قضايا وآراء » مصداقيّة سيمور هيرش حديث الإعلام الأميركي

يامن صابور
لم يكن سيمور هيرش بعيداً يوماً عن إثارة اللغط ـ الرسمي كما الشعبي ـ في وسائل الإعلام. وها هو الصحافي الأميركي السبعيني الحائز على جائزة &laqascii117o;بوليتزر" يشغل الرأي العام مرة أخرى بتقريره الأخير الذي نشره في مجلة &laqascii117o;لندن ريفيو أوف بوكس" حول مقتل أسامة بن لادن في أيار/ مايو من العام 2011.
وبحسب هيرش، فإنّ رواية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن العمليّة، تشوبها الأكاذيب والتناقضات، خصوصاً لناحية الدور الأميركي الاستخباراتي والعسكري الخالص، في إنجاز الغارة على مخبأ زعيم القاعدة.
يؤكّد هيرش في مقالته المطولة أن معرفة مكان اختباء بن لادن لم تكن نتيجة سلسلة التحقيقات والاستجوابات التي أجرتها الاستخبارات الأميركية. بل أن واحداً من كبار الضباط الباكستانيين تقدم إلى رجال السفارة الأميركية في إسلام آباد وعرض معلومات عن مكان وجود بن لادن، وذلك من أجل الحصول على مبلغ خمسة وعشرين مليون دولار التي وضعتها الولايات المتحدة كمكافأة لمن يدلي بمعلومات موثّقة عن المطلوب رقم واحد لدى الولايات المتحدة حينها.
ما أن خرجت مقالة هيرش هذه إلى العلن حتى بادرت الإدارة الأميركية عبر عدد من المسؤولين في البيت الأبيض والاستخبارات ووزارة الدفاع إلى الرد عليها بقوة وإنكار القصة ووصفها بالقصة المتناقضة التي تفتقر إلى الأساس.
تطوّعت وسائل إعلام عدّة أيضاً، لنفي رواية هيرش، وساهم كبار الصحافيين والمحللين بالتعليق على القصة وتفنيدها. استعادت صحيفة &laqascii117o;وول ستريت جورنال" الشكوك المثارة حول تقرير هيرش، خصوصاً اعتماده على مصادر فضلت البقاء مجهولة الاسم وتمت الإشارة لها بوظيفتها، وأهم هذه المصادر ضابط متقاعد في الاستخبارات الأميركية. المصدر الوحيد الذي تمت تسميته في التقرير كان المدير سابق للاستخبارات الباكستانية في تسعينيات القرن أسد دوراني، والذي على الرغم من أهميته إلا أن تقاعده منذ حوالي العشرين عاماً جعل الصحيفة تشكك في معلوماته.
من جهته، يعتبر هيرش أن المصادر مغفلة الأسماء أمر طبيعي في عالم الصحافة الاستقصائية، متسائلاً بحسب &laqascii117o;بيزنس إنسايدر" كم من المقالات مغفلة المصادر تنشر كل يوم في الصحافة من دون أن تثير كل ذلك اللغط. أما فيما يخص دوراني، فالرجل وفقاً لهيرش لا يزال لديه الكثير من الصلات الاستخباراتية في بلده وخارجها، ما يؤهله ليكون مصدراً موثوقاً للمعلومات. كما أشارت &laqascii117o;وول ستريت جورنال" الى تردي العلاقات الأميركية الباكستانية خلال العام 2011 ومع ذلك يدعي هيرش في تقريره وجود تعاون وثيق بين الطرفين لتحقيق العملية.
وحدها محطة &laqascii117o;إن بي سي نيوز" الأميركية ألمحت إلى توافق ما لديها من معطيات مع بعض ما طرحه هيرش؛ فقد كانت المحطة تتابع منذ بعض الوقت معلومات تؤكد وجود ضابط باكستاني متعاون مع الاستخبارات الأميركية كان له الدور الأكبر في الوصول إلى مقر بن لادن، وأن هذا الضابط حصل على مكافأته وأنه يعيش حالياً في الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، تناقلت معظم المواقع أنباء عن وجود قصة مماثلة لتحقيق هيرش نشرت، بعد مرور بضعة أشهر على العملية، في مدونة على شبكة الانترنت من قبل أستاذة جامعيّة سابقة وروائية تدعى آر جي هيلهاوس لطالما كتبت في شؤون الأمن القومي وقضايا التجسس. كتبت هيلهاوس حول وجود معلومات مغايرة للرواية الرسمية منذ آب في العام 2011 وذلك وفقاً لمدونتها الخاصة ولموقع &laqascii117o;ذا انترسبت"، وهي كما يبدو اعتمدت على مصادر من عالم الاستخبارات غير تلك التي استقى منها هيرش معلوماته. تتقاطع روايتا هيلهاوس وهيرش في معظم تفاصيلهما، ولكن هيرش أخبر موقع &laqascii117o;ذا هفنغتون بوست" أنه لم يعلم بوجود مدونات هيلهاوس قبل نشر تقريره.
القضية الإشكاليَّة الأخرى التي أثارتها بعض المواقع كانت في نشر هيرش لتقريره في مجلة &laqascii117o;لندن ريفيو أوف بوكس" عوضاً عن مجلة &laqascii117o;ذا نيويوركر" كما اعتاد هيرش منذ التسعينيات. شكّك رئيس مجموعة &laqascii117o;سلايت" الإعلامية جاكوب وايسبرغ بمصداقية المقالة بتغريدة &laqascii117o;احذروا مقالات هيرش التي تُعرِض عنها ذا نيويوركر"، قائلاً إنّ الاستخبارات الباكستانية غررت بهيرش وتلاعبت به. نشرت &laqascii117o;ذا نيويوركر" في صيف العام 2011 وصفاً سينمائياً تفصيلياً للغارة بقلم نيكولاس شميدل يتفق مع رواية البيت الأبيض حول الأحداث التي جرت في تلك الليلة والتمهيد لها وما تبعها من إجراءات. ويبدو أنّ رئيس تحرير المجلة، دايفيد ريمنيك، يرى في هذه القصة ما يتناسب مع توجه المجلة أكثر من نظريات هيرش.
ويبقى الموضوع مثار جدل إعلامي نشط، وقد تضيع الرسالة التي يحاول هيرش إيصالها عبر الغرق في التفاصيل، وتحويلها إلى قضية &laqascii117o;نظرية مؤامرة" يتناقلها الناس بخفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يكفي رصيد هيرش، من كشفه لمجزرة مي لاي التي قامت بها القوات الأميركية إبان حرب فيتنام، إلى التحقيق في قضايا التعذيب والانتهاكات في سجن أبو غريب، لمنح مقاله الجديد المصداقيّة؟
ترى صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" أن تصريحات البيت الأبيض المتناقضة عقب العمليّة ساهمت في منح قصة هيرش بعض الجاذبيّة والمصداقيّة. صحيح أنّه ليس هنالك من دليل ملموس على ادعاءات هيرش، لكنّ الأمر ذاته ينطبق على المشككين في صحة تقريره الذين ليس لديهم سوى رواية البيت الأبيض الرسمية، وتساؤلات عدّة لا إجابات لها. فهل هنالك أكثر مما كتبه هيرش، الذي أصاب نجاحاً في قصص وفشلاً مريعاً في قصص أخرى؟ قد نحتاج إلى بضع سنين أخرى لنعرف.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد