قضايا وآراء » لماذا التبشير بالعداء للفرس؟

محمد مغربي - محامٍ

لم يكن لمصطلح 'الفرس' مكان في صدر الاسلام. إذ كان مسلمو مكة والمدينة يميزون، أكثر ما يميزون، من الامم الجارة امتين: أمة العجم وأمة الروم. ولدى سقوط دولة كسرى تحول اهلها الى الاسلام. وكان اسمهم عند العرب: العجم. وفيهم الحديث الشريف: لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى. وهو تطبيق لقاعدة المساواة بين المسلمين.

وألفِتُ الذين يروجون، في العصر الحديث، لعداء اهل ايران، الذين يعتبرون انفسهم ايرانيين، إلى أن الثقافة التي انتقلت إلينا تاريخياً منذ صدر الاسلام استمرت على تسميتهم بالعجم. وإن إعادة تسمية أهل ايران بالفرس بدأها المستشرقون واعتنقها شاه ايران المخلوع عندما سعى الى احياء حضارة ايران السابقة للاسلام من أجل تأسيس قومية جديدة، مما يشبه سعي البعض في لبنان لإستنهاض الحقبة الفينيقية القديمة واعتبارها اساساً لقومية لبنانية جديدة. ولا ننسى ان الشاه فتـــــح ايـــــران لإسرائيــــــــل بل دخل في علاقـــــات وثيقـــة معهــــــا. وبعد سقوطـــــه ونشوب الحـــــرب العراقية ـــــــ الايرانية على يد الرئيس السابق صدام حسين استعارت ادوات الاعلام العربية والغربية المؤيدة له، مصطلحات الشاه المخلوع للقول بأن الحرب هي 'بين العرب والفرس'.
وبعد سقوط الشاه قامت في ايران جمهورية اسلامية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنادي، بلا أدنى حرج، بتحرير فلسطين، كل فلسطين، وتحرير القدس، كل القدس. وهي، وبلا أدنى حرج، تؤيد المقاومة الاسلامية في لبنان ضد إسرائيل. وبدلاً من شكر الامام الخميني الذي اطلق هذا النداء وشكر قادة ايران من بعده الذين حافظوا عليه بكل ثبات، فإن هناك من يبشر بالعداء ' للفرس'.
ويتناسى هؤلاء المبشرون بأن ابناء ايران، سواء اطلقت عليهم اسم الايرانيين او العجم أو حتى الفرس، قدموا من خلال الحضارة الاسلامية اكبر مساهمة للحضارة الانسانية، وان منهم العظماء الذين يخيل للكثيرين انهم من العرب. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: ابن سينا، اشهر طبيب في التاريخ، وهو من مواليد بخارى التي جرى ضمها الى اوزبكستان في مطلع القرن العشرين، وبخارى هي من اهم المراكز الحضارية الاسلامية اطلاقاً. والفارابي، وهو من اشهر الفلاسفة، هو من مواليد فاراب من ضواحي بخارى. والامام البخارى، صاحب 'صحيح البخارى' الشهير عند المسلمين، هو من بخارى. والرازي، وهو عالم طب وفيلسوف شهير ويحمل لقب: ابو الطب، وهو من مواليد فارات التي جرى ضمها الى كازاخستان. والامام الغزالي، الفيلسوف الشهير وصاحب 'أحياء علوم الدين'، هو من مشهد (طوس) من أعمال خراسان، ايران. وجابر بن حيان، الفيلسوف والعالم الموسوعي ويحمل لقب: أبو الكيمياء، هو أيضاً من مشهد. والخوارزمي، وهو من اشهر علماء الرياضيات في التاريخ، هو من خوارزم، ايران.
وان الذين يبشرون اليوم بالعداء للفرس يديرون ظهرهم للتاريخ وينكرون الوحدة الاسلامية التي ساهمت مساهمة لا حد لها في بناء الحضارة الانسانية، دون تمييز بين عربي وأعجمي. وإذا خيّل لبعضهم ان كبار أعلام هذه الحضارة هم من العرب فحسب فإن هذا البعض يخطئ لأن كثرة من هؤلاء الاعلام هي من العجم الذين توحدوا مع العرب وسائر المسلمين في الاسلام حيث لا فرق بين مسلم وآخر إلا بالتقوى. وإن علينا ان نعتزّ وان نفتخر بهم جميعاً دون تفريق.
المصدر: صحيفة النهار

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد