قضايا وآراء » 2015... سنة التضييق على الناشطين في تونس

 

tascii117nis_300_01

 

تونس ـ خولة العشي

قضت محكمة الاستئناف في تونس العاصمة أواخر الأسبوع الماضي بعدم سماع الدعوى في قضية السينمائي والمدون الشاب عدنان المؤدب وزميله أمين مبروك بعد حبسهما قرابة الشهرين بتهمة استهلاك مادة مخدرة وخرق حظر التجول، لتنتهي بذلك حصيلة سنة كاملة من الاحتجازات في صفوف الشباب الناشطين من الجنسين تحت ظل حكومة كان الحفاظ على حرية التعبير من أهم وعودها الانتخابية.

وعلى رغم حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس على جائزة نوبل للسلام أخيراً إلا أن الاختراقات الكبيرة لحقوق الإنسان من طرف الأمنيين والقضاء أجبرت عدداً من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية على دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى ضرورة الالتزام بمبادئ الدستور الجديد وتطبيقها في هذا السياق. وكانت السنة المنصرمة عرفت تضييقاً كبيراً على الناشطين التونسيين الشبان وصل إلى حد الإهانة والسجن والتحرش الجنسي.

ولم يعف القضاء التونسي سنة 2015 عن الشبان المحتجزين منذ السنوات السابقة بالسجون بسبب مواقف احتجاجية ضد العنف الأمني. وتواصلت محاكمة شباب محافظة سليانة الذين احتجوا سنة 2013 على استعمال حكومة حركة النهضة لأسلحة غريبة &laqascii117o;أسلحة الرش" التي راح ضحيتها عدد كبير من مواطني المنطقة. كما قام القضاء أيضاً بحبس المدون التونسي الشاب مهيب التومي بسبب تدوينة كتبها على موقع فايسبوك سنة 2012 واتهم بأنه أهان من خلالها رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي قبل أن يتم إطلاق سراحه.

السلطات الأمنية التونسية منعت أيضا المدون حسام حمدي من السفر بطريقة اعتيادية بسبب ما سمته &laqascii117o;الإفراط في السفر" نظراً إلى تجوله خلال السنوات الماضية في أكثر من أربعين بلداً. هذه التهمة التي أثارت سخرية الناشطين على المواقع الاجتماعية، أثارت أيضاً تخوف الحقوقيين من تغول الجهات الأمنية واختلاقها تهماً جديدة وتجرئها على اختراق الدستور الذي ينص على حق التونسيين في السفر. ولم يلق اعتراض الشاب المذكور على هذا الإجراء أي تجاوب، وقد تم تعطيل استخراجه لجواز سفر جديد قبل أن يتم إيقافه بالسجن ثم إطلاق سراحه.

بعض رجال الشرطة التونسية تحولوا خلال شهر رمضان السابق إلى سلطة دينية، إذ قام بعض الأعوان في بعض جهات الجمهورية بملاحقة المفطرين من الشبان واعتماد القوة لغلق بعض المقاهي والمطاعم التي فتحت لاستقبال روادها. وقد أطلق ناشطون حملة على &laqascii117o;فايسبوك" للتنديد بما سموه وصاية على معتقداتهم، في اختراق أيضاً للدستور، الذي ينص على حرية المعتقد والضمير، كما قام بعضهم بإنشاء صفحات على &laqascii117o;فايسبوك" لنشر مقاطع لهم وهم يفطرون خلال أيام الصيام، في تحد لتدخل السلطات الأمنية في خصوصيات الأفراد واختياراتهم.

التدوين على &laqascii117o;فايسبوك" في تونس أصبح أيضاً سبباً يعاقب من أجله الشبان التونسيون ومن الممكن أن يسجنوا وأن ينكل بهم، ففي أواخر سنة 2015 قام رجال الأمن في محافظة الكاف باحتجاز التلميذة عفراء بن عزة وإيقافها لمدة يوم ونصف بسبب مواقفها المعارضة لنظام البوليس القمعي التي نشرتها على صفحتها على &laqascii117o;فايسبوك". وفي تصريح لها إثر إطلاق سراحها، أكدت عفراء أنها تعرضت للتهديد والإهانة والعنف اللفظي والتحرش الجنسي أيضاً من طرف أعوان في مركز الإيقاف.

وعانى عشرات المدونين التونسيين من الملاحقة البوليسية والاستفزاز في محاولة من الجهات الأمنية لكبت النفس الشبابي الثائر وإخراسه نهائياً بعد مرور خمس سنوات على الثورة. وكان الناشط زياد الملولي الذي أطلق حملة &laqascii117o;اترك الرصيف" الموجهة لأصحاب المشاريع الذين يستعملون الأرصفة لتوسيع نطاق عملهم، تعرض للعنف الجسدي من طرف مجهولين إثر انتشار حملته على &laqascii117o;فايسبوك" ولم تستجب الجهات الأمنية لطلب الحماية وكشف الفاعلين الذي تقدم به إليها.

موجة جديدة من الاعتقالات التي عرفتها البلاد سنة 2015 شملت الشبان المثليين الذين تمت محاكمة سبعة منهم خلال هذه السنة على أثر ما سمته السلطات الأمنية بـ &laqascii117o;الفحص الشرجي" الذي يتم من خلاله إثبات قيام هؤلاء الأشخاص بممارسات جنسية من عدمه. وقد اعتبرت منظمة &laqascii117o;هيومن رايتس ووتش" أن هذه الفحوصات والاعتقالات معارضة لما جاء في دستور تونس من تأكيد على ضرورة احترام الحرمة الجسدية، في حين اعتبر سياسيون معارضون للحكومة التونسية أن هذه القضايا مفتعلة والهدف منها هو خلق قضايا رأي عام جديدة لصرف نظر المهتمين بالشأن العام على فشل الحكومة في الإيفاء بوعودها الأمنية والاقتصادية خصوصاً.

الصحافيون التونسيون عانوا أيضاً من عنف أمن الدولة، إذ كان تجمعهم خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 لتغطية العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة للأمنيين، فرصة لتنفيذ اعتداء جماعي من طرف البوليس على أكثر من خمسة وثلاثين صحافياً وتهشيم معدّاتهم وتعنيفهم لفظياً وجسدياً، ما أدى إلى إصابة بعضهم بكسور ورضوض.

هذا الاستهداف السافر للشبان التونسيين في كل المواقع والتهديد المفضوح لحرمتهم الجسدية والاستقواء عليهم في غياب قضاء منصف أو حكومة زاجرة، تحول مصدر انزعاج وخيبة ربما تتحول في قادم الأيام إلى استسلام من شأنه أن يعيد دولة البوليس التي أسقطت إلى مكانها، خصوصا أمام خفوت صوت المنظمات الحقوقية في مواجهة هذا الإشكال ليعود الشاب التونسي إلى نقطة الصفر التي قادته ذات يوم إلى الثورة على القمع البوليسي.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد