قضايا وآراء » كُنْ

نصري الصايغ

مَن أنت؟ أين أنت؟ كيف أنت؟ إلى متى أنت؟ من أجل ماذا ومَن أنت؟... متى تغضب وتنطق وتقف؟ صمتك جريمة. لا مبالاتك أكبر. استسلامك لعنة. استقالتك تقرب من الخيانة.
أسئلة لي ولكل مواطن، من أي مكان، من المحيط إلى الخليج. المشهد العربي مكتظ بكل المحاربين والمحتربين، من كل الأديان والمذاهب والأعراق والتنظيمات. المشهد العربي، لم يعد عربياً. هو مشهد من عدم يتآكل، ويمضغ المستقبل. الغد العربي مستحيل، بأدوات الفتك والقتل والتكفير والاستعانة بقوى الأرض كلها، لتقاتل وتقتل، بجدارة الإخضاع والقبول: إن أي مصير، مهما كان بائساً ولاإنسانياً، أفضل من المصائر الراهنة. صار المواطن مؤمناً بشعار بائس: &laqascii117o;دعونا نعش"، وخذوا منا ما يذهل العالم. لا نريد شيئاً سوى: &laqascii117o;دعونا نعش". فقط، لا غير.
أنتَ وحدك، ولستَ وحيداً. مثلك الملايين. أنت وحدك وقد بلغت من العمر ما يوازي ألف مقتلة، كنت فيها شاهداً، معفراً بدمك ودماء بلادك... أنت وحدك، وكثيرون مثلك، وقد عايشت ما يقارب عشرة ملايين مأساة بشرية، من أهلك وشعبك... أنت ما يقارب عشرة ملايين مأساة بشرية، من أهلك وشعبك... أنت وحدك، ومعك أكثرية مسحوقة، وقد تخطّيت طاقة الاحتمال القصوى من العنف، من كل الجهات ومن كل الأنواع ومن كل المذاهب ومن كل الأنظمة، ومن كل أصحاب الفتاوى، ومن كل الدول المعادية والصديقة(!)... أنت وحدك، والشهود يملأون المنافي، وقد عوَّلت على خلاص مقبل من أنقاض البشر والحجر. عانيت ما لم تره عين وما لم تجد به مخيلة وما لم يصدقه عقل وما لم ينبئ به أحد من قبل... أنت وحدك، وهم أيضاً، مطلوب منك أن تجيب، مَن أنت؟ كيف أنت؟ إلى متى أنت؟... ومتى تنفجر غضباً وتقول بقبضتك وبما تملكه من طاقة اللاعنف فيك. كفى.
مذلٌّ ألا ترفع إصبعك. مهين أن تعبر الأيام والسنوات عليك وأنت مشغول فقط بأعداد الشهداء والقتلى والجرحى والأسرى والمعذبين والمنفيين والمضطهدين والمقتلعين والطافرين والهائمين على وجوههم بحثاً عن سراب الخلاص... مربك أن تسمّي نفسك إنساناً، وتبقى حياً تُرزق، تأكل وتشرب وتنام وتنسل والعالم، عالمك، من حولك، مقبرة مفتوحة على المزيد... مشين أن لا تصرخ، &laqascii117o;أنا ضدّكم يا أولاد الأفاعي" أنا ضدكم، أيّها &laqascii117o;المبشرون بالفردوس الدامي". سأنازلكم بما لديَّ من صوت ونبرة وقبضة، وبكل ما لديَّ من طاقة على احتقاركم...
نبيل أنت، عندما تكون أنت، بصوتك وبأصوات الآخرين، متحدّياً. لن تكون الصوت فقط، الصارخ في برية هذه الأمة يُصغي إليه المستقبل، فيلاقيه في منتصف الأمل. لا تموت أمة إلا إذا فقدت صوتها وافتقرت إلى الأمل.
سمِّ الأشياء بأسمائها. أنتِ ضدّ مَن؟ التعميم تمويه وتخلّص. قل كلمتك وادفع الثمن. لا شيء مجانياً في هذه الحروب. تسجيل المواقف ليس مجانياً. لا تستسهل تسمية العدو البعيد. تجرّأ على القريب. والمواجهة تبدأ مع القريب. ادفع في معركتك بكل ما تملكه من طاقتك السلمية. سلميتك سلاحك. سلاحه دليل على فقدانه القول والكلام والحقيقة. لا تكتفِ بتسمية &laqascii117o;داعش" وهي البعيدة عنك. لا تستثنِ أحداً. الاستثناء مذمّة وفقدان للصدقية. معركتك مع ما حولك ومَن حولك تقتضي أن تضع الإصبع في العين. لا تقل إنك ضد الإسلام السياسي. هذا الإسلام السياسي، في فتنته العظمى، له أسماء وموجود في جبهات مختلفة. سمّهم جميعاً. وقل: أنا ضدكم، لأنكم الارتكاب الأعظم، والنكبة العظمى، لا تستثنِ أحداً من الاستبداد. لكل استبداد اسم ومكان وصفات. استبداد رجعي ملكي، استبداد عسكري أمني انتهازي تسلطي. استبداد ديني فقهي، استبداد مسالم أو استبداد ممانع. اِرم تهمتك وستصيبهم جميعاً. من المحيط إلى الخليج، بدءاً بممالك وإمارات الخليج، وصولاً إلى دمشق وبغداد والقاهرة وليبيا وبداية &laqascii117o;بحر الظلمات".
قل إن ضد الارتكاب، من كل الجهات، ضد الذبح والسفك والقصف والحصارات. ضد البراميل البربرية القاتلة، وضد القصف بالصواريخ الحديثة والطائرات العابرة بالموت من فوق لتوزيعه على بشر يصيرون بسرعة ما فوق الصوت أشلاء. قل أنا ضد الذين يقاتلون ويقتتلون ويقتلون في سوريا. خمس سنوات ونصف، وسوريا تتعرض للقتال، ولا ينتج عنه غير القتل. ماذا تفعل تركيا والسعودية وإيران وروسيا وأميركا والتحالفان الدوليان غير القتال... هؤلاء ما زالوا موجودين، وسيظلون موجودين، أما سوريا فلا. لقد باتت نموذجاً للدولة المتأهلة للدخول إلى العصر الحجري... قل، إنكم تقتلون فقط، بلا أفق لانتصار، وتجتمعون لتفادي استمرار الحرب التي تستمرون بتسعيرها. قل أنا ضد الشرق الأوسط الجديد وركامه المتعاظم على أجساد شعبنا وما تبقى عنده من روح وما تبقى عنده من انتماء.
تجرّأ وقل إنك ضد المذهبيات السائدة بأسمائها &laqascii117o;الجليلة"، بدءاً من الأئمة السابقين، الأربعة أو أكثر. قل إنك لا تقبل ابن تيمية والوهابية والإخوانية، وما أنتجته هذه الأخيرة من طوفان الحركات المطالبة بـ &laqascii117o;الحاكمية الإلهية" وبالخلافة. قل إنك ضد ولاية الفقهاء والعلماء ورجال الدين. قل لرجال الدين، عودوا إلى كتابكم واتركونا وشأننا. نحن أدرى بشعاب &laqascii117o;المدينة"، تخصصوا فقط، بشعاب مكة الروحية... لا تكتف بذلك، اِلعن علانية التحالف الديني الرأسمالي العولمي السلطوي الإعلامي. قل إنك ضد النيوليبرالية المتوحّشة والاجتياحية. وسيطرة رأس المال المالي على السياسة والاقتصاد والإعلام والتربية والثقافة والتعليم، ما أنتج أجيالاً تستهلك ولا تقول شيئاً مضاداً للارتكاب. هذا عصر لا إنساني متفوّق. رأس المال عالم بلا روح، يؤمن بأن الربح إله، وكل طريق إليه حلال، حتى ولو كان بإذكاء الحروب وتجارة الأسلحة وتوسيع جغرافية الاستهلاك وتعميم ثقافة العجز والاستسلام... انتفض وقل لا.
لا تكتفِ بهذا الرفض. أعلن عن إيمانك العميق، بالحرية وبالإنسان. قل أنا مع الحرية بحدود الديموقراطية. قل أنا مع منع رجال الدين من التدخل في السياسة. قل أنا مع كل ما هو سامٍ وجميل وبديع. قيمة الإنسانية بإنسانها وإنسانيتها، وليس بما يُفرض عليها... أعلن انحيازك إلى المظلومين والضعفاء والمضطهدين والمنفيين والنازحين واللاجئين... تخلَّ عن كل شبهة عنصرية. كن فلسطينياً جداً. هي تحت الاحتلال. كن لبنانياً جديداً وجداً. إنه محتل من قبل الطوائفيات المتحدة. قل أنا مع سوريا السورية، بشعبها وليس بمذاهبها وأنظمة استبدادها. قل أنا مشغول ببناء سلام المواطنة. من دونها، هذه المواطنة، الأمة مسرح للشياطين. وهاكم البرهان من المحيط إلى الخليج.
هكذا تكون أنت أنت. تعرَّف مَن أنت ولماذا أنت وكيف أنت؟ وكم جميل ومعبِّر أنت!
هل هذا مستحيل؟
هناك مستحيلات كثيرة. وحدَك، بهذه الصيغة، تمنع المستحيل العدمي من الإقامة في الزمن المقبل.
المصدر: جريدة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد