صحافة دولية » كيف ترى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية العالم في سنة 2035؟

كتبه: أود ماسيو، وإيتال باتي ​

وكالة المخابرات المركزية تنشر ثلاثة سيناريوهات محتملة عن وضعية العالم بين سنتي 2020 و2035.

نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يوم الخميس الفارط تقريرا باللغة الفرنسية تحدثت فيه عن رؤيتها المستقبلية للعالم خلال العشرين سنة القادمة.

في الواقع، لا تقدم توقعات "السي آي إيه" مؤشرات إيجابية. تنشر وكالة المخابرات الأمريكية تقريرا كل أربع سنوات، يتضمن نظرتها المستقبلية للعالم. وقد نشرت الوكالة تقريرها الأخير الذي يبلغ طوله 300 صفحة تحت عنوان "رؤية السي آي إيه ومجلس المخابرات القومي لمستقبل العالم في سنة 2035: مفارقة التقدم". وقد حصل دونالد ترامب على نسخة من هذا التقرير يوم تنصيبه في البيت الأبيض.

دخلت السي آي إيه في صلب الموضوع مباشرة، حيث أكدت أننا "سنشهد، خلال السنوات الخمس القادمة، ارتفاعا في مستوى التوتر بين عدة دول داخليا وخارجيا"

في الصفحات الأولى من تقريرها الأخير، دخلت السي آي إيه في صلب الموضوع مباشرة، حيث أكدت أننا "سنشهد، خلال السنوات الخمس القادمة، ارتفاعا في مستوى التوتر بين عدة دول داخليا وخارجيا"، وسط تراجع نسبي لنسق النمو العالمي. أما بالنسبة للوضع الأمني العالمي، فإن المخاطر الإرهابية قد تشهد تطورا من حيث الانتشار والأساليب المعتمدة. أما بالنسبة للحكومات، فإنها قد تكون عاجزة تماما عن مواجهة الخطر الإرهابي. وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن "الحكومات ستواجه قضية مركزية، تتمثل في كيفية تعزيز جهودها الفردية والجماعية للتحالف فيما بينها من أجل العمل على فرض الأمن، وإحياء الأمل في نفوس الشعوب من جديد".

عددت السي آي إيه في تقريرها ثلاثة سيناريوهات محتملة لتقسيم العالم بين سنتي 2020 و2035، إما في شكل جزر منفردة أو مناطق متفرقة خاضعة لسيطرة أفراد أو مجتمعات منعزلة.

السيناريو الأول: "جزر منعزلة عن العالم"

يتمثل السيناريو الأول في صياغة رؤية جديدة لعالم يشهد نموا طفيفا ونظام عولمة منهارا وخسائر على جميع الأصعدة، خاصة في ظلّ عجز الحكومات عن التحرك لوضع حد لهذه الأزمات.

هيمكن أن تتواصل الأزمة المالية، التي بدأت منذ سنة 2008، لعشرين سنة قادمة، مما قد يؤدي إلى انهيار وإضعاف اقتصاد عدة دول، لن تجد حلا سوى التقوقع على نفسها. وفي هذا الصدد، ذكرت الوكالة الأمريكية في تقريرها: "كل دولة ستعمل على التقوقع على نفسها أمام تلاحق الأزمات، من خلال بناء جدار عازل يفصل بينها وبين جيرانها بهدف الحد من أزماتها الداخلية، مما سيجعل العالم فيما بعد أشبه بالجزر المنعزلة داخل محيط هائج".

يبدو أن كل من دول القارة الأوروبية ودول أمريكا الشمالية لن تكون قادرة على مجاراة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية للعالم الجديد أو التكيف معها. أما بالنسبة للقارة الصفراء، فالوضع لا يختلف كثيرا، إذ أن الازدهار الاقتصادي سينعكس سلبا على الدول الآسيوية "لأنها لن تقدر على توفير متطلبات شعوبها بصفة كافية، عندما ينهار السوق العالمي، فالصين والهند ستقعان في "فخ الدخل القومي المتوسط"، وستعرف هذه الدول ركودا اقتصاديا، سيؤثر سلبا على نسبة النمو الاقتصادي، الأمر الذي سيتسبب بدوره في تراجع الأجور". ولن يسلم أصحاب الطبقة المتوسطة من تداعيات هذه الأزمة، بل سيتأثرون سلبا كغيرهم من الفئات، وسيصبح أغلبهم من الطبقة الفقيرة.

وفي سياق آخر، سوف تكون نتائج ما يُسمى "بالعولمة" وخيمة للغاية، حيث ستتسبب في تعميق الفوارق الاجتماعية وبروز نخب شعبوية، ستدفع الحكومات لاتخاذ تدابير وقائية عوضا عن التعامل مع الوضع بناء "لغة الحوار". وفي نفس السياق، لا زالت إمكانية بروز "نخب اقتصادية مصطنعة" أمرا واردا، ما قد يعمق الأزمة الاقتصادية ويساهم في انتشار البطالة بصفة غير مسبوقة.

أكدت السي آي إيه في تقريرها أيضا، أن كل هذه الأزمات سوف تكون مسبوقة "بمرحلة نمو وازدهار". وسوف يكون هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مختلف المناطق. وبعد انهيار سوق الشغل

وأكدت السي آي إيه في تقريرها أيضا، أن كل هذه الأزمات سوف تكون مسبوقة "بمرحلة نمو وازدهار". وسوف يكون هناك أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مختلف المناطق. وبعد انهيار سوق الشغل، ستمثل الاختراعات التكنولوجية ورقة رابحة لإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي. وسنشهد ولادة عالم جديد، يتحد فيه الإنسان مع الآلة. وفي المقابل، لن تنجح كل الدول في تخطي هذه المرحلة، وحدها الدول التي راهنت على التطور التكنولوجي وحافظت على بقاء "أدمغتها" داخل أراضيها، ستنجح في ذلك.

السيناريو الثاني: تسابق عسكري

أما السيناريو الثاني فيحمل عنوان "مناطق متفرقة خاضعة لسيطرة أفراد"، ويلخصه أحد مستشاري الأمن القومي، الذي توقع تواصل هيمنة مرشحين يعملون على الحفاظ على صورة النظام المتغطرس للولايات المتحدة إلى حدود سنة 2032. أما سنة 2020، فسوف تسجّل ارتفاعا غير مسبوق في مستوى التوتر بين القوى الإقليمية، وخاصة الصين وروسيا. لكن إيران أيضا ليست بمنأى عن هذه التوترات، فهذه الدول جميعها ستعمل على استغلال تراجع تأثير الولايات المتحدة على عالميا، لتتصارع فيما بينها لملء الفراغ "كقوة عالمية جديدة". ولكي تحقق هذا الهدف، يجب عليها أن تفرض "سيطرة مطلقة في مجالات الاقتصاد والسياسة والتسليح على المستوى الإقليمي بدرجة أولى". وستكون هذه التوترات بمثابة إعلان بداية حرب كبرى، تبدأ بأعمال انتقامية في المجالين الاقتصادي والديبلوماسي بين هذه الدول، ثم تتحول إلى حرب إلكترونية عنيفة.

ويعتقد المستشار أن "الخسارة الكبرى وسط كل هذه المعمعة هي تشويه "الحقيقة"، فوسائل الإعلام ستتجند لنشر دعاية دول تسعى لأن تكون قوة عالمية، لذلك ستتحول الأخبار إلى مجرد كذبة".

لن تقبل الولايات المتحدة بأن تأخذ مكانها دولة أخرى عالميا، رغم أن ذلك قد يكلفها مواجهة مباشرة مع الصين أو روسيا

وفي نفس السياق، لن تقبل الولايات المتحدة بأن تأخذ مكانها دولة أخرى عالميا، رغم أن ذلك قد يكلفها مواجهة مباشرة مع الصين أو روسيا. وسوف نشهد حربا أخرى باردة بين هذه الدول خلال سنة 2020. وفي سيناريو آخر، ربما تشهد سنة 2028، حربا عنيفة بين الهند والباكستان، مما قد يدفع أحد البلدين لاستعمال ترسانته النووية.  

السيناريو الثالث: طوائف تقود العالم

يتمثل السيناريو الثالث في "هيمنة طائفة على طوائف أخرى". فالعالم يشهد حاليا تقدم جماعات محلية على حساب حكومات وطنية بسبب فقدان الشعوب لثقتها في شخصية الحاكم الوطني. فالفكر القومي الطائفي أو الشعبوي تغلغل بصفة كبيرة داخل المجتمعات، وسمح بظهور كيانات داخل الدول نفسها. ففي الشرق الأوسط، ثار الشباب ضد النظام والتطرف الديني، وساهموا في بروز ما يُعرف بثورات الربيع العربي. أما بالنسبة لكل من الصين وروسيا، فمن المستبعد قيام ثورات داخلها، كما يصعب أيضا أن تشهد نفس التغيير الذي حققته بعض الدول العربية الثائرة. وبغض النظر، عن نجاح أو فشل الثورات، فإنها ستخضع دون شكّ لإملاءات الأنظمة الديمقراطية الغربية، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.


ليبراسيون الفرنسية | ترجمة وتحرير نون بوست | 31 كانون الثاني 2017

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد