نور أبو فرّاج
متابعة تغطية &laqascii117o;الجزيرة" للعدوان على غزّة اليوم، تعيدنا إلى شتاء 2008/2009. يومها تجمّع ملايين المشاهدين في الوطن العربي أمام شاشة القناة القطريّة، لمتابعة تغطيتها المكثّفة لمستجدات عمليّة &laqascii117o;الرصاص المصبوب" التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع. في ذلك الوقت، كانت فلسطين قادرة على الاستئثار باهتمام شرائح واسعة من الجمهور، باعتبار الجميع متفقين، على أنّها &laqascii117o;أم المعارك". كانت فلسطين أيضاً، وإلى حد كبير، قضية عُمل على تجريدها من حدود الزمان والمكان، والتحالفات السياسية والإقليمية، بحيث يمكن لقناة مثل &laqascii117o;الجزيرة"، أن تأخذ على عاتقها مهمّة فضح الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن يبدو في ذلك أي ضربٍ من التناقض.
لكن ماذا عن فلسطين اليوم، بعد كل هذا الاستنزاف العاطفي والمعرفي للجمهور العربي خلال السنوات الثلاث الماضية؟ وهل بقي للمشاهدين العرب أي مصدر معلومات موثوق لم يفسده التحيّز السياسي أو الطائفي؟
وسط العدوان المتواصل على غزّة اليوم، تكثّف &laqascii117o;الجزيرة" تغطيتها لعمليّة &laqascii117o;الجرف الصامد". تخصّص صدارة نشراتها الإخباريّة للشأن الفلسطيني، قبل العودة لملفات العراق ثم سوريا، ومصر. تجاهد الجزيرة لاستعراض شبكة مراسليها من داخل القطاع، وعلى الحدود بينه وبين &laqascii117o;إسرائيل"، ومن القدس المحتلّة، ومعبر رفح، وصولاً إلى مجلس الأمن في نيويورك. لا توفر القناة فرصة للحديث مثلاً عن حساسية الدور المصري في هذه المرحلة.
لا يختلف أسلوب تغطية &laqascii117o;الجزيرة" لأخبار غزّة الآن، عن مواكبتها السابقة للحروب الإسرائيليّة على القطاع، من حيث إعطاء الأولوية للجانب الإنساني، بدلاً من التركيز على خيار المقاومة. تضخّ القناة تقارير محزنة تركّز على صورة الفلسطينيين الضحايا، المنكوبين. ولأن الجمهور العربي اكتسب مناعة ضد التأثّر السريع بمشاهد القتل والضحايا، كان على &laqascii117o;الجزيرة" أن ترفع من عيار المأساوية. لنشهد مثلاً تقريراً مصوّراً عن شاب فلسطيني فقد ثمانية من أفراد عائلته دفعة واحدة. أو تقريراً آخر بعنوان: &laqascii117o;صمود أسطوري لأم فلسطينية لدى استشهاد ابنها"، وتظهر فيه الأم منكبّة على ابنها المسجّى داخل النعش. تهمس له بكلمات هادئة وواثقة، وتعده بأنه سيجد عائلة أفضل في الجنة. تصر الكاميرا على الالتفاف حول النعش وتصوير يد الأم التي تمسّد وجه الميت. هذا ولم تنس &laqascii117o;الجزيرة" انتقاد انشغال الجمهور بالمونديال عما يجري في فلسطين، حينما أعدّ ماجد عبد الهادي تقريراً مشبعاً باللغة الأدبية التهكمية الساخرة من مفارقة الصمت العربي إزاء ما يحصل في القطاع، مقابل صرخات الحماس &laqascii117o;كلما ركلت قدم ميسي الكرة".
تفكيك خطاب &laqascii117o;الجزيرة" السياسي خلف هذه التغطية، أمر معقّد، إذ يرى بعضهم أنّ القناة القطريّة تحاول حصر مفهوم المقاومة بـ&laqascii117o;حماس"، وتجاهل الفصائل والأطراف الأخرى. فيما يتساءل آخرون عن مخاطر المبالغة في تقدير حجم القوة العسكرية للمقاومة، والتي قد تترك انطباعاً بأنّ الحرب متكافئة.
تحتاج &laqascii117o;الجزيرة" اليوم إلى معجزة لإقناع جماهيرها بأنّها تهتم حقاً لما يحدث في غزة. إذ أن الذاكرة القريبة للمشاهد لم تشف بعد من أسلوب تعاطي القناة مع الملف المصري والسوري والعراقي. إذ لا يكفي لتحديد مدى الإخلاص للقضية الفلسطينية، تتبع ترتيب الخبر ضمن النشرة، أو رصد قاموس المصطلحات. فقناة &laqascii117o;الجزيرة"، وغيرها من القنوات، مسؤولة عن تخمة المشاهد من لقطات القتل والدم. ساهمت &laqascii117o;الجزيرة" بتكريس نمط إعلامي قوامه الانفعال والتباكي.. ما يعني أنّ أيّ &laqascii117o;ضربة حظّ" بشحنة عاطفيّة، كافية لقلب أولويات المشاهد، سواء كانت مباراة في المونديال أم مشهداً دموياً، على اعتبار أنّ &laqascii117o;الأهم"، هو ما يدفع المشاهد إلى ذرف دموع أكثر. الإعلام اليوم أيضاً مسؤول عن وضع الانتصارات في حجمها، والخيبات كذلك، وبدء تقديم تغطيات وتحليلات معمّقة لفهم الواقع الفلسطيني ومقومات الانتصار الحقيقي. إن كان هناك أي فائدة لفقدان الحساسية تجاه العنف بتأثير الجرعات الزائدة منه، ستكون قناعة شرائح جماهيرية واسعة بأن التقارير ذات الطابع الإنساني العاطفي قد لا تخدم أهدافاً إنسانية في نهاية المطاف.
المصدر: صحيفة السفير