- 'النهار'
القوة الإسرائيلية والشرعية الدولية
رنده حيدر:
أثبتت المواجهات العسكرية التي خاضها الجيش الإسرائيلي خلال الأعوام الأخيرة ضد 'حزب الله' في لبنان، وحركة 'حماس' في قطاع غزة، أنه رغم تفوقه الكبير في العتاد والعدد فهو عاجز عن تحقيق الحسم العسكري المتوقع منه، وذلك لسببين أساسيين: الأول صعوبة الحسم العسكري في حرب غير متوازنة تدور بين جيش نظامي ذي عقيدة قتالية تتحكم بها قواعد الحروب الكلاسيكية الجبهوية وتنظيمات مسلحة تخوض حرب عصابات، قادرة على التحرك بسرعة فائقة وسط بيئة محلية مؤيدة لها، وتستخدم سلاحاً فعالاً وخفيفاً، وتملك بنية تحتية بسيطة ولكن متينة تمكنها من العمل والتحرك والانتقال بسرعة، وتأخذ أوامرها من قيادات ميدانية محلية، قادرة على اتخاذ القرارات الملحة بصورة مستقلة مما يعطيها قدرة كبيرة وحرية واسعة على الرد والتحرك من دون انتظار تعليمات القيادة المركزية. أما السبب الثاني الذي يعوّق الحسم العسكري فهو دخول الجبهة الداخلية على خط النار الأول. فلقد كشفت حرب تموز الخلل الكبير في إعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية لتلقي ضربات 'حزب الله'، الصاروخية،
كما أن تغلغل مقاتلي الحزب داخل المدن والأماكن المأهولة صعّب كثيراً من قدرات الجيش الإسرائيلي على المطاردة وتدمير الأهداف. وأكبر نموذج لهذا الإخفاق الدمار الكبير الذي لحق بالضاحية الجنوبية لبيروت والذي شكل ضربة كبيرة للمدنيين من دون أن يلحق ضرراً يُذكر بالقيادتين العسكرية والسياسية لـ'حزب الله' المستهدفتين بهذا القصف. لقد وجد الجيش الإسرائيلي نفسه في الموقف عينه خلال عملية 'الرصاص المسبوك' التي قام بها ضد حركة 'حماس' في قطاع غزة. فرغم تفوقه الكاسح في المواجهات التي دامت أكثر من شهر، إلا أنه لم ينجح في هدفه زعزعة سلطة 'حماس' على غزة رغم الخسائر التي تكبدتها، ولا في اطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير لدى الحركة جلعاد شاليت. ولكن الأسوأ من هذا كله ان الحملة العسكرية تحولت في نظر المجتمع الدولي عملية 'عقاب جماعي' مارسها الجيش الإسرائيلي ضد اهالي القطاع وارتكب خلالها 'جرائم حرب' يجب أن يحاسب عليها وفق ما توصلت اليه لجنة تقصي الحقائق الدولية التي يرئسها القاضي غولدستون. وإذا كانت رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي في صدد درس وبلورة عقيدة عسكرية جديدة لمواجهة الأنواع الجديدة من الحروب غير المتوازنة التي شهدتها المنطقة، باعتبار ان التفوق العسكري الجوي لا يمكنه حسم القتال ولا المعدات التكنولوجية المتطورة، وإنما ثمة حاجة اسرائيلية من جديد الى بلورة مقاربة عسكرية لمشاركة أكثر فاعلية للقوات البرية في القتال، واعادة النظر في مواطن الخلل التي تشكفت عنها مواجهات حرب تموز في لبنان عام 2006 مثل الخلل في التنسيق بين قيادات الأسلحة المختلفة والثغرات في العمل الاستخباري وغيرها من تقصيرات تحدث عنها تقرير فينوغراد،
فإن ثمة مشكلة أساسية أخرى لم تستطع لا القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي ولا القيادة السياسية في إيجاد حل لها هي كيفية تجنب الملاحقة القانونية الدولية التي بدأت في الفترة الأخيرة تقض مضجع المسؤولين الإسرائيليين الكبار وتتهددهم لا سيما بعد الطلب الذي تقدم به محامي الدفاع عن أحد المواطنين الفلسطينيين في غزة الى المحكمة البريطانية بتوقيف وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الذي يقوم حالياً بزيارة رسمية الى بريطانيا بصفته مسوؤلاً عن 'جرائم الحرب' التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة لتوليه حينها منصب وزير الدفاع. من المعروف أن مصطلحات مثل 'اليد الحديد' و'تكسير العظام' و'الأرض المحروقة' وفي الفترة الأخيرة 'نظرية الضاحية' وغيرها كانت مصطلحات منتشرة كثيراً وسط التفكير العسكري في إسرائيل منذ السبعينات والمواجهات مع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، مروراً بالإنتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وانتهاء بحرب تموز وعملية 'الرصاص المسبوك' ضد غزة. وكلها موجهة بصورة خاصة ضد المدنيين الذين عليهم أن يدفعوا ثمن وجود التنظيمات العسكرية بينهم قتلاً وتدميراً وتهجيراً. وربما لأول مرة يشعر المدنيون ضحايا الحروب الإسرائيلية أنهم ليسوا عُزلاً تماماً، ولا يمكن اسرائيل إستضعافهم واستفرادهم. لقدحققت المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان عبر تقرير غولدستون خطوة كبيرة على طريق المحاسبة والإقتصاص من 'توحش' القوة الإسرائيلية، ونجحت في زرع الخوف لأول مرة في قلوب العسكريين من يوم 'الحساب'.
- 'السفير'
أحمدي نجاد... العربي
نصري الصايغ:
...والخارطة العربية اليوم، تنضح بما تمليه أو تفرضه السياسة الأميركية، كما أن الجغرافيا العربية، مزدانة بالدماء العربية المسفوكة على أيدي الولايات المتحدة الأميركية، وقوات حلف شمال الأطلسي. ولا يشذ الاقتصاد العربي عن جادة الأسواق المالية والسلعية وتسييل الثروة العربية، إلى صناديق العواصم المالية، المالكة سعيداً، لمعظم الأنشطة البترولية. تختلف إيران &laqascii117o;الفارسية"، بحيث تظهر أنها أكثر عروبة من العرب، وأكثر فلسطينية من القوميين، والأكثر جسارة على الوقوف في وجه أميركا، متشبثة بالعلاقات الندية التي تضع حداً لطموحات وغلواء الأميركيين، في ممارسة الاملاء الكوني. أحمدي نجاد يقول لأوباما: &laqascii117o;بأي حق تقول لنا ما يجب أن نفعله". أحمدي نجاد ذاته، يقول عن غوردن براون ونيكولا ساركوزي: &laqascii117o;إننا لا نعيرهما أي اهتمام ولا يملكان صدقية. يلعبان لعبة إعلامية سخيفة". يقول ولا يخشى.
يقول ويدعم قوله بالفعل، لأن ايران، منذ العدوان العراقي/العربي/الدولي عليها، بعد قيام ثورتها، قررت أن تحمي ثورتها ومكاسبها بقوتها. فبنت دولة وجيشاً وصناعة وسلاحاً، وأكملت ما كان قد تبناه الشاه في سابق عهده، فطورت برنامجها النووي بدقة وصبر وطول أناة، حتى باتت إيران قوة، إذا تحدث رئيسها، اهتز العالم. وعلى الرغم مما يؤخذ على نجاد، من تصريحات &laqascii117o;همايونية" أحياناً، وعلى الرغم من إصراره على إقحام الهولوكوست في خطبه الموجهة إلى الغرب (وهي خطب شديدة الضرر)، فإنه بدا أشد رصانة وأكثر تموضعاً عالمياً، من الثلاثي: أوباما ـ براون ـ ساركوزي، الذين تصرفوا كصبيان السياسة عندما علموا ببناء منشأة نووية بالقرب من مدينة قم. ولم يأبه نجاد بتهديداتهم، وفضح صدقيتهم (وهي في الأساس مفضوحة، إلا لدى النظام الرسمي العربي) عندما ذكّر الغرب بأن العراق، عندما قامت الولايات المتحدة باغتياله واجتياحه، كان بحجة انه يملك أسلحة دمار شامل وأسلحة نووية. ان إيران &laqascii117o;دولة شريفة وعادلة وحضارية"، لم تقم باجتياح واحتلال بلد آخر.
وفضح نجاد الكذب الغربي عندما اعتبر ان ايران ترى إلى الأسلحة النووية &laqascii117o;انها مجرمة ولاإنسانية، ومن يملكها فهو متخلف سياسيا". ورأى ان امتلاكها لا جدوى منه عسكريا، &laqascii117o;فالسلاح الذري لم يحم الاتحاد السوفياتي، ولم يعط قوة اضافية للأميركيين في العراق وأفغانستان، كما ان السلاح النووي الاسرائيلي لم يضف إلى قوة التدمير الاسرائيلية في غزة". أحمدي نجاد... أو بالأحرى ايران، بسياستها الندية، وضعت نفسها في مرتبة القطب الدولي الجديد، وسيعتاد العالم على ذلك. وستدخل نادي الدول المساهمة بصنع السياسات الدولية والاقليمية. أمام العرب خيارات صعبة جداً، فهم قرروا الالتحاق بالأميركي ظالماً أو مظلوماً، محاربا (لبعضهم) أو مسالما، منتصرا (أين؟) أو مهزوما. ولا يجدون قدرة على تسجيل نص مستقل له علاقة بأمنهم القومي الاستراتيجي، معوضين بذلك، بأمنهم الوطني القمعي، والمحمي (مؤقتا) من قبل الأمن المعولم، والمسموح تغلغله في أجهزة الأمن المحلية....