمواقفهم التي لا تقوم إلا على أساس الاتهام السياسي، وإبقاء التابو قائماً على فرضية اغتيال إسرائيل للرئيس رفيق الحريري، بحجة أنّ السيد نصر الله لم يقدم جديداً، ما سيدفع الحزب في ظل خرق بعض شخصيات هذه القوى للتهدئة التي فرضتها القمة الثلاثية في بيروت في 30 تموز، إلى الذهاب إلى الملفات التي تدينهم، وتحديداً إلى ملفي شهود الزور والتدخلات الحاصلة في عمل المحكمة الدولية. فهل يستدرجون في الشق السلبي المفضي إلى مزيد من التأزيم السياسي، أم يستدرجون في الشق الإيجابي الذي يلتقط هذه القرائن كما هي، ويبني عليها في ظل الخلفيات السياسية والأمنية التي يمكن أن تحوّلها إلى أدلة قطعية.


- صحيفة 'النهار'
14 آذار... و'العقلية' المترددة
بقلم أيمن شروف(صحافي):

هل انتهت 14 آذار؟ سؤال يطرحه كثر من الذين ناضلوا للبنان حر، سيد ومستقل. في الآونة الأخيرة، احداث دراماتيكية حصلت في لبنان. 14 آذار تحديداً تتراجع اكثر فأكثر، دون أي مبرر، أمام الرأي العام على الأقل. تمريرات كثيرة أعطيت لها، كان يمكنها الاستفادة من واحدة منها على الأقل لتسجيل هدف، يعيدها إلى الملعب. إلى معركة 'السيادة'. رفضت، أو لم تحسن استغلالها. الحال واحدة. أخيراً خرج 'حزب الله' عن صمته في ما خص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بدأ حملة 'شعواء' على التحقيق الدولي، من دون أن يوفّر أحداً. كل الطبقة السياسية التي نشأت أو تكوّنت بعد 14 شباط 2005، أصبحت في قفص الاتهام. كل من نادى بالحرية تحوّل مذنباً. ليس فقط الطبقة السياسية. بل كل شاب وشابة شارك في صناعة عرس 'الاستقلال الثاني'. في مؤتمره الصحافي الأخير، قدم أمين عام 'حزب الله' السيد حسن نصر الله 'قرائنه'، ليقول من خلالها إن إسرائيل هي من اغتالت الرئيس رفيق الحريري. قدم افلاماً وما قيل إنها 'وثائق'، خرائط، تكتيكات، رصد جوي وبحري. قدرة الحزب كبيرة. لا شك في ذلك. وما على اللبنانيين سوى أن يتمنوا أن تُصبح دولتهم قريبة، من حيث 'الإمكانات'، مما لدى الحزب. لكن في معزل عن كل هذا، وبعيداً عن 'اتهام' من هنا أو هناك، قد يفرح به اللبنانيون جميعاً في حال ثبت 'الجرم' بحق عدوهم الأول والأخير إسرائيل، يُطرح سؤال من قبيل: ماذا فعلت 14 آذار في المقابل؟ باختصار: لا شيء. بل يبدو أنها تواصل مسارها الانحداري، ولم تعد تأبه لأكثر من مليون لبناني قادوا 'ثورة زعمائهم'. لقد أعطى أمين عام 'حزب الله' في ما أورده في مؤتمره الصحافي 14 آذار مجتمعة فرصة 'العودة' إلى شعارات غابت عنها بحجج متعددة. مرّة بذريعة 'التهدئة' و'الحفاظ على السلم الأهلي'، ومرات عدة بذرائع 'الواقع الإقليمي' المتحول والمتقلّب. ليس نقيصة أن تخرج 14 آذار وتطرح أمام الرأي العام وجهة نظرها، ولا تكتفي بالتعليق على 'أشرطة' و'أفلام' قدمها 'حزب الله'. واجب قوى الاستقلال أن تقول لمن آمن ويؤمن بخطها السياسي: نضال السنوات الماضية كان في محلّه، فلا تدعو الشك يأخذكم إلى مكان آخر. هذه القوى لم تتعلّم من تجاربها الماضية. لقد أنهت بيدها ما بدأ على يد الآخرين. هي تحولت من 'قرنة شهوان' و'المنبر الديموقراطي' ومجموعة من الذين لم ينضووا تحت شعار 'القرنة' و'المنبر'، ولكنهم التقوا مع 'شعاراتهما'، إلى قوى 'الاستقلال الثاني' بعدما طفح الكيل من ممارسات نظام أمني ووصاية خارجية، لم تأتِ من عدم. اليوم، هناك من يحاول، ويبدو أنه 'ناجح' في محاولته حتى الآن، إعادة الأمور إلى عهد سابق. هناك من خرج ليقدم لمن يدعي حرصه على 'ثورة الأرز'، فرصة استعادة المبادرة، كي لا تنتهي الثورة إلى فشل. ليس المطلوب أن تدافع 14 آذار عن إسرائيل (لا سمح الله). المطلوب منها أن تدافع عن دماء من سقطوا 'ليحيا الوطن'. 8 آذار تحاول اللعب على وتر استمالة الرأي العام بطريقة 'فيها' الكثير من الإقناع، فيما تقف 'قوى الاستقلال' حائرة، تكبل نفسها بحجج واهية، ليصبح حتى في مفهومها، أو في لاوعيها، الدفاع عن الذين سقطوا 'من أجل لبنان' مذمة، وعليها أن تحذر. جل ما هم بحاجة إليه، هو الخروج من عقلية 'الخوف من 7 أيار' جديد. أكثر من ذلك، 'أمّ الصبي' لا تقف مكتوفة الأيدي حين ترى طفلها تحت 'مقصلة' التسويات.


- 'النهار'

العمالة والبيئة الحاضنة
بقلم قيصر معوض( نائب سابق - مسؤول العلاقات السياسية في حزب الخضر اللبناني):

شكّل العدد الكبير من المتعاملين الذين وقعوا في شباك الاجهزة الامنية صدمة للعديد من اللبنانيين. اكثر من مئة وخمسين والسلسلة قد لا تكون في حلقتها الاخيرة. أرقام تخولنا الدخول الى موسوعة غينيس الى جانب 'الانجازات' الاخرى: فتوش، كبة، فلافل...بالطبع لسنا هنا لاطلاق الأحكام. فكل متهم بريء حتى تثبت إدانته والمحكمة وحدها لها الكلمة الفصل في هذا المجال. ما نريد التوقف عنده هو أسباب هذه الظاهرة وسبل معالجتها. طرح البعض نظرية 'البيئة الحاضنة' في تفسيره لهذه الظاهرة الخطيرة والمعيبة والتي يتوجب إجتثاثها دون هوادة او رحمة. بالطبع هذه البيئة ليست حكراً على طائفة أو مذهب أو منطقة. فالعميل لا دين له ولا طائفة. وقد أظهرت أسماء المتعاملين عدم اقتصارهم على طائفة دون أخرى. ما الذي يفسر اذاً هذا العدد الكبير، وما هي العوامل التي ساهمت في تكوين هذه البيئة الخصبة التي دفعت البعض في هذا المسلك المشين.
1. التباس الهوية وتعدد الانتماءات
منذ قيام لبنان الكبير هناك التباس في الهوية اللبنانية والانتماء. بين الانتماء للوطن الجديد أو البقاء جزءاً من عالم عربي أشمل، بين القومية اللبنانية الضيقة والقومية العربية الاوسع. ولم تغب النعرة الطائفية ولا المذهبية في تحديد الخيارات. فكان الانتماء للطائفة وغالباً المذهب هو العنصر الحاسم والبوابة الاساسية لتحديد الانتماء في مجتمع عششت فيه العصبيات الطائفية منذ 1840، ونخرته تدخلات القناصل 'حماة' هذا المذهب أو ذاك. وعند التباس الهوية يختلف تصنيف العدو والصديق أو الشقيق...
2. تعدد الولاءات
هناك ولاءات كثيرة في وطننا. ولاء طائفي – مذهبي – مناطقي – عشائري. لكن الولاء الوطني الواحد الجامع ليس دائماً في الصف الاول. النظرة الى الوطن هي نظرة المجموعة – الرعية لا نظرة المواطن الحر العاقل في وطن غابت عنه الدولة. وهنا أيضاً باختلاف الولاء تضيع الحدود بين العدو والصديق والشقيق.
3. غياب الدولة
عرف اللبنانيون السلطة السياسية اكثر من الدولة بمعناها الحقيقي الجامع والراعي لشؤون المواطنين. غابت الدولة التي تؤمن العلم والعمل والتقديمات الصحية والاجتماعية، غابت الدولة التي ترعى المواطن رعاية الاب الصالح، تحفظ له الكرامة والامان وتفتح له ابواب مستقبل واعد. دون ذلك لا شعور بالانتماء للوطن وبالطبع لا ولاء للدولة. هذا الغياب او على الاقل ضعف الدولة فاقم العاملين الاولين (عامل الهوية وعامل الولاء) خصوصاً أننا نعيش على فوهة بركان وسط منطقة تضج بالاحداث الجسام منذ 1947.استغل العدو الاسرائيلي والقوى الاقليمية الى أقصى حد هذه الثغرات وغدت قضية الهوية والانتماء والولاء صاعق تفجير عند كل منعطف تاريخي في منطقتنا وعمدت قبائلنا المتناحرة الى البحث عن 'حلفاء' في الخارج والاستقواء بهم على الآخرين.وشكلت مرحلة الحرب الاهلية وما بعدها الفترة الذهبية لتكريس مواقع 'الهويات القاتلة' وكتلة مصالحها على حساب دولة لم يسمح لها بالقيامة من بين الرماد.
4. النزعة الفردية
الى هذه العوامل الموضوعية العامة هناك نزعة الانانية والفردية وحب الظهور والسيطرة وخصوصاً شهوة المال في مجتمع استهلاكي انقلب فيه سلّم القيم والرتب الاجتماعية وبات المركز الاجتماعي رهناً بالثروة ومظاهر الغنى وليس بما يحمله الانسان من قيم فكرية وأخلاقية ودور بنّاء في مجتمعه. واصبح اللبناني على استعداد دائم للهاث وراء المال بأي ثمن (نظيف وغير نظيف) وإن على حساب الكرامة والشرف. في دولة لم تتحرك يوماً نياباتها العامة المالية لسؤال مسؤول او موظف من أين لك هذا؟ ولا ننسى في العامل الفردي 'الايديولوجيا السياسية والعقائدية' وقد يكون احياناً العامل الاساسي المحدد عند العديد من العملاء. أشرت الى الايديولوجيات بين مزدوجين لأنه في لبنان، باستثناء أحزاب قليلة، هذه 'الايديولوجيات' هي فكر طوائف متناحرة لحماية مصالحها، أقليات تخاف على وجودها وكينونتها، والمؤلم أن هذا الخوف الوجودي عرفته مداورة هذه الاقليات ولجأت كل واحدة حسب الظروف الى البحث عن دعم فئوي مذهبي خارج الحدود ولم يتوانَ بعضها عن الاستقواء بالعدو الاسرائيلي. هناك اجماع على أن التعامل مع العدو الاسرائيلي كان ولم يزل الخيانة العظمى، لكن يبقى السؤال كيف نصنف التعامل والاستقواء بالدول الاخرى؟! سؤال تصعب الاجابة عليه في بلد تفاخر الطبقة السياسية بهذه العلاقات 'الاستراتيجية' دون مواربة أو خجل وتتقاذف في المقابل نعوت الخيانة بمجانية مذهلة. نعرف العدو المتربص بأرضنا ومياهنا وله معنا ومع محيطنا العربي أيادٍ سوداء ملطخة بالدم والغدر لكن الانظمة الجارة أو البعيدة التي لن تتردد في التدخل في شؤوننا ولها مصالحها وحساباتها وأجندتها الخاصة، كيف نصف العمالة معها؟
كيف نستطيع أن ندمر هذه البيئة ونجفف منابع العمالة؟
أولاً وقبل كل شيء بالتخلي عن الانتماءات الضيقة والخروج من المستنقعات الطائفية والمذهبية الى رحاب الوطن الاوسع والعمل الدؤوب لترسيخ فكرة المواطنة والولاء الوطني في المدارس والجامعات ولمَ لا المعابد. كتاب التاريخ الموحد ليس الحل كما يردد البعض بشكل ببغائي بل إعادة مطالعة تاريخنا بصفحاته المشرقة كما السوداء والتعلم وأخذ العبر من الأخطاء والمنزلقات التي سلكناها جميعاً في تعاملنا في ما بيننا ورهاناتنا على الخارج، كل الخارج، واستقوائنا به. القهر والخوف لا يحمي وطنا وبالطبع لا يبنيه. المطلوب من الجميع الاستماع الى اخوتهم في المواطنية وأخذ هواجسهم في الاعتبار، ورفض منطق التخوين المجاني ورفض اسلوب التهديد والوعيد والعمل على إبقاء الصراع السياسي ضمن المؤسسات الشرعية.كل هذه التمنيات قد تتبخر اذا لم يترافق ذلك مع وجود دولة قوية قادرة عينها ساهرة في الداخل لا تتردد بقطع يد الفتنة واجتثاث العملاء، دولة عادلة ترعى مواطنيها رعاية الاب الصالح بالمساواة، دولة ولو مع بعض الطوباوية تفرض قوانين حول شفافية تمويل الاحزاب والجمعيات والشخصيات وكبار الموظفين. والا نستفيق يوماً وقد أصبحت العمالة، على أشكالها اسلوب العمل السياسي في لبنان. عندها تكتمل صورة موزاييك الدويلات الطائفية والمذهبية ونصبح في عين العاصفة ومهب الريح في منطقة حبلى باحداث مصيرية. هل هذه التمنيات حلم ليلة صيف؟ لمَ لا ونحن نعيش كوابيس صيف لهّاب يهدد بحرق ما بقي لنا من آمال في عودة الروح الى وطن والعبور الى دولة.


- 'النهار'

النظام القضائي الوطني: بحثاً عن دور
بقلم محمد مغربي(محامٍ):

خمس سنوات ونصف مرت على إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في جريمة مروّعة سقط معه فيها عدد كبير من الضحايا. وسبقت هذا الإغتيال محاولة إغتيال الوزير السابق مروان حماده. وتلته إغتيالات كثيرة تناولت سياسيين وإعلاميين. واليوم، وبعد مرور هذا الزمن الطويل، فإنه لم يصدر عن مرجعية تعمل في نظام قضائي رسمي قرار يسمي المتهمين أو الأظناء المحتملين ويمكن بموجبه أن يقدم هؤلاء الى المحاكمة. أي أنه، وحتى اليوم، فإنه ليس هناك من متهم أو متهمين بالجرائم المنوه عنها. فما هي الأسباب؟لا شك في أن السبب الأول هو إخراج القضية من إطار النظام القضائي الوطني وإخضاعها للجان تحقيق إدارية أي غير قضائية، انبثقت عن سكرتاريا منظمة الأمم المتحدة، ثم تأليف المحكمة الخاصة باتفاق مون – السنيورة الذي باركه مجلس الأمن الدولي، وإذعان النظام القضائي الوطني للجان المذكورة ثم لمكتب الإدعاء لدى المحكمة الخاصة المنوه عنها، بالإمتناع عن التحرك لتطبيق القانون اللبناني على الجرائم. أما السبب الثاني فهو أن الجريمة، ومنذ اللحظة الأولى، أعطيت طابعاً سياسياً. واشترك القاصي والداني في لعب دور المدعي العام وقاضي التحقيق والهيئة الإتهامية، وطرح الأدلة وتوجيه الإتهام. ولا يزال الطابع السياسي يطغى على النقاش الدائر في هذا الموضوع حتى أن بعضهم اقترح حسم الجدل بقرار يتخذ في مجلس الوزراء! وهناك سبب ثالث وهو تاريخ المحاكم الخاصة في لبنان وآخرها المحكمة الأمنية الخاصة التي شكلت بالقانون رقم 2/ 78 في 15 شباط 1978 إثر إشتباكات الفياضية السورية - اللبنانية وانهيت بعد خمسة أعوام في 19 أيار 1983 بمرسوم دون أن يتم أي إتهام أو محاكمة! وثمة سبب رابع في طور التكوين. فقد برزت في الآونة الأخيرة مسألة 'شهود الزور'، وهم الذين ظهرت أسماؤهم في إطار الجدل السياسي - الإعلامي الذي رافق إحجام النظام القضائي الوطني عن القيام بواجباته في تطبيق القانون. لكن السياسيين الذين يطالبون بالتحقيق مع 'شهود الزور' وملاحقتهم على 'شهادة الزور' لم يدرسوا قانون العقوبات جيداً مما يوجب الملاحظات التالية :
1- إن المادة 408 من قانون العقوبات تعرّف شهادة الزور بأنها تلك التي تحصل أمام سلطة قضائية، أو قضاء شرعي أو إداري، أو في أثناء تحقيق جنائي، سواء بالجزم الباطل أو إنكار الحق أو كتم المعلومات. وبحسب الروايات المتداولة فإن أولئك الشهود لم يشهدوا أمام سلطات من هذا النوع بل أعطوا إفادات للجان التحقيق الإدارية الأجنبية المنبثقة عن سكرتاريا الأمم المتحدة، التي منحت الصحافة اللبنانية رؤساءها لقب قاضٍ دون أن يكون أحد منهم من القضاة.
2- وبحسب المعلومات المتداولة فإن ما قام به 'شهود الزور' هو من نوع إختلاق الجرائم بإختلاق أدلة مادية عن جريمة يعرف أنها لم تقترف، مما يقع تحت طائلة المادة 402 من قانون العقوبات. لكن هذه المادة تشترط أيضاً أن يكون ذلك بإبلاغ السلطة القضائية، أو سلطة يجب عليها إبلاغ السلطة القضائية. ولم تكن اللجان المنوه عنها، وهي إدارية وأجنبية، بسلطة.
3- وعلى كل حال، فإن أحداً لا يعرف مضمون إفادة 'شهود الزور' الحقيقية ولا شكلها. فهل هي بشكل تصريحات أو أجوبة على أسئلة؟ وهل هي موقعة من أصحابها؟ وفي حضور من أعطيت؟
4- إنه من الواضح أن إفادات 'شهود الزور' للجان التحقيق أصبحت في عهدة مكتب الإدعاء العام، وهو مرجعية غير لبنانية لدى المحكمة الخاصة، غير اللبنانية بدورها. فهل تعتبر هذه الإفادة ملكاً للمكتب المذكور حتى إنتهاء عمل المحكمة الخاصة؟ أو أنه بإمكان محكمة لبنانية أو غير لبنانية ذات صلاحية في ملاحقة المذكورين في دعوى تضع يدها عليها أن تأمر بتسليمها الإفادات المذكورة؟ وكيف يمكنها ذلك دون أن تملك أي تصور عن شكل ومضمون الإفادات؟
5- وعلى الأقل، تقع في إطار النظام القضائي الوطني محاضر التحقيق الذي تم إجراؤه تحت يد قاضي تحقيق لبناني. فهل تم في هذا التحقيق الإدلاء بشهادة يمكن وصفها بـ'شهادة الزور'؟ وهل تم فيه اختلاق الجرائم بإصطناع أدلة مادية وهمية على وجودها؟
6- وفي كل الأحوال، هل هناك إخبار أو شكوى مقدمة في إطار النظام القضائي الوطني تتضمن الإفتراء على أحد من الناس ويمكن أن يلاحق صاحبها أو أصحابها بجريمة الإفتراء المنصوص عنها في المادة 403 عقوبات؟
7- يجب الإعتراف بوجود إحتمالين عقلانيين:
الإحتمال الأول هو أن الذين يشار اليهم بعبارة 'شهود الزور' هم شهود حقيقيون سيقومون بالإدلاء بشهاداتهم في الوقت المناسب أمام المحكمة بعد صدور القرار الإتهامي، وفي هذه الحالة فإنهم يتعرضون اليوم للضغط للإمتناع عن الشهادة.
والإحتمال الثاني هو أن هؤلاء الشهود شركاء أو متدخلون في الجريمة ويتعمدون تضليل التحقيق لإخفاء هوية الفاعلين الحقيقيين، الأمر الذي يوجب ملاحقتهم في لبنان والتحقيق معهم توصلاً الى اتهامهم ومحاكمتهم في حال توافر الأدلة على الإشتباه بهم. وهذه مهمة محفوظة للنظام القضائي الوطني وتخرج عن إختصاص مكتب الإدعاء لدى المحكمة الخاصة كما يستنتج من امتناع المكتب المذكور عن وضع اليد عليها.
ولا يمكن تجاهل نشوء سبب خامس وجديد للتأخير، وهو سلسلة المؤتمرات الصحافية التي عقدها أخيراً الأمين العام لـ'حزب الله'، والتي أثار فيها معطيات جديدة من عنده وأخرى من ملفات التحقيق الرسمية مع عدد من المتهمين بالتعامل مع إسرائيل، مما يؤلف نقاطاً لو تم وصولها بنزاهة لربما أعطت صورة مختلفة للحالة الجرمية المحيطة بجريمة إغتيال الحريري.
وللتعاطي مع هذه الملاحظات والإجابة على التساؤلات التي تثيرها يتطلب الأمر وقوع حدثين حاسمين هما:
الحدث الأول: أن تضع المراجع الصالحة في النظام القضائي الوطني يدها عفواً أو بناءً لشكوى المتضرر أو المتضررين على الموضوع برمته. فهو خارج عن الإختصاص الحصري الذي أعطاه للمحكمة الخاصة إتفاق مون – السنيورة الذي باركه مجلس الأمن.
الحدث الثاني: وعند ذلك يجب أن يتوقف التعاطي السياسي - الإعلامي مع هذا الموضوع ومع ملف جريمة إغتيال الحريري برمته حتى تأخذ العدالة مجراها. وبعبارة أخرى، فإنه من الممكن أن يترك لمكتب الإدعاء المذكور أن يلعب الدور الذي أناطه به إتفاق مون – السنيورة، وهو لا يشمل التعاطي مع موضوع 'شهود الزور'، ولا بالضرورة مع المعطيات المتوافرة حول الدور الإسرائيلي الذي سبق للتحقيق الإداري الأجنبي أن استبعده، وللمراجع اللبنانية المختصة في قصر العدل أن تمارس وظيفتها الدستورية بواجباتها بصورة متوازية، ويمكن أن تكون منافسة، في طلب العدالة والكشف عن الحقيقة. فلربما يتسبب ذلك في تطور وطني إيجابي هو انتعاش النظام القضائي الوطني الذي أدى افتراض عجزه عن القيام بواجباته الى السعي لإنشاء المحكمة الخاصة تحت مظلة مجلس الأمن الدولي.


- 'النهار'

حتى لا نعايش زمن شهود الزور 'غب الطلب' !
بقلم عادل مالك:

تصفيق حار لمخابرات الجيش اللبناني التي تمكنت من القضاء على رأسين بارزين من رؤوس الإرهاب من بقايا شاكر العبسي وشركاه في بلدة شتورة قبل ان يتسللا إلى دمشق ومنها إلى العراق كما أفادت المعلومات.
لكن ما حدث يبعث على الرضى في جانب وعلى الأسى في جانب آخر. الرضي لنجاح الجيش اللبناني في قطع رؤوس أفاعي الإرهاب المتنقلة في أرجاء الوطن، أما الأسى فلأن (عوض وأبوبكر مبارك) سبق لهما ان اتخذا مخيم عين الحلوة غطاء لوجودهما، الى ان تمكنت قوى الجيش ومخابراته من استدراجهما للخروج من المخيم، لأن المخيمات لا تزال عصية على السلطة اللبنانية.وفي المناسبة يتساءل أناس كثر: ماذا حل بالقرار الذي اتخذته هيئة الحوار الوطني بإجماع أعضائها والذي قضي بنزع السلاح خارج المخيمات كمرحلة أولى، ومنذ ذلك الحين لم نعد نسمع ما مصير هذا القرار، وتاليا ما أهمية القرارات التي يمكن ان توافق عليها هيئة الحوار الوطني مستقبلاً؟ وهل تكون ذات صدقية تعكس جدية المناقشات والمشاورات التي تشهدها جلسات الحوار؟ خصوصا أن ما حدث يتزامن مع طرح ملف الفلسطينيين في لبنان ومنحهم بعض الحقوق المدنية والإنسانية... واستطراداً كي لا تبقى هذه المخيمات جزراً أمنية يمنع أفراد قوى الأمن الداخلي أو الجيش من دخولها لتبقى خارجة عن القوانين وتتحول بؤرا يلجأ إليها الخارجون على السلطة الرسمية.والسؤال هنا: لماذا لا يعالج موضوع الفلسطينيين كوحدة متكاملة تمنح سكان المخيمات الحقوق وتفرض عليهم الواجبات؟ ولأن الأمن العام في الوطن سلسلة مترابطة لا تتجزأ يطرح السؤال مجدداً عما ينتظر لبنان بعد حال الاحتقان السائدة؟في المبدأ العام طمأننا قائد قوة 'اليونيفيل' الجنرال آلبرتو اسارتا الى تفاؤله بمستقبل الأوضاع في منطقة الجنوب. وقد أدلى بهذا 'التطمين' خلال مأدبة الإفطار التي أقامها اسارتا في الناقورة لفاعليات منطقة صور في مناسبة شهر رمضان المبارك اذ قال للحضور: 'أطمئنكم... لا حرب في المستقبل في هذه المنطقة'.هل هذا هو التطمين الكافي الذي يحتاج اليه ابن الجنوب في هذه الفترة؟ إذ مع تقديرنا لبشرى الجنرال اسارتا بالسلام الآتي، هناك معلومات من مصادر موثوق منها بها تفيد أن قوات 'اليونيفيل' طلب منها ان تكون في حال استنفار وطوارئ خلال شهري أيلول وتشرين الأول المقبلين، والأسباب؟ أن أحداثا منتظرة على الصعيد الداخلي متوقعة في هذه الآونة وعلى جميع أفراد قوات 'اليونيفيل' ان يكونوا على جهوزية تامة انتظارا لـ'أحداث ما'. فكيف يوفق الجنرال اسارتا بين الأمرين؟ لا حرب في المستقبل... واستنفار عام لمواجهة 'أحداث ما'؟وفي السياق نفسه أطلق الأستاذ وليد جنبلاط (من باريس) تحذيرا من وقوع 'اضطرابات كبيرة في لبنان'. وقال بعد لقاء عفوي جمعه مصادفة مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان: 'اذا صحت الأنباء حول القرار الظني المنتظر فأنه يخشى أن تُستغل المحكمة الدولية لغير الأهداف التي أنشئت من أجلها'، مكررا تحذيره من أن ذلك سيؤدي 'إلى اضطرابات كبيرة في البلاد في ظل التهديدات الإسرائيلية والحديث المتواصل لإسرائيل عن الفتنة وخصوصاً بعد صدور القرار الظني'.
ولأن لبنان يعيش هاجس المحكمة الخاصة بلبنان وقرارها الظني المرتقب، تتداول أوساط معينة وعلي مستوي ضيق باحتمال تأجيل إصدار القرار الظني الخاص بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى وقت لاحق، والسبب: استكمال القاضي دانيال بلمار دراسة 'قرائن السيد'، التي عرضها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الأخير والذي اتهم فيه إسرائيل صراحة بأنها هي التي قتلت الرئيس الحريري. هذا اذا قرر الحزب تسليم الوثائق إلى القاضي بلمار.
ويضيف أصحاب هذه المعلومات التي لا تزال ضمن نطاق ضيق، ان القاضي بلمار سيحتاج إلى وقت لترجمة كل ما ورد على لسان السيد نصرالله إضافة إلى الصور والأفلام المرئية، لذا فأن تأجيل إصدار القرار يبدو مقنعاً أكثر من زعم بعض الأطراف ان القاضي يعمل على تأخير إصدار هذا القرار. وهذا هو أحد المواضيع الرئيسية التي كانت موضع بحث خلال القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس ميشال سليمان والملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد في قصر بعبدا.
لكن قرائن السيد حسن نصرالله وطلب القاضي بلمار الحصول عليها يمكن ان تحدث بعض الإشكالات. وعلى سبيل المثال: كيف يمكن الأمين العام لحزب الله ان يوفق بين تسليم الأدلة التي يملك إلى المحكمة التي صنفها مرات عدة إسرائيلية – أميركية؟ ولوحظ خلال مؤتمره الأخير ان السيد نصرالله تجنب كلياً الهجوم على المحكمة، في إشارة منه إلى عدم خرق الاتفاق الذي تم التفاهم عليه في القمة الثلاثية، والذي يقضي في جملة ما يقضي بتجنب الحديث عن المحكمة في السلب أو في الإيجاب، حتى إشعار آخر.
ولا يمكن الحديث عن الأوضاع اللبنانية الداخلية من دون التطرق الى المسلسل التلفزيوني الذي كاد يودي بالوطن إلى هاوية، وهو ما عُرف بأزمة 'مسلسل السيد المسيح'، على قناتي 'المنار' و'NBN'. فما ان شاع الخبر حتى تقاطرت إلى المركز الكاثوليكي للإعلام الحشود التي كانت تطلق شتى التهم. وبعد اتصالات قام بها العديد من الأطراف بدءا برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى وزير الإعلام طارق متري إلى رئيس اللجنة الإعلامية المطران بشارة الراعي جاء الهاتف الداعي: 'لقد تقرر وقف عرض المسلسل على القناتين'. ولكن ما لبث مشروع الحل ان تحول بدوره أزمة بحد ذاتها، فالبيان الصادر عن قناتي 'المنار' والـ'NBN' ورد فيه ان هذا القرار اتخذ 'مراعاة منهما لبعض الخصوصيات والحؤول دون المحاولة للتوظيف السلبي'.
وثارت ثائرة الجماهير المحتشدة على صيغة البيان الى ان صدر تعليق جديد للمطران الراعي يقول: 'ان الأمر لا يتعلق بخصوصيات معينة بل ان المسلسل يناقض العقيدة المسيحية'.في هذه الأثناء تزايد عدد الحاضرين في القاعة فيما الاتصالات تجري على أكثر من قدم وأكثر من ساق، إلى ان قال المطران الراعي ما يلي: 'اننا ننظر بعين الإكبار إلى قرار القناتين سياسياً واجتماعياً ونعتبره من المواقف البطولية وبذلك اعطينا امثولة للعالم بأننا قادرون مسيحيين ومسلمين ان نضع امامنا العيش المشترك ونتصرف على أساسه بحيث يُترك للمسلم ان يعرف بدينه وللمسيحيين كذلك'.وفيما كان الوزير متري يزف 'الخبر الحلو' إلى المجتمعين عقب المطران بشارة الراعي قائلا: 'انه انتصار للحقيقة'. وبذلك اجتاز الوطن 'القطوع' وأمكن تجنب الفتنة !وبعدما هدأت الخواطر المتشنجة عاد الكلام الهادئ إلى العقل فأعلن المطران الراعي 'ان هذا الأمر من شأنه ان يعلمنا للمرات المقبلة ألا نستبق الأمور وإنما نلجأ إلى المشورة والسؤال، فأنا مثلاً لا أقدم على أي شيء يعني الإسلام قبل استشارة المعنيين بالموضوع وهذا ما حصل بوثيقة السينودوس التي وافق عليها المسلمون قبل ان تطرح للبحث'.ربما يلاحظ البعض اننا خصصنا قسماً كبيراً لهذا الموضوع – ضمن مساحة المقال - وهذا صحيح، لكن ما نريد قوله ان البلد وضع بين ساعة وأخرى على كف عفريت الطائفية المقيتة، وكادت الأمور تتفجر في اتجاه لا يمكن معه ضبط انفعالات المتجمهرين في موضوع بالغ الحساسية، إذ ان المسلسل الخاص بالسيد المسيح إنتاج إيراني ويعتمد في الكثير من مراجعه على إنجيل بارنابا المنحول والمجتزأ وغير المعترف به مسيحياً، وهذا ما أدى إلى التحرك الشعبي السريع باعتبار ان المسلسل المذكور وقع في مغالطات تمس بجوهر العقيدة المسيحية.وكي لا تتكرر مثل هذه الأمور يجب على كل محطات التلفزة مراقبة أفلامها وبرامجها قبل أن تعرض للجمهور وبصورة أدق المواضيع ذات الأبعاد الطائفية. ومع حرصنا على كل أنواع الحريات ومنها حرية التعبير لا يمكن إيقاع الوطن في آتون متأجج من الصراعات ذات الطابع الطائفي، وقد عانى لبنان ما عاناه ولا يزال من هذه الأفة.ومن الأمور المؤسفة في ما يشهده لبنان هذه الفترة ما يتعلق بـ'العامل الإسرائيلي' في اغتيال الرئيس الحريري. ويجب انتزاع هذا العنصر من التداول كي لا يتحول قنبلة موقوتة لبنان في غنى عنها. إذ لا يعقل ان يكون فريق لبناني 'يبرئ' إسرائيل، وآخر يتهمها، بل يجب عدم تسييس هذه الجهات المشكوك في مشاركتها في اغتيال الرئيس الحريري واستبعاد العنصر الإسرائيلي، ويجب ان يأخذ التحقيق في الاعتبار كل الاحتمالات في هذه القضية، إضافة إلى التفاهم على قضية شهود الزور الذين شوهوا الموضوع بكامله. لأن السؤال سيبقى: من الذي كان وراء هؤلاء الشهود، ومن فبركهم، ومن جعلهم يضللون المحكمة والمحاكمة؟ كل ذلك كي لا يقال ان لبنان يعيش حقبة شهود الزور 'غب الطلب' والذين يحضرون الشهادات وفق مواصفات معينة.ان انتقاد الرئيس سعد الحريري للهجة التصعيدية السائدة، إضافة إلى أصوات أخرى معتدلة يجب ان تؤخذ في الاعتبار، كي لا يصبح الاعتماد على إفادات شهود الزور سابقة تكرس وتضرب العدالة في الصميم.من طقوس هذا الشهر الكريم الصوم. لكن الصوم يجب الا يقتصر على الطعام، بل ان يشمل الامتناع عن ارتكاب المعاصي من كل لون ونوع.


- صحيفة 'السفير'
لماذا السيد المسيح أشقر؟
نهلة الشهال:

كان صفار شعر السيد المسيح، وخضار لون عيونه، بخلاف كل المحيطين به في المشاهد وهم جميعاً داكنون، هما ما أزعجاني في الشرائط الإعلانية التي سبقت بدء عرض المسلسل وفي الصور الدعائية له التي انتشرت في العديد من الصحف اللبنانية. وبرغم إني استغربت أن يكون العمل واحداً من برامج شهر رمضان، لعدم تناسق موضوعه مع المناسبة، إلا إني لم ادقق في الأمر أكثر، بل أعترف بأني افترضت ايجابيات في هذا كله ـ وإن متخلفة ـ رحت أتندر بها، لاعنة المقاييس السائدة في منطقتنا والتي ترى ف

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد