قضايا وآراء » الشهيد القنطار.. وإيديولوجيا المقاومة

د.خالد حدادة
(تحية تقدير الى المطران الراحل غريغوار حداد)
في تاريخ المقاومة، لم تكن حركاتها فكراً مستقلاً، كانت دائماً لصيقةَ إيديولوجيا ما. في الأعم عالميا، كانت المقاومة لصيقةَ الفكرِ اليساري، وفي المقابل، غالباً ما كان الاحتلال مرتكزاً على الفئات الاجتماعية الغنية. هكذا الإقطاع أيام الغزو الياباني، القوى المعادية للثورة أيام الغزو الهتلري لروسيا. هكذا كانت برجوازية وإقطاع الهند الصينية في مراحل الغزو الفرنسي ومن ثم الأميركي. وكذلك في أميركا اللاتينية.
كان في الثورة والمقاومة عبر التاريخ، بعض المتحدرين من عائلات برجوازية، ولكن على الدوام كان المقاومون من الفقراء، والمقاومة فعلُ القوى السياسية المنحازة لمصلحة هؤلاء، فكان الاستقلال الوطني على الدوام جزءاً من الفكر الذي يزاوج التحرر الوطني مع التحرر الاجتماعي.
وإذا كانت لصيقةَ فكر اليسار، إلا أن المقاومة لم تنعزل في أحيان كثيرة عن بعض حاملي الفكر الديني. &laqascii117o;البوذيون" في الهند الصينية و &laqascii117o;لاهوت التحرير" في أميركا اللاتينية وقبلهم الحركات الدينية الثورية في الإسلام... واليوم مع تجربتَي &laqascii117o;حزب الله" في لبنان و &laqascii117o;حماس" في فلسطين.
ولطالما كان لكل مقاومة، إطارها الإيديولوجي وأيضاً قاعدتها الاجتماعية. وبهذا المعنى حتى ولو لم تكن &laqascii117o;يسارية"، فإن اليساريين كانوا انطلاقاً من هذه الثنائية المتعددة بين التحرر الوطني والاجتماعي، إلى جانب المقاومة ضد أي احتلال وأي طاغية.
ولذلك، نجد في النقاش السياسي والإعلامي في العالم العربي، أمرَين مستغربَين:
الأول، بعض &laqascii117o;اليسار" الذي استغرب كيف أن الحزب الشيوعي اللبناني، نعى مقاوماً ومناضلاً ينتمي إلى &laqascii117o;المقاومة الإسلامية". وكأن أولوية الصراع في العالم العربي وفي لبنان، هي بين اليسار والإسلام.. أو بين الإسلام والديمقراطية. ويغيب عن هذا التحليل حكماً، وفي الأمر التحاق وتبرير، واقع أن أغلب القوى اللابسة لبوس الإسلام اليوم، هي في الموقع ذاته لبعض هؤلاء &laqascii117o;اليسار" التارك أولوية مواجهة العدو الصهيوني والملتحق بجوهر المشروع الأميركي.
الثاني، تناول البعض للمنطق الأول، انطلاقاً من فرضية أن أصحاب المنطق الأول هم من &laqascii117o;اليسار" وبالتالي المسارعة إلى تعميم الاتهام على اليسار عموما. وضمن هذا الإطار استمرار استعمال مصطلحات، شكلها إيجابي، ولكن، بالعمق، تؤدي إلى انحراف في الحكم على قوى المقاومة وتاريخها وإن كان من باب الدفاع عنها.
إن مصطلحَي &laqascii117o;يسار السفارات" و &laqascii117o;اليسار السابق"، أصبحا مضرَّين بمضمون فكر اليسار وسياسته وكذلك بالمقاومة وتاريخها، فأهم ما يميز اليسار واليساري، هو استقلاليته من موقع انتمائه الطبقي عن الاستقطابات المختلفة، فكيف عن الخارج، ولذلك فالمصطلح نفسه، يحمل تناقضاته والإصرار عليه ولو كان من موقع يدعي الانحياز للمقاومة، يصبح مع الوقت إصرارا مشبوهاً. فالمتصدرون هنا، أصبحوا، بمجرد انحيازهم لاستقطاب طبقي داخلي وعلاقتهم (لا أؤكد ولكن افترض) مع سفارات دول، تسقط عنهم حتماً صفة اليسار ويصبحون إما أتباع السفارات أو يسمون بما هم يسمون أنفسهم به.
وهذا الموقع &laqascii117o;اليميني" لا يقتصر على الموقف من استشهاد القائد سمير القنطار، ولا من المقاومة عموما، بل إن مراجعة مواقف هؤلاء من القضايا الاقتصادية الاجتماعية وموقعهم من الحراك الشعبي وإدانة استهدافاته وبشكل خاص شعار الدولة المدنية ودولة الرعاية الاجتماعية وقانون الانتخاب، إن هذه المواقف مجتمعة تؤكد الموقع اليميني لهؤلاء، وبالتالي، لم يعد مفيداً التوصيف الذي يُعطى لهم، لأنه يتضمن استهدافاً لموقع اليسار وفكره.
أما في ما يتعلق بسمير القنطار، فالأمر يتعلق برجل سعى بنضاله لتحويل المقاومة إلى إيديولوجيا قائمة بذاتها.
في نضاله، لم يبدل أبداً موقعه المقاوم. هو دائماً في &laqascii117o;حزب المقاومة"... أية مقاومة. المهم أن تكون وجهتها فلسطين. لم ينفِ القاعدة الاجتماعية لمقاومته. ولم ينسَ يوماً فقراء فلسطين سواء في المخيم أم في السجن، وأدرك أنهم قاعدة المقاومة ورافعتها في كل حين.
بالنسبة له، كان تغيير &laqascii117o;الموقع" يرتبط على الدوام، بفعالية وقدرة الفعل المقاوم، بغض النظر عن موقعه الفكري. يمكن اختصار انحيازه دائماً بأنه إلى جانب &laqascii117o;المقاومة بالفعل" مع احترامه للمقاومة بالتاريخ أو &laqascii117o;المقاومة بالقوة".
ترك المقاومة الفلسطينية تنظيمياً، ولم يترك وجهتها، عاشها يومياً خلال أسره. وخلال الأسر كان فعل المقاومة الوطنية هو الأساس، ففرح به ونظر له وتمنى أن يكون جزءاً فاعلاً فيه. وعندما عاد من الأسر، كان الفعل والقدرة، في مكان آخر. في إطار آخر للمقاومة هو &laqascii117o;المقاومة الإسلامية"، فأصر على الانخراط فيها.
لم يكن سمير مقاوماً فقط، ولا قائداً وحسب، كان رجلاً قَدَّمَ محاولة لتحويل المقاومة نفسها إلى &laqascii117o;إيديولوجيا".
(*) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد